جعفر عباس يكتب: من أجل خاطر من يحبونك

قبل حين قصير من الزمان اعتقلت الشرطة في ولاية فلوريدا الأمريكية، رجلا لأن الشخص الذي كان على السرج الخلفي من دراجته النارية لم يكن مربوطا بحزام السلامة، ولم يكن يضع خوذة واقية على رأسه.. عادي.. لأن في ذلك مخالفة لقوانين السلامة المرورية؟ الشخص الذي كان في المقعد الخلفي للدراجة كان رضيعا عمره 16 شهرا (أكرر شهرا).
ما هو أعجب من ذلك هو أن قائد الدراجة كان يحمل أيضا على المقعد الخلفي الذي يجلس الرضيع على جزء منه 12 علبة مشروب ولكنها كانت مربوطة بإحكام حتى لا تسقط، يعني جعل سلامة المشروبات مقدمة على سلامة طفل ذلك الثور/البغل/الخروف (مع الاعتذار لكل الحيوانات لأنها لا تفرط في سلامة صغارها)، واستخدم هذه الكلمات مجازا لوصف حال إنسان يجعله التعلق بالمشروبات المحرمة يعرض حياة طفله للخطر، ولكنه لا يفرط في سلامة علبة بيرة.
في أواخر أكتوبر الماضي صدر أخطر وأهم تقرير عن الأمراض السرطانية عن الصندوق العالمي لأبحاث السرطان (لمن يريدون الاطلاع عليه في الانترنت عنوانه:
‏ Food, Nutrition, Physical Activity and Prevention of Cancer – A Global Perspective
التقرير فريد من نوعه لكونه خلاصة 7000 دراسة من مختلف أنحاء العالم، ورغم لغته العلمية، إلا أنه بمقدور الإنسان العادي فهم محتوياته..
باختصار شديد يقول التقرير ان التغذية الصحيحة وبعض النشاط الرياضي اليومي كفيلان بتوفير المناعة ضد الكثير من السرطانات: مثلا، لا تكثر من اللحوم الحمراء وابتعد عن الخمر واللحوم المعالجة (بسطرمة – مورتديلا – بيكون إلخ).. المشكلة هي ان هناك من يقول لك عندما تنصحه بالإقلاع عن التدخين لتفادي سرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي، ان جاره حسين يدخن منذ سبعين سنة وعمره الآن فوق التسعين وما شاء الله عليه، قوي مثل الثور.. يا صديقي الخمر ستفتك بكبدك وتسرطنها فيرد عليك: أنا أشرب فقط النبيذ الأحمر المصنوع من العنب وقد أكد الأطباء أنه مفيد للدورة الدموية.. أوكي.. طالما أنك تعرف أن ذلك النبيذ مصنوع من العنب الأحمر، فلماذا لا تكثر من شراب عصير العنب الأحمر غير المخمر، الذي يعطي نتائج صحية أفضل لخلوه من الكحول؟
وهناك دائما من يقول لك عندما تنصحه بتجنب كل ما يسبب السرطانات والأمراض القاتلة: زين.. أتناول أطعمة مملة، وما أشرب.. ما أدخن.. امتنع عن أكل ما تشتهيه نفسي كي أعيش حتى سن التسعين او المائة وأقضي سنواتي الأخيرة في السرير أو دار للعجزة؟ الحكاية ” ما بدهاش، لا تستأهل”… طيب هل يستأهل أن تكون طريح فراش في مستشفى للأورام أو حتى في قسم القلب وحولك عيون فزعة وقلوب جزعة؟
هل يستأهل أن تقطع قلوب أهلك ومحبيك بعنادك وتمسكك بعادات مهلكة في طعامك وشرابك؟
الإنسان ذو الحس السوي يخشى الموت، ليس فقط لأنه سيفارق الدنيا، ولكن لأن موته سيوجع قلوب من يحبونه، ويترتب عليه ترمل ويتم وحزن مقيم طويل “كالطريق من الجحيم إلى الجحيم” كما قال الشاعر صلاح عبد الصبور.. أم أنك من أنصار فلسفة الشاعر السفيه القائل:
لا تنم واغتنم ملذة يوم / إن تحت التراب يوما طويلا؟
لم تنجح حملات التوعية بأضرار تدخين التبغ إلا بعد معارك ضارية استبسلت خلالها شركات التبغ لمنع وإجهاض تلك الحملات، ومع ثبوت ان التبغ قاتل ليس من الوارد منع تلك الشركات من مزاولة نشاطها الهدام، لأن الأمر يتعلق بالفلوس المليارية، والخمر أكثر تفشيا من المخدرات وأسرع فتكا منها، ولكن لا أمل في مجرد حملات للتذكير بمخاطرها بل ان من يحاول تنظيم مثل تلك الحملة يخاطر بحياته، لأن الترسانات العسكرية للدول “العظمى” قد تستهدفه، فإذا حرمت فرنسا من تجارة النبيذ صارت دولة من دول العالم الثالث، ولو تقلص او توقف انتاج اسكتلندا من الويسكي توقفت فيها عجلة الاقتصاد، وكل ما أمكن فعله لتجنيب الأجيال الصاعدة مخاطر الوجبات السريعة هو أحاديث خجولة هنا وهناك عن مخاطرها، وهكذا تبقى المبادرة لتفادي كل تلك المهلكات بأيدي الأفراد.. يعني كل شخص مسؤول عن سلامة نفسه.

 

 

 

صحيفة الشرق

Exit mobile version