القاهرة- عام 1964، وبينما تتكاثف سنوات الهزيمة قبل أن تٌعلن صريحة، في يونيو 1967، التقت المنتجة السينمائية اعتماد خورشيد بمدير المخابرات المصرية صلاح نصر، لتبدأ رحلة مع “الشيطان” كما وصفتها في كتابها الشهير “شاهدة على انحرافات صلاح نصر”.
لنحو 3 سنوات امتدت “الرحلة الشيطانية” إلى أن انتهت بالهزيمة أمام إسرائيل ومثول مدير مخابرات البلد المهزوم أمام ما عُرف بمحكمة الثورة، ورغم انتهاء العلاقة بين نصر وخورشيد فإن الأخيرة ظلت تحكي تفاصيلها حتى انتهت رحلة حياتها، الأحد الماضي، إثر إصابتها بفشل في وظائف الرئة.
عن عمر ناهز 82 عاما رحلت خورشيد التي أمضت آخر 30 عاما من حياتها مهتمة بأن تروي علاقات الفنانات برجال السلطة في عهد ناصر.
ولم تتوقف الراحلة وفق الجزيرة نت خلال 3 عقود عن سرد قصص تبدو خارجة من حقب أسطورية حول وحشية من كانوا يتحكمون في أمور البلاد خلال ستينيات القرن الماضي، وفق رواياتها وآخرين.
انحراف المخابرات
“من حق الشعب أن يعرف كل شيء” بهذه الجملة استهلت خورشيد كتابها “شاهدة على انحرافات صلاح نصر” الذي أثار، وقت صدوره أواخر الثمانينيات، جدلا واسعا لما احتواه من قصص عن تعذيب المعارضين وإرغام الفنانات على إقامة علاقات جنسية بزعم خدمة البلاد.
تناول الكتاب -الذي صدرت منه 6 طبعات خلال 3 أشهر فقط- بداية التعارف بين نصر والمنتجة السينمائية التي كانت وقتئذ متزوجة من المصور السينمائي أحمد خورشيد.
وقالت المؤلفة إن مدير المخابرات حاول اغتصابها ثم أرغم زوجها -مستغلا سلطات منصبه- على تطليقها، وعندما رفض الأخير أدخله مستشفى للأمراض العقلية ثم خرج منها ليشهد بعد ذلك على عقد الزواج الذي كان عرفيا.
وأكدت أن نصر اعتمد الجنس كأقصر الطرق للوصول إلى لمعلومة، وذكرت عديدا من التفاصيل حول تسجيل أشرطة فيديو جنسية لسياسيين ورجال أعمال وفنانات وفتيات صغيرات وسيدات مجتمع، مشيرة إلى أسمائهم بذكر الحرف الأول من الاسم الأول واللقب.
وخصصت خورشيد في كتابها -الذي صدر بعد 6 سنوات من رحيل نصر – بابا بعنوان “التعذيب حتى الموت” يتناول طرق التعذيب التي انتهجها مدير المخابرات بحق المعارضين للسلطة خاصة من جماعة الإخوان المسلمين. وأكدت أن قضية قلب نظام الحكم التي أعدم بسببها المفكر سيد قطب، عام 1966، كانت من تدبير نصر وشمس بدران الذي كان يشغل منصب وزير الحربية حينئذ.
كذلك تضمن الكتاب اتهاما صريحا لمدير المخابرات بإشرافه على عملية قتل الملك فاروق في منفاه بإيطاليا، وذلك من خلال وضع مادة سامة في طعامه.
وكان عبد الناصر أمر باعتقال نصر وقٌدم للمحاكمة، في مايو 1968، وتمت إدانته في القضية، المعروفة إعلاميا باسم انحراف المخابرات، بالسجن لمدة 15 سنة، وكانت خورشيد أحد شهود هذه القضية.
صلاح نصر خلال محاكمته (مواقع التواصل)
الوزير “الشريف”
في أكثر من لقاء إعلامي، أجري بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد 3 عقود في السلطة، تحدثت خورشيد عن دور صفوت الشريف، رجل المخابرات في عهد عبد الناصر الذي أصبح لاحقا وزيرا للإعلام، في عهد مبارك، وقيامه بإجبار فنانات مصريات على التعاون مع جهاز المخابرات وتصوير أشرطة جنسية لهن مع شخصيات هامة.
وقالت خورشيد إن كثيرا من الفنانات تعرضن لابتزاز “الشريف” من بينهن الفنانة الراحلة سعاد حسني التي تم تجنيدها لمراقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حسب زعمها.
كما اتهمت رجل المخابرات السابق بتورطه في مقتل ابن زوجها، الفنان عمر خورشيد الذي كان صديقا لسعاد حسني ودفعته واجبات الصداقة لتهديد “الشريف” بفضح ممارسته المنحرفة، مؤكدة أن عمر توفي في حادث سير مدبر من وزير الإعلام السابق عام 1981.
بل واتهمت المنتجة السينمائية الراحلة “الشريف” بأنه من وقف وراء مقتل سعاد حسني في لندن عام 2011، وتم الترويج حينها لكون حادث وفاتها انتحارا، واصفة إياه بالتلميذ المتفوق في مدرسة نصر.
وعقب وفاة “الشريف” في يناير الماضي، أعلن إيهاب خورشيد عن تلقيه العزاء في وفاة شقيقه عمر بعد أكثر من 40 عاما على رحيله، وقال، في تصريحات صحفية لموقع مصراوي، إنه رفض إقامة العزاء قبل 40 عاما بعد الحادث الذي دُبر لقتل شقيقه، حسب تعبيره.
وأردف إيهاب “صفوت الشريف عذبنا 50 سنة، أمي السيدة اعتماد خورشيد شهدت ضده في محكمة الثورة سنة 1968، ونتيجة الشهادة دي بعد ما بقى وزير انتقم منها ومن أولادها، ما حدث شيء أغرب من الخيال”.
واستطرد “أمي دخلت المستشفى 3 مرات وهي العضوة رقم 113 في غرفة صناعة السينما ونقابة السينمائيين، وزوجة أشهر مدير تصوير في مصر أحمد خورشيد، ومفيش حد فكر يرفع سماعة التلفون عليها، إحنا اللي أسسنا ستوديو مصر، وأمي اللي عملت أكبر ستوديو طبع وتحميض أفلام سينمائية، مدينة الإنتاج الإعلامي فكرة أمي وأبويا، والرسومات إحنا اللي مقدمينها، وفي الآخر جه حد وخد الفكرة”.
شيريهان
أواخر الثمانينيات، تعرضت الفنانة شيريهان لحادث مروع اضطرها لإجراء عدة عمليات جراحية مما أدى لتعطل مسيرتها الفنية عدة سنوات.
وحسب الأوراق الرسمية فإن ما جرى كان حادث سير عاديا، أما على الألسنة فتنامى الهمس بأن الحادث مدبر، وأن المدبرين يقطنون القصر الرئاسي ويرفضون العلاقة العاطفية التي ربطت الفنانة بعلاء نجل مبارك.
لم يرض الرئيس وحرمه بعلاقة نجلهم بفنانة، فكان السبيل هو التخلص من الطرف منعدم السلطة في تلك العلاقة، هكذا كانت الأقاويل التي جددتها المنتجة السينمائية خورشيد عقب ثورة 25 يناير.
وقالت خورشيد -التي تربطها صلة قرابة بشيريهان- إنها نصحت الأخيرة بالابتعاد عن الحكام حتى لا تتعرض للإيذاء من جانبهم، مؤكدة أنها لم تأخذ بنصيحتها.
من هي اعتماد خورشيد؟
اسمها الحقيقي اعتماد محمد علي حافظ رشدي، لكن بعد زواجها من المصور أحمد خورشيد، أوائل خمسينيات القرن الماضي، اختارت لقبه ليجاور اسمها الأول.
عملت في مجال السينما، وكانت تطمح في البداية لأن تكون ممثلة لكن زواجها، في وقت مبكر من عمرها وهي لا تتجاوز 14 عاما، أبعدها عن العمل أمام الشاشة واتجهت إلى الإنتاج السينمائي.
أسست شركة إنتاج وشاركت في إنتاج عدد من الأفلام، منها “غرام الأسياد، أولاد الملجأ، جمعية قتل الزوجات الهزلية” وأسست معامل للطبع والتحميض، شاركت في مونتاج عدد من الأعمال منها “العزاب الثلاثة، المغامرة الكبرى، الحسناء والطلبة”.
صدر لها عدة كتب “شاهدة على انحرافات صلاح نصر، دخلت القصر، حكايتي مع عبد الناصر، شاهدة على انحرافات صفوت الشريف” والأخير تمت مصادرته قبل طرحه بالمكتبات حسب تصريحات مؤلفته.
أكاذيب مغرضة
على الجانب الآخر، هناك من يعتبر ما روته خورشيد على مدار سنوات طويلة مجرد أكاذيب هدفها تشويه مؤسسات الدولة، وهو ما يعد جريمة تستوجب المحاكمة.
في يناير الماضي، طالب الإعلامي المقرب من السلطة، محمد الباز، بمحاكمة خورشيد بتهمة الترويج لما وصفه بالأكاذيب والنميمة السياسية التي استهدفت بها تشويه أجهزة الدولة.
وأوضح الباز، في برنامجه “آخر النهار” المذاع على فضائية النهار، أن خورشيد ذكرت في كتابها أن صلاح نصر أجبر زوجها على تطليقها، ولكنها خلال التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة بعد إصدار الكتاب قالت إنها هي من طلبت الطلاق لأن زوجها كان يخونها.
وأوضح أن المنتجة السينمائية هي التي سعت “لنسج خيوطها” حول صلاح نصر وليس العكس، وتابع “تم ذلك من خلال ابن شقيق المشير عبد الحكيم عامر، قائد القوات المسلحة وقتئذ، عندما لجأت له لإنها أوراق بيع معمل تصوير تمتلكه”.
واختتم حديثه قائلا “اعتماد خورشيد لو كان لها حق فيما تقوله، فإنه في النهاية واحدة من انحرافات شخصية لصلاح نصر، وليس انحراف جهاز المخابرات بالكامل كما يروج البعض”.
الخرطوم ( كوش نيوز)

