تحقيقات وتقارير

تشاد والتطورات المتسارعة.. تعرف على طبيعة الصراع واتجاهاته

 

10 أيام تعد هي الأبرز في تاريخ تشاد الحديث، حيث غيّر مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي المشهد وخلط الحسابات وأعاد مشاهد الصراعات الدامية إلى الواجهة من جديد. فهل تمر البلاد بنقطة تحول تاريخي؟ أم تتكرر السيناريوهات القديمة دون الوصول إلى حل للصراعات بين القوى المتنازعة؟ وما دور الحلفاء فيما يجري؟

في هذا التقرير نقدم تقديرا لتداعيات مقتل إدريس ديبي على الوضع في تشاد والمنطقة، بصيغة سؤال وجواب.

من هي جبهة التوافق والتغيير “فاكت” (FACT)؟

تتشكل المعارضة التشادية المسلحة من عدد من الفصائل التي تعارض نظام الحكم في نجامينا، بعضها قديم وبعضها الآخر حديث النشأة، تأسست “فاكت” في 2016 على إثر انشقاق زعيم الجبهة محمد مهدي عن النظام، بعد أن دخل في تصالح مع ديبي في 2005، واتخذت الجبهة من ليبيا موقعا لترتيب صفوفها، ومنطلقا للبحث عن عوامل القوة تدريبا وتسليحا وإعدادا.

ما الجديد الذي حملته المعارضة التشادية المسلحة هذه المرة؟

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها المعارضة الحرب، وهي تستهدف مواجهة الجيش النظامي واقتلاع حكمه، ولكن تميزت هذه المرة بعدد من الميزات، ربما لعبت وستلعب في قادم الأيام دورا في التأثير على المشهد السياسي في تشاد، من أبرز تلك الميزات كثرة الفصائل عددا، وجودة ونوعية التسليح الذي مكّنها من التوغل إلى العمق، على الرغم من توفر سلاح الطيران وانكشاف الطبيعة الصحراوية التي تعطي ميزة للطيران الحربي.

فقد تمكنت المعارضة من إسقاط 3 طائرات مقاتلة أثناء احتدام المعارك، إضافة إلى التواصل مع أحزاب المعارضة في الداخل من أجل توفير سند داخلي يساهم في إضعاف النظام، وقطع الطريق عليه قبل تدشين ولاية جديدة من الحكم العسكري القابض.

 

لماذا لم تتدخل فرنسا هذه المرة؟

أنقذت فرنسا الراحل ديبي بالتدخل المباشر مرتين: الأولى في 2008، عندما دقت دبابات المعارضة أبواب القصر الرئاسي، ودحرت المتمردين وشتتت قوتهم. والمرة الثانية في 2019 عندما توغلت المعارضة من الحدود الشمالية وقصفتها لثلاثة أيام متتالية، ودمرت كامل القوة العسكرية للمعارضة.

بيد أن فرنسا لم تتحرك هذه المرة لإنقاذ حليفها ديبي، على الرغم من توفر المعلومات عبر رصد الأقمار الصناعية، وهو ما فتح أبوابا لأسئلة كثيرة واستفهامات تشير ربما إلى رغبة فرنسية في إنهاء حقبة ديبي.

 

لكن رحيل ديبي المفاجئ يضع فرنسا، التي تملك أكبر قاعدة عسكرية لها في تشاد وتحوي قرابة 5 آلاف جندي، أمام تحديات جديدة لضمان استمرار دور تشاد في محاربة الجماعات المتشددة في الساحل الأفريقي. كما تسعى فرنسا للمحافظة على حالة التوازن، مقابل النفوذ المتزايد لأطراف دولية أخرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين.

 

ما حقيقة المشهد التشادي بعد غياب ديبي؟

أعلن الجيش عن تشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة 18 شهرا، واتخذ عددا من القرارات، منها حل الحكومة، وإلغاء العمل بالدستور، وإغلاق الحدود. وتفاعلت الأطراف مع إعلان الجيش بمستويات مختلفة، ولكن المعارضة السياسية والعسكرية تعاملت معه بريب وشكوك، خوفا من توجه العسكر للتوريث. وجاءت ردود الفعل على الإعلان العسكري كالتالي:

وجد ترحيبا من فرنسا والقوى الغربية باعتبار أنه يحفظ البلاد من الانزلاق إلى موجة عنف واحتراب أخرى، في غياب بديل غير معروف بالنسبة لهم، وربما بحثا عن محاولات ترميم لنظام ديبي، الذي يعتبر أقوى حلفائهم في المنطقة وصاحب خدمات كبيرة في تحقيق أجنداتهم.
القوى السياسية التشادية ممثلة في أكثر من 30 حزبا، رفضت المجلس العسكري وحلّ الدستور، لأنه تقويض للعملية الديمقراطية ولو في أدنى صورها وأشكالها.

المعارضة المسلحة من جانبها رفضت المجلس العسكري، وتعتبره التفافا وتكرارا لحكم ديبي، موضحة أنها ستصعد من عملياتها العسكرية وتواصل القتال حتى إسقاط ما تبقى من حكم ديبي.

أعلنت مجموعة من ضباط الجيش رفضها لرئيس المجلس العسكري وليس المجلس العسكري في ذاته، ولكنه يشكل جزءا من مشهد ما بعد ديبي، الأمر الذي يحسبه البعض خلافا داخل عائلة الحكم.

 

والملاحظة المهمة هنا أن جميع الأطراف شرعت في محاولة لرفع سقفها ومواقفها استعدادا للمرحلة الانتقالية، وبحثا عن تحقيق مكاسب أكبر في مرحلة ما بعد الانتقالية، والأمر بالضرورة سيكون رهنا بطبيعة وظروف المرحلة الانتقالية، وما يصاحبها من حراك وإعادة تشكل التحالفات بين مختلف الأطراف في الداخل والخارج.

 

ما تأثير غياب ديبي على الداخل والخارج في هذا التوقيت؟

على المستوى الداخلي تلوح فرصة الانتقال من هيمنة الجيش على مقاليد الحكم لفترات طويلة، وتخلف في كافة مجالات الحياة، بسبب الإنفاق على التسلح والاستعداد للمواجهات الداخلية والخارجية، خاصة وأن الساحة السياسية شهدت نمو الوعي السياسي لدى القطاعات المختلفة في المجتمع، رغم محاولة الاستقطاب الحادة التي مارسها الراحل ديبي، وشراء ذمم زعامات سياسية لتفريغ الأحزاب من قيادات ذات قدرات قد تشكل خطرا على حكمه، هذا شريطة تماسك القوى السياسية والتفافها حول برنامج للانتقال المدني ورفض استمرار الجيش في الحكم.

 

أما على المستوى الخارجي فقد فقدت منطقة الساحل أهم وأشرس وأقوى المقاتلين في مواجهة الجماعات المسلحة، مما يتيح الفرصة لتوسع الحركات المسلحة في منطقة الساحل، في غياب القوة الرئيسية التي كانت تواجهها، في الوقت الذي بدأت فيه المطالبة بإعادة القوات التشادية إلى البلاد، فقد كان لتشاد نصيب الأسد في قوات عملية البرخان التي تقودها فرنسا انطلاقا من تشاد.

 

وفقدت فرنسا والقوى الغربية أهم حليف في المنطقة، فقد كان لا يبخل في الاستجابة لمطالب الحلفاء غربا في منطقة الساحل، وشمالا في ليبيا، وشرقا لدعم الحركات السودانية، وفتح الأراضي التشادية لقواعد الأصدقاء ومواقع الرصد والتعامل مع المحيط الأفريقي، لموقعها الوسط في القارة والذي يوفر سهولة الحركة في كل الاتجاهات.

 

أين يقف الاتحاد الأفريقي من التطورات في تشاد؟

يبدو أن الاتحاد الأفريقي وقع في مأزق التوصيف للحالة التشادية، وعبّر عن متابعته للوضع بقلق عميق، وأنه يرفض الهجمات التي تشنها المعارضة على الحكومة، دون الخوض في تفاصيل ما ينبغي أن تتبعه السلطة العسكرية، التي حلّت الحكومة وألغت الدستور، ربما لأن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، الرجل المقرب من الراحل ديبي، والذي على الأرجح يفكر في وراثة الحكم بعد صديقه، وتسنده في ذلك صلات القربى من العناصر الممسكة بمفاصل الدولة، وتجربة خدمته الطويلة في عدد من الوزارات، ورضا حلفاء ديبي عنه.

كيف يمكن تصور مآلات الأوضاع في تشاد؟

من الصعب القطع بتحديد اتجاهات الأحداث في تشاد في ظل منطقة ملتهبة في كل الاتجاهات، ففي الشمال حيث الأوضاع الملغومة في ليبيا، وغربا إقليم الساحل الذي تتوالد فيه الحركات المسلحة يوما بعد آخر، وغربا حيث إقليم دارفور المتشابك مع تشاد والخبير جدا بحركات التمرد من كلا البلدين، وجنوبا حيث أفريقيا الوسطى التي تسرح فيها عصابات “فاغنر” (Wagner) الروسية والمليشيات العابرة للدول، وفي الداخل حيث المواجهات التي يمكن أن تستأنف في أي لحظة.

إضافة إلى الخلافات التي دبّت مؤخرا داخل الزغاوة أنفسهم مع عائلة إدريس ديبي (إتنو)، وكثرة الحركات المسلحة، وغياب شخصية قيادية في مستوى ديبي بين المجموعة الممسكة بزمام الحكم، كلها عوامل تجعل من العسير فهم مستقبل تشاد.

ولكن هذا المشهد يفتح فرصا كبيرة إذا توصلت الأطراف المتنازعة إلى تفاهمات لدخول عناصر من النخب المدنية والأحزاب السياسية لقيادة المرحلة القادمة، على الأقل عبر مناصفة الحكم في الفترة الأولى، وتدرجا للوصول إلى حكم مدني في تشاد، وهو أمر ممكن، لكنه بحاجة إلى إرادة قوية وتحالفات واسعة من القوى السياسية، ومنع أي فرص يتسلل منها الجيش إلى الحكم مرة أخرى.

ثم ماذا بعد؟

على الرغم من الصورة القاتمة الماثلة، فإن الفرصة كبيرة لتجاوز الأزمة الراهنة، وذلك بعدم تكرار حالة الإقصاء، ورفض هيمنة القبائل على الحكم، وإبعاد الجيش من الهيمنة على مقاليد الحكم. والحالة التشادية اليوم بحاجة إلى رعاية من الاتحاد الأفريقي للمساعدة في إحداث الانتقال السلمي للحياة السياسية، وإتاحة الفرص للجميع سواء بسواء، إضافة إلى مجموعة الإيكواس (ECOWAS) التي ساهمت معها تشاد في حروب البحث عن الاستقرار.

محمد صالح عمر

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى