أحمد يوسف التاي

أحمد يوسف التاي يكتب: عندما لا نملك ثمن الموت

حالة الغلاء الطاحن والضائقة المعيشية، يبدو أنها أنست المواطن السوداني خطر البضائع الفاسدة، فأصبح الهم اليوم كيفية الحصول على السلع حتى ولو كانت فاسدة، فالذي يملك القدرة على شراء السلع الفاسدة فحق على الآخرين أن يحسدوه على هذه النعمة، حقاً لا تهون المصائب إلا بأكبر منها، قبل فترة كانت “فوبيا” السلع الفاسدة تتلبس الجميع، والآن فوبيا الضياع تشفي الناس مما سواها..

كنتُ قبل فترة أتابع وأرصد أحاديث الناس في مجالسهم عن ظاهرة المواد الكيماوية التي تضاف بكميات كبيرة للخضر والفواكه، واللحوم البيضاء والحمراء في عمليات تسمين الفراخ والمواشي، وكثيراً ما يربط الناس بين انفجار الأمراض السرطانية وهذه الظاهرة القاتلة، والآن تحولت الشكوى من السلع الفاسدة إلى شكوى من صعوبة الحصول على السلع الفاسدة بسبب الغلاء الطاحن، فالأغلبية الآن تبحث عمّا رخص سعره وفقد قيمته لا ما غلا ثمنه وعظُمت قيمته… أريتم ما الذي حلّ بأرضنا من فواجع …

كنا نتابع ونتأمل واقع الحال وقد استوقفتنا ظواهر عنوانها الأبرز الدمار الشامل للإنسان السوداني، هذا الدمار يتم على مرأى ومسمع الحكومة وهي تقف عاجزة عن فعل ما يمكن فعله لإنقاذ حياة شعب باتت على عتبة الهلاك، وكلما فاق المواطن من صدمة تستهدف حياته، كانت هناك أخرى في انتظاره حتى بدت عظائمها مستسهلة من كثرة التكرار.. كنا نرفع حواجب الدهشة إزاء ظاهرة: (سيول البضائع الفاسدة) لنستبين حجم الخطر الذي نُساق إليه، ظاهرة تدفق الأغذية الفاسدة التي امتلأت بها الأسواق، وتذكروا كم مرة طالعنا (مينشيتات) الصحف، وهي تلفت الأنظار بألوانها الحمراء– إلى ضبط مصانع تعمل على تعبئة زيوت فاسدة تدخل الأسواق، كم مرة كتبت الصحف عن مواد وبضائع منتهية الصلاحية تزدحم بها أسواقنا، كم مرة كتبت الصحف عن زيوت تستخلص من مادة البلاستيك المسرطنة وتُعبَّأ لتباع في أسواقنا على أنها زيوت طعام.. جمعية حماية المستهلك بُحّ صوتها من كثرة صراخها حول الأغذية الفاسدة، فكان مصير أمينها العام التهديد بالتصفية كما قال ذات مرة، وأما نيابة حماية المستهلك من كثرة ضبطيات البضائع والأغذية الفاسدة ظللنا نخشى عليها الأخرى حتى ظننا أن الإنسان السوداني مستهدف في صحته وأمنه، والمتهم هو مافيا الأغذية الفاسدة التي أمِنت العقاب ..

في ظني أن الفوضى التي ضربت بأطنابها كل شيء، واحتوت بأذرعها الأخطبوطية كل شيء وقد اطمأنت لتهاون الحكومة وتساهلها في حماية المواطن، حياة المواطن تواجه الآن شبح سيول الأغذية الفاسدة بلا رقيب، وأجهزة الحكومة حسبُها أن تضبط فقط، وحسْبُ الصحف أن تكتب فقط، والأحداث تتكرر في كل يوم، وفي كل يوم صدمة جديدة.. هذه السيناريوهات المتكررة تدلل على أن الخلل الأساسي في أجهزة الرقابة الحكومية.. الحكومة مسؤولة عن صحة المواطن وأمنه، فإن تشاغلت عن هذين الواجبين فلن تكون جديرة بالحكم ولا الاحترام، لكن مشكلتنا اليوم صرنا نبحث عن هذه البضائع الفاسدة ولا نملك ثمن الحصول عليها.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى