حواراتاقتصاد

التجاني حسين دفع السيد : لهذا السبب رفع الدعم ليس حلاً وهذا هو البديل

 الخبير الاقتصادي التجاني حسين دفع السيد له عدة صفات ومواقع؛ ولكنه ألزمنا أن نقول الخبير الاقتصادي وكفى، لأن هذه هي الصفة التي اختارها للإجابة على أسئلتنا حول المؤتمر الصحفي لوزيري المالية والطاقة؛ وكنا معه في جولة صعبة من الحوار حول السياسات الاقتصادية الراهنة والبدائل.. فهو يعترض بالكامل على السياسات الاقتصادية الراهنة ويطرح بديلها.. فإلى مضابط الحوار..

 

 

 * كيف تنظر للزيادة الأخيرة التي تم فرضها على الوقود وآثارها على المواطنين؟

— هذه الزيادات تتلخص عندها مجمل السياسات المتبعة من جانب وكلاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والإملاءات الخارجية الذين سيطروا على الاقتصاد الوطني وصاروا يطبقون هذه الروشتة اللعينة المفروضة من الخارج، ويتجاهلون البرامج والحلول التي قدمها لهم خبراء اللجنة الاقتصادية منذ عام ٢٠١٩ والتي تستند على حشد الموارد الداخلية.. فهذه الزيادات لها آثار خطيرة على حياة الشعب.. إن الزيادات السابقة رفعت تكلفة المواصلات للفرد الواحد في اليوم من ٤٠ جنيهاً في المتوسط إلى أكثر من ٨٠٠ جنيه وهذا فوق طاقة العامل والموظف، أما الزيادة الأخيرة فسترفعها إلى أكثر من ١٣٠٠ في اليوم، وهذا سيؤثر على العمل في دولاب الدولة وكذلك ستؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار كل السلع بسبب زيادة تكلفة النقل وتصبح حياة المواطن جحيماً لا يطاق.

 

 

* ما هو رأيك في مؤتمر وزير المالية ووزير الطاقة بعد الزيادة الأخيرة في سعر المحروقات وهل كان حديث وزير المالية مقنعاً؟

– هذا المؤتمر دق إسفيناً كبيراً في نعش الثقة في هذه السياسات البائسة لدرجة تؤدي إلى تعقيدات خطيرة في العلاقة بين الحكومة والشعب، فهذا المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية ووزير الطاقة بعد الزيادات الكارثية في أسعار الوقود قد أكد بشكل قاطع، أن هؤلاء المسيطرين على الملف الاقتصادي ليسوا سوى تحالف وكلاء صندوق النقد الدولي مع طفيليي النظام البائد، ولا يمتون بصلة لمبادئ وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة ولا يشكلون سوى امتداد لنظام المخلوع في أسوأ صوره.؛ كما أن اللغة والمبررات التي صاغها وزير المالية لمضاعفة أسعار الوقود هي نفسها اللغة والمبررات التي كانت تطرحها قيادات النظام البائد؛ وقد عاد السودان مرة أخرى لمربع الصفر ليطبق كل سياسات الإنقاذ التي ثار الشعب عليها وبنفس الوجوه الممثلة لبرنامج قوى الرأسمالية الطفيلية الإنقاذية، وقيادات الإنقاذ من الصف الثاني في تحالف مكشوف مع عملاء صندوق النقد الدولي والاملاءات الخارجية.

 

 

* هل في نظرك بالفعل أن الحكومة تدعم المحروقات بمبلغ مليار ونصف دولار في العام؟ أليس هذا المبلغ كبير ويمكن توجيهه للتنمية كما يقولون؟

* ادعاءات مؤتمر وزير المالية ووزير الطاقة بأن الدولة تدعم المحروقات بمليار ونصف دولار؛ من حيث المبدأ هي ليست كثيرة على الشعب في حالة صحتها، لأن رفع هذا الدعم إن صح نتيجته كارثية على الشعب والاقتصاد وتكلفته أغلى، إذ يؤدي إلى رفع تكلفة المواصلات على الشعب بأكثر من عشرين ضعفاً، وكذلك رفع أسعار كافة السلع والخدمات بفعل ارتفاع تكلفة الترحيل وإضعاف الإنتاج الصناعي والزراعي لارتفاع تكلفة الإنتاج بفعل ارتفاع جالون الوقود من ٢٨ جنيهاً إلى ٥٤٠ جنيها ثم إلى ١٣٠٥ جنيهاً؛ وتدمير الإنتاج بدلاً من دعمه، إلا أن الرقم المذكور لا يمت للحقيقة بصلة ويكفي أنهم عندما رفعوا سعر الوقود من ١٢٨ إلى ٥٤٠ جنيهاً وادعوا أنه رفع للدعم حققت الحكومة أرباحاً طائلة من ذلك، ظهرت في موازنة ٢٠٢١ التي جاء ثلثها البالغ أكثر من ٣٠٠ مليار جنيه من أصل ٩٢٨ مليار جنيه هي مجمل إيرادات الموازنة من مورد واحد فقط هو المحروقات، مما يدلل على أن الحكومة تربح من بيع المحروقات، إذ أنها تبيع المنتج المحلي من المحروقات والبالغ أكثر من ٦٠٪ من استهلاك البلاد بنفس سعر المستورد محسوباً بدولار السوق الأسود + ١٠٪ وبالتالي تحرم الشعب من ميزة الاستفادة من خيراته.

 

*وزير المالية قال إن أية حكومة قادمة لن تجد بديلاً لسياساته الإصلاحية التي أعلنها.. ما رأيك في ذلك؟

إن ما قاله وزير المالية من أن أية حكومة قادمة ليس أمامها من بديل سوى هذا الطريق فهو يعكس الفكر الإنقاذي والبرامج المصممة لخدمة الرأسمالية الطفيلية وروشتات صندوق النقد الدولي؛ وعدم الاطلاع على تجارب الشعوب التي طبقت برامج اقتصادية مغايرة حققت بها نهضتها الاقتصادية؛ والشعب السوداني بدوره قد أبدع البرنامج الاقتصادي الوطني البديل القائم على حشد الموارد الداخلية وتقوية سعر صرف العملة الوطنية بدلاً من تخفيضها عن طريق سلسلة من البرامج التي تم تلخيصها بواسطة خبراء ثورة ديسمبر المجيدة، وغيرها من البرامج المتطابقة التي طرحتها مختلف قوى الثورة وهي نقيصة لبرنامج الصدمة المقيت الذي طرحته الإنقاذ ويتبناه اليوم وزير المالية، ومن خلفه جوقة وكلاء صندوق النقد الدولي والاملاءات الخارجية الملتفين حوله..

 

* موازنة ٢٠٢١ كان لكم رأي حولها.. كيف ترونها الآن بعد ستة شهور من التطبيق؟

‘* موازنة ٢٠٢١ من أغرب الموازنات من حيث الإيرادات وتخصيص المصروفات، ففيما يتعلق بالإيرادات عندما أراد وكلاء الاملاءات الأجنبية المسيطرين على الملف الاقتصادي أن يقنعوا الشعب بضرورة رفع الدعم عن المحروقات؛ وأرادوا مقارعة اللجنة الاقتصادية الحجة في رفضها لرفع الدعم قالوا للشعب، إنهم يريدون رفع الدعم عن المحروقات لأنهم لا يريدون دعم أصحاب البرادو ويريدون تحويل الدعم للصحة والتعليم والتنمية.. نفس الحجة التي كررها وزير المالية في هذا المؤتمر ولكن جاءت موازنة ٢٠٢١ لتفضح هذه الكذبة.. إن إيرادات هذه الموازنة تبلغ ٩٣٨ مليار جنيه؛ فوجئنا بأن ثلثها أي أكثر من ٣٠٠ مليار جنيه يأتي من عائدات الحكومة من مبيعات المحروقات فقط، بعد أن رفعت سعر الجالون من ١٢٨ إلى ٥٤٠ وباعت سعر المنتج المحلي للمواطن بسعر السوق السوداء للدولار +١٠٪. وهذه ظاهرة شاذة ليس لها مثيل في العالم.. وانكشف من خلال كبر حجم هذا الإيراد أن أرقام الدعم التي كان يدعيها هؤلاء لم تكن صحيحة.

 

وهنا يأتي سؤال مهم؛ هل فعلاً تم تخصيص هذه الـ٣٠٠ مليار للتعليم والصحة والتنمية كما كانوا يدعون أنهم يريدون تخصيصها لهذه البنود؟ لنجاوب على السؤال نرجع لأرقام الموازنة.. فقد خصصوا للبنى التحتية بكل أهميتها ٣ مليارات فقط والزراعة بكل أهميتها ١١ ملياراً فقط والتعليم ١٦ ملياراً والصحة ٤٢ ملياراً، وهذه الأربعة بنود مجموعها ٧٢ ملياراً.. فأين ذهبت الـ ٢٢٨ ملياراً الباقية؟ لقد خصصوها للسيادي ومجلس الوزراء والقطاع الأمني بكل فروعه والدعم السريع، حيث حصلت هذه القطاعات على ٢٦٤ مليار جنيه..

 

والسؤال الثاني؛ هل فعلاً من تضرر من رفع أسعار الوقود هم أصحاب البرادو؟ الواقع يكذب ذلك.. فأصحاب البرادو يشترون الوقود بأي سعر أما الذين تضرروا بسبب ارتفاع تكلفة النقل فهم ذوو الدخل المحدود وكل الشعب وتحولت حياة المواطن العادي إلى جحيم.

 

**ما هي الحلول الإسعافية في رأيكم والبديل لسياسات وزير المالية الحالي ومن سبقوه ؟

– لقد اعترضت اللجنة الاقتصادية في الاجتماع المشترك مع رئيس الوزراء ووزراء القطاع الاقتصادي على كل الأرقام الضخمة التي تم تخصيصها للقطاع السيادي والأمني والتي امتصت ٦٨٪ من موازنة ٢٠٢١؛ وزيادة موازنة مجلس الوزراء عن العام الماضي بنسبة ٧٨٢٪ وعلى الأرقام الضئيلة التي تم تخصيصها للصحة والتعليم والتنمية؛ وعلى خلو الموازنة من أي إيرادات للشركات العسكرية والأمنية، بينما حظيت تلك القطاعات بنصيب الأسد في الموازنة؛ ولم تشمل الموازنة ما تم استرداده بواسطة لجنة التمكين؛ وأكدت اللجنة الاقتصادية على أن ثلث إيرادات الموازنة كان من عائدات مبيعات المحروقات التي تم أخذها من جيوب المواطنين برفع أسعار المحروقات بصورة مهلكة للشعب؛ وتلك عين سياسات النظام البائد؛ كما اعترضت اللجنة الاقتصادية في الاجتماع بل رفضت قرار زيادة أسعار الكهرباء بما يعادل خمسة أضعاف؛ ووصفته بغير القانوني وطالبت بإلغائه؛ وقد جاء بعد القرار الكارثي بزيادة سعر المحروقات بما يعادل أربعة أضعاف؛ والذي اعترضت عليه ورفضته اللجنة الاقتصادية.. إن وكلاء صندوق النقد الدولي الذين تسلموا زمام الاقتصاد لا يقيمون أي وزن لرأي الشعب ويستخفون به؛ ويطبقون تلك الروشتة الخارجية اللعينة التي لابد أن يسقطها الشعب.. وعليه فإن تصحيح المسار الاقتصادي الخاطئ الذي تصر عليه تلك المجموعة التي قادت الاقتصاد الوطني لعام ونصف؛ ووصلت به للهاوية؛ قد أصبح واجباً وطنياً ومهمة عاجلة من مهام قوى ثورة ديسمبر المجيدة.

 

نحن خبراء اللجنة الاقتصادية طرحنا برنامجاً متكاملاً لمعالجة الأوضاع الاقتصادية يقوم على حشد الموارد الداخلية، ولكن بالرغم مما ظلت تطرحه اللجنة الاقتصادية من برامج وخطط بناءة لمعالجة الأزمة الاقتصادية الموروثة؛ وذلك منذ أول لقاء لها مع وزير المالية السابق في ٩ ديسمبر ٢٠٢٠؛ وما ظلت تقدمه من مذكرات متتالية لرئيس الوزراء ووزارة المالية وما تطرحه في الاجتماعات المشتركة؛ إلا أن كل ما طرحته اللجنة الاقتصادية قد تم تجاهله تماماً؛ والعمل ببرنامج مغاير يقوم على تنفيذ روشتة خارجية لا علاقة لها بمتطلبات واقعنا الاقتصادي الراهن؛ وهذا ما أدى إلى التدهور المستمر في الوضع الاقتصادي وسعر صرف الجنيه السوداني والأوضاع المعيشية للشعب. لقد رفضت اللجنة الاقتصادية منذ البدء سياسات تحرير أسعار المحروقات والسلع الأساسية ورفضت سياسات تخفيض سعر صرف الجنيه أو تحرير الدولار الجمركي؛ وطرحت بديلاً لذلك منذ ديسمبر ٢٠١٩ سياسات متكاملة لحشد الموارد الداخلية؛ وسيطرة الحكومة على صادر الذهب وإعادة شركات المساهمة العامة للسيطرة على عائد الصادر؛ وتحقيق الولاية الكاملة لوزارة المالية على المال العام؛ وإيقاف التجنيب وتجريمه؛ وإصلاح النظام الضريبي والجمركي والمصرفي؛ وجذب مدخرات المغتربين لتقوية سعر صرف العملة الوطنية والاهتمام بالموسم الزراعي وإصلاح القطاع الصناعي، مما يؤدي إلى إصلاح الأوضاع المعيشية للشعب وحل مشكلة المواصلات وإنشاء التعاونيات للمساعدة في تحديد الأسعار ومراقبتها..

 

ولو أن هذه البرامج قد طبقت منذ طرحها لما كانت هنالك أي أزمات في الأوضاع المعيشية ولا أي صفوف.. غير أن رفض هذه البرامج وتنفيذ تلك الروشتة الخارجية قد أدى إلى هذا الانهيار الاقتصادي الشامل.

 

ومعاناة المواطنين لا تطاق من جراء الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والخدمات والانفلات الكبير في الأسعار، ويجب حل مشكلة الخبز وتوفير القمح والإبقاء على دعمه؛ ومشكلة المواصلات يجب حلها بتخصيص ما يلزم لشراء مواعين النقل وتوفير الأدوية ودعم الصناعات الدوائية الوطنية.

 

كما كان يرجى تطبيق مخرجات المؤتمر الاقتصادي بسيطرة الحكومة على صادر الذهب والإسراع في إقامة البورصة للذهب والمحاصيل الزراعية، وإعادة شركات المساهمة العامة في مجال الصادرات لضمان توريد حصائل الصادرات في القنوات الرسمية.

      حوار: إسراء أحمد

صحيفة الحراك السياسي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى