حيدر المكاشفي يكتب: عندما تلدغك عقرب ويكون الموت أقرب

من الأخبار المفجعة التي تدمي القلوب، أن خمسة أطفال بينهم رضيعة لا يتجاوز عمرها خمسة عشر يوماً من منطقة المناصير (المنكوبة)، لقوا حتفهم جراء لدغات العقارب في غضون يومين، وتشير تقارير سابقة الى أن من قضوا بلدغات العقارب في منطقة المناصير وحدها تجاوزت أعدادهم المائة خلال العام الماضي، هذا غير ما كانت تورده صحف الخرطوم لسنوات خلت من أخبار حزينة عن وفيات متلاحقة للأطفال والنساء بلدغات العقارب في دارفور والشمالية وغيرها من المناطق والفيافي الريفية القصية التي تنتشر وتتكاثر فيها الهوام من عقارب وثعابين في ظل انعدام كامل للأمصال، وتكشف واقعة أطفال المناصير الخمس أن الحال مازال على حاله وأن الناس في بلادنا مازالوا يموتون بلدغات العقارب والثعابين لانعدام الأمصال..صحيح أن الموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين، وأن الموت يدرك الناس ولو كانوا في بروج مشيدة، ولكن لا ينبغي أن تكون حقيقة الموت سببا في التراخي لتوفير الأمصال المضادة لسموم العقارب والثعابين خاصة في المناطق المعروفة بتكاثرها، وكان باحث سوداني يدعى أبوبكر محمد عبد الحليم مختص بمجال (علم الحشرات ووقاية النباتات)، كشف عن وجود 6 انواع نادرة من العقارب في السودان، وتوصل هذا الباحث لمعلوماته هذه عن العقارب من خلال 300 جولة ميدانية قام بها في انحاء البلاد المختلفة، جمع خلالها اكثر من 850 عينة من العقارب السودانية، 6 منها تعد نادرة ولا توجد في أي مكان آخر في العالم، وحسب الباحث فان منطقة (ابو ضلوع) الواقعة في طريق شريان الشمال، تعد من اكثر المناطق التي تنتشر فيها اخطر أنواع العقارب السامة والقاتلة على الإطلاق، وأشار الي تزايد اعداد الوفيات بسبب لدغات العقارب بسبب الصعوبات التي تواجه توفير وحفظ الامصال، وقلة الكوادر الطبية المختصة في المجال..
انها والله قمة المأساة والفجيعة، وهل هناك فجيعة ومأساة أفدح من أن يروح هؤلاء اليفع الصغار البريئون هكذا بكل بساطة، إنها والله المأساة في أبلغ وأوضح صورها، أن يموت الكبار والصغار من أهل بلدي من الفقراء ومحدودي الدخل وما أكثرهم بسبب ضيق ذات اليد وعدم الحصول على الدواء، بينما مترفوها وأثرياؤها وما أقلهم لا يطيقون صبرا مع أقل وعكة، فيهربون من البلاد إلى حيث توجد أرقى المستشفيات في بلاد العرب والعجم.. حرام والله حرام.. فألطف اللهم بالسواد الأعظم من عبادك في السودان واستر فقرهم بالعافية..
انها مسؤولية الحكومة التي عليها أن توفر أبسط الخدمات الطبية، وكيف لا تكون مسؤوليتها اذا كان الفاروق عمر رضي الله عنه، قال)لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر)، فما بالكم بهذه الأرواح البشرية البريئة، وتحضرني بهذه المناسبة حكاية العريس الفلسطيني الذي ذهب إلى الفندق بصحبة عروسه، وبعد ان تركا حقائبهما في الغرفة نزل العريس إلى حوض السباحة، وعند نزوله الماء أحس بألم في كتفه الأيسر فصرخ بعد ان اكتشف عقربا أسود يعاود الهجوم عليه، فابتعد عنه إلى ان جاء رجال الإسعاف ونقلوه إلى المستشفى وتلقى العلاج اللازم، ثم رفع دعوى على الفندق فحكمت له المحكمة بتعويض يبلغ نحو أربعة الاف دولار امريكي، فهل تعوض الحكومة أهالي الضحايا المنكوبين، ليس بالدولارات طبعاً بل بتوفير الأمصال..

 

 

صحيفة الجريدة

Exit mobile version