عبداللطيف البوني

عبداللطيف البوني يكتب: الحتة الفيها الحديدة

(1 )
لا بأس من استدعاء قصة ميز معلمي رفاعة الثانوية في ستينات القرن الماضي، حيث كان رهط من المعلمين السودانيين ويسكن معهم في ذات الميز معلم بريطاني فأرادوا تأمين سقف المنزل خوفا من المطر فصعد أحدهم لـ (راس) البيت وقام آخر بملء الجردل المربوط عليه الحبل بالتراب، فأراد الخواجة المشاركة فحمل الجردل بحبله ووقف متحيرا في انتظار الخطوة التالية، فقال له الصاعد وهو قليل الزاد في اللغة الانجليزية يا خواجة (ديو يو نو انقلش؟) هل تعرف اللغة الانجليزية فرد (اأوف كورس) طبعا فقال له بالعربي (طيب ما تجدع الحبل ) كأني بهذا الأستاذ قد خانه التعبير فهو يريد ان يقول للخواجة الأمر واضح ولا يحتاج الى لغة كي تعرف المطلوب منك اي الحال يغني عن السؤال.
(2 )
أها الخواجات ديل من أمريكان وأوربيين وتابعيهم في مؤسساتهم وفي المؤسسات الدولية السياسية منها والمالية، لم يتركوا أمرا يدعم الحكومة الانتقالية في السودان إلا فعلوه فقد أخرجوا البلاد من عزلتها وطبعوا علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية والإقليمية من صندوق وبنك والذي منه بالقروض التجسيرية والما عارف إيه وخطوا بها خطوات واسعة نحو إعفاء الديون وقالوا لنا ان بلادكم الآن أصبحت مثلها مثل اي دولة في العالم ولن يعافها أحد بعد اليوم ويمكن ان تتلقى القروض والمنح والمساعدات والاستثمارات من كافة أنحاء العالم وحكومتنا من جانبها لم تقصر معهم وفعلت لهم كل مايطلبونه مهما كان غاليا فأصبحت أجواء السودان مفتوحة لطائرات العال الإسرائيلية ومطار الخرطوم لطائرات الاستخبارات الاسرائيلية ثم حررت السوق وعومت الجنيه وهاهي تزيد في أسعار الوقود كل صباح جديد ولكن شيئا واحدا لم يفعله هؤلاء الخواجات وهم يعلمون انه الأهم وهو وضع شوية مليارات من الدولارات (حديدة) في البنك المركزي السوداني لسد عجز الميزانية حتى تتجنب الحكومة شراء الدولار من السوق الموازي(اسم الدلع) فتعود للجنيه السوداني عافيته ويبرد غول التضخم الذي خرب البيوت السودانية ولحقها أمات طه.
(3 )
أولئك الداعمون والمانحون والشركاء وان شئت قل الأصدقاء في مؤتمراتهم من اجل السودان في برلين و باريس ناقشوا كل شيء عن الاقتصاد السوداني ولكن لم يفتح الله عليهم بكلمة حول عجز الموازنة والتضخم وهم يعلمون جيدا أن طوق النجاة وان شئت قل (حبل) النجاة هو هبة أو وديعة او منحة دولارية توضع في البنك المركزي . الأمر المؤكد ان حكومتنا السنية تعلم أكثر منا بكثير اهمية هذه (الكوشن) اي المخدة ليس لموازنة الميزانية فحسب بل هي الموطأ لاي سياسة تحرير اقتصادي ولا شك انها شكت وبكت من أجل هذه المخدة؟ فيبقى السؤال المحير لدرجة الجنون لماذا لم يجدع هؤلاء الخواجات الحبل لإنقاذ هذه الحكومة وهم يكنون لها كل هذا الحب ولا يريدون غيرها بديلا ؟ هل يريدون وضع الشعب السوداني على المحك ؟ هل يريدون رفع الدولة وتركيع الشعب ؟ هل يريدون إبقاء الحكومة تحت الضغط المستمر؟ هل يريدون إغلاق الطريق أمام اي تغيير سياسي ؟ لاشك ان في الإمر إن كبيرة فالذي نقول به هنا (المخدة)هو من بديهيات الإصلاح الاقتصادي وقد فعله أولئك القوم لكل الدول التي طبقت جزءا يسيرا من وصفة صندوق النقد، فلماذا لم يفعلوه لنا ونحن الذين لم نترك فرضا ناقصا لهم ؟ يبدو ان في الأمر بعدا سياسيا، فالاقتصاد هنا براءة.

 

 

 

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى