حيدر المكاشفي يكتب: سخانة في الجو والجيوب

درجة الحرارة في الخرطوم هذه الأيام تكاد تقترب من الخمسين وعلى مرمى حجر من درجة الغليان، وهو مستوى السخانة الذي تقول عنه الحبوبات (يقلي الحبة)، ويزيد انقطاع الكهرباء لساعات طويلة هذا الحال التعيس ضغثاً على أبالة، وتتحالف على الناس سخانة الجو مع سخانة الجيوب بسبب الغلاء الفاحش، فمهما حملت الجيوب من أموال فانها لا تقضي الا القليل من الاحتياجات الضرورية، وهذا الحال هو ما يتسبب فى بلوغ الحالة المزاجية للناس لقمة تعكرها، فالـ(حران) الذي يعاني من الحر الشديد، غالباً ما يكون مشتت الفكر، فاقد التركيز، قلقاً، متوتراً، مضطربا، ومشغولا ومنشغلاً بمعاناته، ولهذا لا يمكنه الإدلاء برأي ذي قيمة، فما بالك اذا كان الشخص يعاني من سخونتين وليست واحدة، سخانة الجو وسخانة الجيوب، ويضاف الى كل هذه السخونة المضجرة على طريقة ثأطة زيدت ماء، سخونة الاجواء السياسية بما يعتريها من تراشق وتخوين، فى الوقت الذى ينتظر فيه الشعب من هؤلاء السياسيين ان يصطفوا وتتوحد جهودهم لتحقيق تطلعاته فى حياة كريمة، ولكن اذا بهم للأسف يزيدونه ألما وضجرا وتشاؤما، ولو كان هؤلاء السياسيون يعملون بتوافق وانسجام مع حكومتهم التي يشكلون حاضنتها السياسية، وابرزوا للناس جديتهم فى انجاز أهداف الثورة واطمأنت الجماهير على ان مصير البلاد فى أيد أمينة، لهانت عليه أي سخونة..
فلو أن الحكومة تعاملت مثلا بحرارة قلب مع سخونة قضية معاش الناس و أظهرت جدية فى توفير الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه ومواصلات ووقود ودواء، وعملت ميدانيا على لجم الغلاء المتفاحش والمتصاعد يوما بعد يوم، لاحتسب الناس وصبروا ولكن للأسف ما تزال هذه الأزمات ترواح مكانها بل وتضيق حلقاتها، فما بين غروب الشمس وشروقها تتقلب الاسعار فتمسي على سعر وتصبح على آخر، هكذا كانت تفلسف النكتة المشهورة التقلبات الجنونية للاسعار، فحين وجد أحد الساخرين أن السلعة التي إبتاعها عشية الامس قد زاد سعرها صبيحة اليوم التالي أطلق عبارته التي سارت بذكرها الركبان (يعني ما ننوم ولا شنو)، سلعة حتى قبل سويعات كانت بسعر فما الذي يرفع سعرها بين غمضة عين وإنتباهتها إن لم تكن الغفلة والغفوة والاستغفال، غفلة المستهلك وغفوة الحكومة والاستغفال الذي يمارسه من يلعب في المساحة الفاصلة بين الغفلة والغفوة فيحرز الاهداف في مرمى الحكومة ويجلب عليها سخط الجماهير حين يمسها لهب الاسعار، ولكن الحكومة لا تثور على من أثار عليها الجماهير، فإن لم تكن هي ذاتها السبب، فإن ما تستطيعه بالكاد هو دفع تهمة الغفوة عنها ورد الامر إلى سياسة التحرير التي تقتفي آثارها رغم أنفها مجبرة لا بطلة كما تقول وبلا خيار سوى الاذعان، الاذعان لشروط البنك وصندوق النقد الدوليين، وهكذا تحررت الاسواق من أي رقيب والاسعار من أي ضابط.

 

 

صحيفة الجريدة

Exit mobile version