الطيب مصطفى

الطيب مصطفى يكتب: لماذا نخوض معارك مصر ضد إثيوبيا رغم إننا المستفيدون من سد النهضة؟

حتى وقت قريب كان الناس جميعاً، الا من ابى ، مجمعين على ان سد النهضة اكثر فائدة للسودان من فائدته لاثيوبيا التي أنشأته، بل كانت تلك اعترافات علماء الري في مصر مثل د. محمود ابوزيد ود.صفوت عبدالدائم ، ولكن ، فجأة وبدون مقدمات يحدث التحول الغريب والعجيب في الموقف الرسمي للسودان بذات طريقة الكادوك او السحر او الشيطان الرجيم الذي يحكم تفاعل الشعب السوداني الجائع والمغلوب على امره مع الواقع الاليم باسلوب القطيع ، والذي يجعل الشعب يخرج ضد الانقاذ لو زادت سعر الرغيفة جنيهاً واحداً ، بينما يصمت صمت القبور عندما يرتفع في عهد حكام الغفلة الحاليين الى عشرين جنيهاً ، بل عندما يتضاعف سعر الوقود العزيز المنال اكثر من عشرين ضعفاً من (28) جنيهاً لجالون البنزين الى (670) جنيهاً ، بالرغم من ان الناس كرهوا حكامهم وتمنوا ان تخسف بهم الارض!
نرجع لسد النهضة .. علماء افذاذ وخبراء عالميون في مجال الري والقانون الدولي مثل بروف سيف ود.سلمان محمد احمد صامتون بينما يتحدث (ويقبض الجو) مهندسون صغار امثال وزير الري الحالي الذي يخوض معركة مصر وليس معركة السودان لسبب مجهول ليت الايام تكشفه في مقبل الايام فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب!!!
سد النهضة ايها الناس سيمكّن السودان من الحصول على انسياب متواصل لمياه النيل الازرق طوال العام ، بدلاً من فترة الفيضان الحالية الممتدة لثلاثة اشهر من منتصف يونيو الى منتصف سبتمبر تقريباً ، والتي تقصر الاستفادة من مياه النيل على دورة زراعية واحدة في حين ان انسياب المياه طوال العام سيمكن من خير وفير للسودان يتمثل في ثلاث دورات زراعية كما يحدث في مصر بسبب السد العالي.
عندما كان السودان يقف على الحياد بين اثيوبيا ومصر بل كان قلبه مع اثيوبيا جراء الفوائد الجمّة التي يجنيها من سد النهضة بذلت مصر كل جهدها في سبيل تحريك موقف السودان ليناصرها ، وقد نجحت اخيراً للاسف الشديد بفعل الضغوط السياسية التي باتت تلعب دوراً مهماًفي القرار السياسي في بلادنا المنكوبة.
استمعت لفيديو قنبلة تحدث فيه د.سلمان الذي رد على فرية الخوف من انهيار سد النهضة واغراق السودان فقال وهو يضحك هناك اكثر من (45000) سد في العالم لم نسمع بانهيار اي منها خلال العشرين او الثلاثين عاماً الماضية ، فلماذا ينهار سد النهضة ، ولماذا لم يحدث ذلك للسد العالي ، الذي بني بتقانة متخلفة من قبل الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي ، على عكس سد النهضة الذي بني بتقانة اوروبية متقدمة ، ولماذا تخوفنا مصر من اخطار انهيار سد النهضة على السودان وكأن الريالة تسيل على صدورنا ، بدلاً من ان تخاف من انهيار سدها العالي؟!
د. سلمان الذي كان يجلس بجواره ، عندما تحدث ، بروف سيف في ضيافة الاستاذ الطاهر حسن التوم بقناة سودانية 24 ، اقال الله عثرتها ، قال إن المنطقة التي اقيم فيها سد النهضة تتمتع بالقوة والمتانة كونها صخرية وليست منطقة زلازل على العكس من منطقة السد العالي!
فوائد يصعب حصرها نجنيها من سد النهضة شهد بها العدو قبل الصديق ، ويكفي ان الطمي المتراكم الذي كان يعطل التوربينات في خزاني سنار والروصيرص ويضعف الطاقة الكهربائية المولدة سيحجز سد النهضة كميات كبيرة منه الامر الذي يزيد من توليد الطاقة.. كذلك فان اثيوبيا ستتوافر على كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية الرخيصة للغاية التي تفيض عن حاجتها، ويمكن ان يفيد منها السودان بسعر تفضيلي.
والله اني لأعجب من ربط موقفنا بالموقف المصري المتعارض تماماً بدلاً من ان نناقش مع اثيوبيا اجندتنا بصورة منفصلة ومستقلة عن مصر ، فمصر متضررة من السد بلا ادنى شك فهي هبة النيل ، وما كانت لحضارتها الممتدة في اعماق التاريخ ان تزدهر ، وتتصارع عليها الامم وتصبح ارضاً للرسل والانبياء لولا النيل الذي ربما يهدد سد النهضة جريانه كما كان يحدث منذ الازل ، اما نحن فاننا نرتع وبالمجان في نعيم السد وخيراته ، ويحق لي ان اتساءل : لماذا لا نتفاوض حول تعرفة منخفضة للكهرباء نظير موافقتنا على طلب اثيوبيا بالملء الثاني في يوليو القادم؟
هذا سيكون ضربة معلم بل يمكننا ان نخزن المياه الفائضة عن حاجتنا في بحيرة السد باتفاق مستقل مع اثيوبيا كما اقترح د.سلمان بدلاً من ان تضيع هدراً لمصلحة مصر!
هناك قضية خطيرة وكبيرة تخيف مصر بالرغم من انها تحقق مصلحة السودان ، فقد ظل السودان يهدر ما يقرب من عشرة مليارات متر مكعب من المياه سنوياً من حصته والتي تحصل عليها مصر لقمة سائغة ، وهذه سيحلها سد النهضة لمصلحة السودان مما يزعج مصر من خسارة تلك الكمية الضخمة التي كانت تأتيها بدون ان توجف عليها خيلاً ولا ركاباً.
نعم هي احدى مشكلات مصر من سد النهضة ، لكنها مشكلة مع السودان ، وليست مع اثيوبيا ، ذلك ان السد الذي يمكّن من انسياب مياه النيل الازرق طوال العام والذي يتيح للسودان ثلاث دورات زراعية تمكّنه من استهلاك حصته من المياه مما يفقد مصر كمية هائلة كانت تأتيها مجاناً منذ اتفاقية مياه النيل عام 1959 ، بل ان انسياب المياه طوال العام بدلاً من فترة الفيضان فقط سيتيح كميات مستقرة من المياه للتوليد المائي لسد مروي بدلاً من اقتصار ذلك على فترة الفيضان المحدودة وهي فائدة اخرى جليلة وعظيمة.
والله اني لمندهش ان يقود السودان المعارك ضد اثيوبيا بالنيابة عن مصر ويقدم المبادرات ومصر (تتفرج) بسعادة بالغة ، فالسودان هو الذي خرج على وساطة الاتحاد الافريقي واغضبه بدون ادنى سبب حين طلب وساطة دولية ، بل ان السودان اخذ يهدد ويتوعد في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل!
مناورات عسكرية يعلن انها ضد عدو مشترك !!! لمصلحة من يا ترى نخوض حرباً ضد اثيوبيا بلا ادنى سبب؟!
يحدث ذلك بالرغم من ان السودان هو المستفيد الاكبر من سد النهضة فبدلاً من ان يفاوض اثيوبيا على مصالحه بما فيها اراضي الفشقة التي اكاد اجزم ان اثيوبيا ستتنازل عنها تماماً لو فاوضناها حول سد النهضة بما يحقق المصالح المشتركة للدولتين والشعبين.
عجبت من معلومة تقول إن امريكا دفعت لكندا تعويضاً في مقابل الفائدة التي جنتها من سد اقامته كندا وان المواثيق الدولية تتيح ذلك ، وبالرغم من اثيوبيا لم تطلب منا قرشاً واحداً ها نحن نتعنت ونهدد ونتوعد في امر كان الاولى ان نتحمس لقيامه بدلاً من تعويقه خدمة لمصر التي تحتل حلايب!
لست معادياً لمصر والله العظيم وكنت ولا ازال ارى ان افاق التعاون معها ينبغي ان تتمدد اكثر من التعاون مع كل دول الجوار الاخرى ، سيما واننا مهددون في هويتنا ومصر هي مصر صلاح الدين الايوبي ومصر قطز اللذين حررا الاقصى من الصليبيين واخضعا التتر بعد ان دمروا بغداد عاصمة الدولة العباسية.

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى