زاهر بخيت الفكي يكتب: الضوء ده شفتوهوا كيف..؟

جُملة الضوء في آخر النفق من الجُمل الفضفاضة التي ظلّ الساسة في هذه البلاد الموبوءة بهم يستخدمونها في خطاباتهم السياسية، وهي تجميل وتغليف لكلمة (اصبروا) التي لا يهضمها المواطن ويخشى المسؤول من نطقها مُجرّدة ولذلك يستبدلونها بهذه الجملة، نُطمئنهم بأنّا سنصبِر حتى يعجز الصبر عن صبرنا إن تيقنّا بوجود بقعة الضوء التي رأيتموها أنتُم، ولم ولن نراها حتى لو استخدمنا أحدث المناظير، وعن أي ضوء تتحدثون والحال المائل يُغني عن السؤال.
تساءلنا عن مصدر الضوء من أين أتى ومن وفّر له هذه الطاقة وحتى بطارية اليد الصغيرة التي نحملها في أيدينا لانارة الطريق المُظلم تحتاج إلى حجارة ندفع مُقابل الحصول عليها وتحتاج إلى (جُهد) للضغط على زر تشغيلها، عجباً ويأت في يوم الناس هذا من يُحدثنا عن رؤيته لضوء في آخر النفق والحال واقف وماكينة الانتاج مُتعطلة، اللهم إلّا أن تحدث مُعجزة يتغيّر بها الحال ونرى فيها الضوء البعيد حقيقة (بالكلام) فقط.
هلّلنا فرحاً بعودة السودان بعد انقطاع للمنظومة الدولية، وسعدنا بنيتهم الدخول معنا في شراكات استثمارية تعود بالنفع علينا وعليهم، وبالطبع المُستثمر الأجنبي يحتاج لمن يُسوي له الطريق حتى لا يتعثّر ويقع في بلادٍ لن تقوى قوانينها على اعانته، فهل سوينا للقادم الطريق ووفرّنا له المُعينات للاستثمار المُفيد، حتى نرى الضوء ونخرُج به إلى فضاءات الدُنيا الرحيبة وننعتِق به من تكبيل الأزمات لنا، هل خطونا خطوة إيجابية واحدة ملموسة في داخل النفق للاقتراب من الضوء، هل أنشأتُم مشروعاً واحداً أو شرعتُم في تأهيل أي مشروع زراعي أو صناعي قائم دمرته السياسات..؟، ومثل هذه الأعمال (إن) حدثت تُحدِّث عن نفسها وعن جديتنا وتُغري المُستثمر وتدفعه دفعاً للاستثمار عندنا، فلا تُحدثونا عن ضوءٍ نتوقع رؤيته وأنتم في مكاتبكم الفخيمة تتصارعون فيها على مقاعد لن يطول فيها جلوسكم هكذا.
خطر في بالي هذا الضوء وأنا في طريقي قبل أيام قليلة إلى مكتب ري أبوعشر وقد رأيت بعيني لأول مرة في العمر قاع الترعة الرئيسية والأغنام في وسطها تبحث بصعوبة عن ما تقتات به، وقد سألت من وجدتهم في طريقي عن هذا المنظر فأجابوا بحسرة بأنّهم لم يُشاهدوا هذه التُرعة جافة من قبل، وأجابني أحدهم ساخراً بأنّ التُرعة لم تنقطع عنها المياه منذ العهد الانجليزي ولو شاهدوا هذا المنظر لعادوا واحتلوا البلاد بالقوة لانقاذ هذا المشروع العظيم الذي تركوه لنا (مُكرهين).
التُرعة الرئيسية المُشار إليها لمن لا علم له بجغرافية المنطقة تقع نهايتها من الناحية الشمالية على مرمى حجر من مكتب حمدوك، مع العلم بأنّ الموسم الزراعي قد بدأ والمزارع في الجزيرة القريبة دعك عن المشاريع الأخرى البعيدة يشكو من عدم التمويل وشُح المياه وتأخير التحضير ووو، وقالوا لنا أنّ في آخر النفق ضوء.!!!.

 

 

 

صحيفة الجريدة

Exit mobile version