سهير عبدالرحيم تكتب: الكوباني.. حباً وكرامة «٢»

المقال أدناه كتبته ونُشر في صحيفة الانتباهة في يوم 2020/12/30 م وكان عبارة عن دردشة بيني و بين دكتور علي الكوباني له الرحمة والمغفرة ، و حين رجعت لرسائلي معه حول هذا المقال و عددتها وجدتها ٩٨ ( ثمانية وتسعون رسالة) بمعنى أن موضوع هذا المقال قتلناه بحثاً وخرجت بتلك الخلاصة أدناه المقال أعيد نشره عقب وفاته.
حينما تتحدّث الجثة ..!
هل اطلعتم على التقرير الصادر من هيئة الطب العدلي بوزارة الصحة حول وفاة الشاب بهاء الدين نوري محمد..؟ حسناً لقد استوقفتني في التقرير النقاط الأربعة الأساسية. حيث جاء إنه وبناءً على طلب النيابة بواسطة لجنة تم تكوينها من هيئة من ثلاثة أطباء، فقد جاءت نتائج التقرير على النحو التالي:
١/ وجود كدمات تحت فروة الرأس لم يتم إثباتها في التقرير الأول (ركِّزوا في كلمة التقرير الأول دي)!!
٢/ وجود تكدمات في جانبي الصدر لم يتم إثباتها في التقرير الأول.
٣/ ظفر الإصبع الكبير للقدم اليُسرى مُتكدم القاعدة ومنزوع من مكانه الطبيعي. وقد عزينا الوفاة في تقرير اللجنة إلى أنزفة المخ والتي بدورها نسبت إلى الإصابة بجسم صلب راض وليست مرضية كما ورد في التقرير الأول.
حسناً انتهى التقرير، ولإبداء حُسن النية، قررت أن اترك الخبز لخبازه، فسألت دكتور الكوباني كيف تبدأ بتشريح الجثة عادةً..؟ قال لي: (التشريح عادةً يبتدأ من الرأس.. ويتم فتح فروة الرأس وتسلخ عديل ويتم فحصها من الداخل.. وعندها بكون عظمة الجمجمة قدام واضحة تنظفها وتشوف إذا كان فيها كسور وبعدين تفتحها بالمنشار عشان تفحص السحايا وهي الأغشية الحول المخ.. بعدين تفحص المخ بره وتفتحو من جوه.. ومعاهو ساق المخ والنخاع..).
سألته هل تشاهد الكدمات بالعين المجردة..؟، قال لي هي بتكون واضحة وعبارة عن تجمعات دموية تكون في فروة الرأس وفي عضلات الصدر وبتتشاف قدامك طوالي وما دايرة ليها تعب وتنتج غالباً بسبب الضرب بأجسام راضة زي الركل بالبوت أو الضرب بالعكاكيز.
لقد حاولت أن أبحث عن سبب يجعل هذا الطبيب يكتب تقريراً مخالفاً للأمر الواقع، ولكني لم أجد سبباً وقد صدق دكتور الكوباني بقوله إن الجثة تتحدث!! الحقيقة عزيزي القارئ، أنه وفي كل قضية رأي عام تتطلب تشريح جثة ناشط، كانت الحسرة تعتصر قلبي والسودان يفتقد مجهودات وعلم وفراسة وذكاء ونبوغ النطاسي البارع الدكتور علي الكوباني رد الله غربته وشفاه وعافاه من مرضه الأخير وألبسه ثوب الصحة والعافية. ولا أعتقد أن هنالك شخصاً لا يعرف الكوباني، ولا يعرف أنه واحد من أقدم ضحايا النظام البائد والذي كان يشّرح ويثبت التعذيب والقتل في تقاريره في التسعينيات أيّام بيوت الأشباح، لم يرضخ للتهديدات والوعيد وظل يرفض أن يضيع حق الأموات!! وكان يقول دوماً إن الجثث تتحدث مع الطبيب وتخبره كيف قتلت وكيف عُذِّبت وبأي آلة، وتخبره بتوقيت الوفاة بالساعة والدقيقة والثانية، وقد ظل الرجل ثابتاً على مواقفه إلى أن شرّدته الإنقاذ في العام 1998. رحم الله الشاب بهاء نوري وجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وألهم أهله و ذويه الصبر وحُسن العزاء.
خارج السور:
دكتور الكوباني.. عُد إلى وطنك.. نحتاجك بشدة.. ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر!!!

 

 

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version