تحقيقات وتقارير

آبي أحمد في أسمرة دلالات الزيارة وتوقيتها ؟

وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى العاصمة الإريترية أسمرة أمس الأول (الخميس)، في زيارة مفاجئة استمرت يومين، لمناقشة الانتهاكات التي اتهم بها جنود إريتريين بإقليم تيجراي، وذلك بعد اعتراف آبي أحمد بوجود قوات إريترية في تيجراي لأول مرة منذ بدء العملية العسكرية في الإقليم في نوفمبر الماضي لاتهامها بشن عمليات على معسكرات للجيش الفدرالي، وكان قد تطرق آبي أحمد – خلال كلمة أمام مجلس النواب الأثيوبي قبل أيام – إلى دخول الجيش الإريتري للأراضي الإثيوبية، قائلًا إن عبور الجيش الإريتري إلى داخل أراضينا كان لتأمين حدوده عقب خيانة وتمرد جبهة تحرير تيجراي.

 

سحب القوات
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمس (الجمعة): إن إريتريا وافقت على سحب قواتها من حدود بلاده، مؤكدًا على مواصلة أديس أبابا تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي مع أسمرة، ووفق بيان لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، فإن آبي أحمد أجرى محادثات بناءة مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي خلال الزيارة التي أجراها لأسمرة، وكشف عن موافقة حكومة إريتريا على سحب قواتها من الحدود الإثيوبية، حيث ستتولى قوات الدفاع الوطني الإثيوبية مهمة حراسة المناطق الحدودية على الفور، وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي على أن البلدين سيواصلان تعزيز علاقاتهما الثنائية وطموحات التعاون الاقتصادي بينهما، وقال: سنستمر على بناء روح الثقة وحسن الجوار بين بلدينا كما بدأنا منذ عام 2018، ولفت إلى أن الحكومة الإثيوبية تدخلت في تيجراي لفرض سيادة القانون على الإقليم داخل سيادتها الوطنية، بعد أن شكلت جبهة تحرير تيجراي خطراً حقيقياً على تقويض النظام الدستوري باعتداءاتها على قوات الدفاع الوطني، وأوضح أنه أجرى مناقشات حول هذا الموضوع مع كبار المسؤولين الإريتريين من خلال زيارات متبادلة بين البلدين، تم خلالها إثارة قضية تدخل الجيش الإريتري في تجراي، وعبوره الحدود، وتعهد بمحاسبة كل من يثبت تورطه من قوات الجيش في انتهاكات خلال عملية إنفاذ القانون الأخيرة بإقليم تيجراي شمالي البلاد.

دعوات للتحقيق

آبي أحمد كان قد أرسل قوات إلى منطقة تيجراي في الرابع من نوفمبر الماضي، بعدما اتهم جبهة تحرير شعب تيجراي التي كانت الحزب الحاكم المهيمن في المنطقة، باستهداف معسكرات للجيش شمالي البلاد، وأعلن في نهاية نوفمبر تحقيقه الانتصار، لكن ورود تقارير عن وقوع حوادث قتل واغتصاب ونهب على نطاق واسع على أيدي القوات الإثيوبية والإريترية أدى لدعوات لإجراء تحقيقات، وأضاف – في بيانه (الجمعة) – أن جبهة تحرير شعب تيجراي أطلقت صواريخ عدة على العاصمة الإريترية، ما دفع الحكومة الإريترية إلى دخول إثيوبيا لمنع المزيد من الهجمات وحماية أمنها القومي، وتابع أحمد أن الجيش الإثيوبي سينتشر في المناطق التي كانت تتمركز فيها القوات الإريترية، خصوصًا على الحدود، ولم يعلق وزير الإعلام الإريتري ييماني غبريميسكل؛ على هذا الإعلان، ويٌعتقد أن قوات أسمرة أدت دوراً عسكرياً رئيسياً إلى جانب الجيش الإثيوبي في حملة أديس أبابا العسكرية ضد قوات تيجراي.

تأمين الحدود

آبي أحمد كان قد أوضح في مجلس النواب أن الجيش الإثيوبي عقب الخيانة التي ارتكبتها في حقه قوات ومليشيات جبهة تحرير تيجراي إنسحب إلى إريتريا، وترك الحدود خالية، وهذا دفع القوات الإريترية بالدخول إلى الأراضي الإثيوبية لتأمين حدودهم، خاصة بعد أن أطلقت الجبهة عدة صواريخ باتجاه أسمرة، وأكد أنه يجب أن نشكر الشعب والحكومة الإريترية لوقفتها في تلك المحاولة الخائنة التي تسببت بها جبهة تحرير تيجراي المتمردة، وأضاف أنه بالرغم من ذلك الموقف فإن إثيوبيا كدولة ذات سيادة لا تقبل أي تحرك لقوات الجيش الإريتري يتجاوز الحدود والاعتداء على سكان إقليم تيجراي الذي هو جزء من الشعب الإثيوبي، ولفت إلى أنه أجرى مناقشات حول هذا الموضوع مع كبار المسؤولين الإريتريين من خلال زيارات تبادلية بين البلدين تم خلالها إثارة قضية تدخل الجيش الإريتري في تيجراي، وعبوره الحدود، وأشار إلى أن الجانب الإريتري أجاب عن ذلك بأن التحرك جاء لضمان الأمن القومي بعد استهداف الجبهة لبلاده، وأنهم سيغادرون حال تمكن الجيش الإثيوبي من إنهاء عملية إنفاذ القانون وبسط سيطرته على كامل الأراضي، وحول مزاعم ارتكاب الجيش الإريتري عمليات قتل وانتهاكات في إقليم تيجراي، قال آبي أحمد: حكومة أسمرة تعهدت بتقديم كل من يتورط في انتهاكات للعدالة.

 

ضغط واعتراض
الملاحظ أن اعتراف آبي أحمد بوجود قوات أريترية في حربه مع التيجراي – وإن حاول تبرير ذلك بأنها كانت للدفاع عن أراضيها – جاء بعد اتهامات دولية بوجود انتهاكات جسيمة بالإقليم بمساعدة أسمرة؛ وصلت إلى حد الاتهام بالتطهير العرقي، ما أقلق المجتمع الدولي والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ما جعل بايدن يرسل مبعوثتاً له لأديس أبابا قبل أسبوع لمناقشة الأمر، فهل اعتراف آبي أحمد بوجود قوات أريترية على الأراضي الأثيوبية؛ رغم نفي أسمرة لذلك؛ يرجع إلى ضغط المجتمع الدولي من جهة، واعتراض الداخل الإثيوبي على هذا الوجود العسكري الأريتري على الأراضي الإثيوبية من جهة أخرى؟

 

اتهامات لأريتريا
السفارة الأمريكية بأسمرة كانت قد اتهمت في فبراير الماضي – في بيان لها – إريتريا بتورط قواتها في النزاع الدائر بمنطقة تيجراي شمال إثيوبيا، ودعت السفارة الأمريكية في أسمرة، أريتريا لسحب قواتها من تيجراي على الفور، مضيفة: لقد نقلنا مخاوفنا البالغة بشأن تقارير موثوقة عن انتهاكات ارتكبتها قوات أريترية وجهات فاعلة أخرى؛ الأمر الذي رفضته أريتريا، ووقتها كتب وزير الإعلام الأريتري يماني جبريميسكل، على (تويتر)؛ إن أريتريا ترفض البيان غير المبرر الذي نشرته السفارة الأمريكية في أسمرة على فيسبوك، والادعاءات الكاذبة والمفترضة التي تروج لها. في الوقت نفسه قالت وسائل إعلام : إن الرئيس الأمريكى جو بايدن بعث بواحد من أقرب حلفائه في الكابيتول إلى شرق أفريقيا من أجل الحث على إنهاء الصراع المتنامى فى إثيوبيا، والتى شهدت مقتل الآلاف وإجبار مئات الآلاف الآخرين على ترك منازلهم، مشيرة إلى أنه سينقل رسالة صارمة لرئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد، وأوضحت أن السيناتور كريس كونز قام بمهمة دبلوماسية مؤقتة للقاء رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد لمواجهة الأزمة فى إقليم تيجراى شمال إثيوبيا.

 

زيارة كونز
وقال مبعوث واشنطن إلى إثيوبيا كريس كونز: إن أديس أبابا مستعدة لحل خلافي سد النهضة والحدود مع السودان من خلال المفاوضات، جاء ذلك خلال تقديم كونز تقريراً عن زيارته لأديس أبابا التي استمرت 3 أيام والتقى خلالها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، وأضاف كونز في الإفادة؛ أن تعهد آبي أمام البرلمان بمحاسبة كل من تورط في انتهاكات بإقليم تيجراي خطوة إيجابية ومهمة، وتابع أنه أجرى عدة لقاءات خلال زيارته لإثيوبيا بما فيها لقاء آبي، ولقاء مع ممثلي المجتمع المدني، وأشار إلى أن هذه اللقاءات كانت مهمة للوقوف على الأوضاع الراهنة في إثيوبيا، بما فيها الوضع في تيجراي، والخلاف الحدودي مع السودان وملف سد النهضة، وأعرب المبعوث الأمريكي عن تفاؤله بأنه سيكون هناك تغير كبير في إثيوبيا، مشيداً باستعداد حكومة أديس أبابا لحل الخلاف الحدودي مع السودان والخلاف حول سد النهضة من خلال المفاوضات، وأوضح أن العمل جار لتقديم المساعدة الإنسانية وحل الأزمة في تيجراي، والتأكد من أن الانتخابات الإثيوبية المقبلة ستكون نزيهة.

 

رجل السلام
ومن المعلوم أن الحملة العسكرية التي شنها آبي أحمد على إقليم التيجراي بداية نوفمبر الماضي، جاءت على هوى أسياسي أفورقي الذي تحمل بلاده عداءً ممتداً مع التيجراي الذين حكموا أديس أبابا مايقارب الثلاثين عاماً قبل مجيء آبي أحمد للحكم في عام 2018، لعدم اعترافهم بالأراضي الأريترية، والتي أعلن آبي الاعتراف بها بعد توليه الحكم، ويبدو أن آبي وأفورقي بعد الانتهاء من مهمتهما بالإقليم، يحاولان الانحناء لعاصفة الاتهامات الدولية لهما بارتكاب جرائم في التيجراي، كما يبدو أن آبي يحاول في الوقت نفسه إثبات أنه مازال رجل السلام، حيث أكد بأنه لا يريد حرباً مع السودان، في وقت تؤكد فيه كل التصريحات والتصرفات الإثيوبية على الحدود مع السودان عكس ذلك، فماذا ينوي صاحب نوبل في المرحلة المقبلة، مع مؤشرات واضحة بدخول المنطقة لسيناريو قد يكون عنيفاً، بسبب تعنت أديس أبابا في أزمة سد النهضة مع مصر والسودان ومشكلة ترسيم الحدود مع الأخيرة، علاوة على حربه الداخلية التي لم تنته بعد في إقليم التيجراي، هل هي بعض تهدئة للأوضاع لتهيئة الساحة الداخلية لقيام الانتخابات الإثيوبية في يونيو المقبل؟

 

نزعة ميكافيلية
الدكتور حمدي عبد الرحمن الخبير المصري في الشؤون الأفريقية؛ كتب على صفحته بـ (الفيس بوك) تحت عنوان (آبي أحمد وإعادة اختراع كوريا الشمالية)، قائلاً إن المتابع لتحركات آبي أحمد على مدى السنوات الثلاث الماضية يلاحظ نزعة (مكيافللية) خالصة تبرر الكذب والمراوغة والحكم بالحيلة، مقابل تحقيق أهدافه الطموحة وحلمه الامبراطوري العظيم، مضيفاً أنه استغل من طبائع الشخصية الإثيوبية ما يساعده على بلوغ المراد مثل أسلوب الشمع والذهب وعبادة الرجل الكبير، وابتكر في بادئ الأمر سياسة صفر مشاكل؛ والتي لم تكن سوى مجرد علاج بالتمني ليتلقفها الغرب الحاني دوماً على الحبشة، ويمنحه نوبل للسلام.، وتابع ولكن الهوس بظاهرة آبي في الخارج سرعان ما تحطم على صخور النزاعات العرقية والإثنية بما في ذلك بني قومه من الأورومو، فكر ثم قدر ورأى أن يحتمي بأخواله من الأمهرا الذين تراودهم أحلام عودة أمجاد منليك وهيلاسلاسي، وزاد ظل التيجراي الذين فقدوا المكانة والسلطان هم الشوكة التي أرقت مضجع آبي أحمد، وهنا كان الخيار هو الارتماء في أحضان كوريا الشمالية بطبعتها الأفريقية أعني أريتريا، وقال إن أفورقي الذي يتسم بالغموض والبرجماتية لا يطيق جبهة تحرير التيجراي، وهنا وجد فتى نوبل ضالته، يترك الحدود مفتوحة أمام أبناء أفورقي ليستعيدوا بادمي وما وراءها ويدخلون غزاة فاتحين في التيجراي، لافتاً إلى أن أفورقي لن يهتم بنقد الغرب أو لجان حقوق الإنسان، وقال: لأنها بالبلدي كده مش فارقه معاه، إريتريا ليس لديها شراكات استراتيجية مع أمريكا أو الدول الغربية، وعليه ليس مفاجئاً أن ترتكب مذابح في التيجراي، أي العمق الإثيوبي ويتهم القوات الأريتري، مضيفاً؛ أليس ذلك مما يدعو للعجب؛ حيث إن حكومة أديس أبابا صدعتنا باستخدام مفاهيم السيادة والسيطرة الإقليمية في غير موضعها عند الحديث عن النيل الأزرق وهو نهر دولي، في نفس الوقت الذي يقف فيه آبي أحمد أمام البرلمان ويعترف بوجود قوات أريتريا في إقليم التيجراي، وتابع (وياما في الجراب ياحاوي) بعد زيارة آبي لأسمرة.

 

آبي مضغوط
أما إبراهيم ناصر؛ الباحث السوداني في أفريقيا يرى من جانبه؛ أن توقيت الزيارة يعكس أن آبي أحمد أمام ضغط خارجي، بعد إحراجه أمام المجتمع الدولي واعترافه بوجود قوات أريتريه في حربه مع التيجراي بعد نفيه لذلك، وقال ناصر لـ (اليوم التالي) إن آبي حاول تبرير الأمر داخل البرلمان بأن هذا الوجود جاء للدفاع عن الحدود الإريترية، ويبدو أن البرلمان رفض هذه التبريرات، ولذلك حاول بهذه الزيارة أن يلقي بالاتهام الموجه إليه بارتكام جرائم في التيجراي إلى أسمرة، مضيفاً أن آبي يحاول أن يؤكد في الوقت نفسه على التحالف والجبهة الموحدة مع أفورقي، خصوصاً وأن الأخير (براجماتي) ويمكن أن يغير تحالفاته بسرعة، وتابع: أتوقع أن الطرفين بحثا مسألة حسم الحرب عسكريًا أو الانصياع لدعوات السلام مع حفظ ماء الوجه، خصوصاً وأن أمريكا تطالبه بوقف إطلاق النار من طرف واحد، وزاد؛ كما أتوقع مناقشتهما لملف الحدود مع السودان والذي يختلف أفورقي فيه مع آبي، وأن الأول يرى أن الأزمة مع السودان ليست في وقتها، وأنه كان يجب حسم الحرب مع التيجراي أولاً، لأن إشعال الحرب مع السودان سيكون في صالح التيجراي في المقام الأول، في وقت يرى فيه أن آبي مضغوط في الوقت نفسه من الأمهرة ويريد حسم الملفين معاً.

القاهرة : صباح موسي

صحيفة اليوم التالي

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى