حوارات

سفير السودان بالصين: علاقتنا مع الصين استراتيجية

السفير د. جعفر كرار احمد رئيس البعثة الدبلوماسية السودانية بالعاصمة الصينية بكين. إعلامي بالفطرة ودبلوماسي متمكن كان أحد ضحايا مقصلة الفصل التعسفي التي انتهجها النظام السابق. و لانه صاحب رؤية ثاقبة وإرادة لا تقهر استثمر سنوات الاقصاء عن الوظيفة في الدراسة والبحث وتخصص في العلاقات السودانية الصينية. إعادته ثورة ديسمبر المتفردة إلى حضن الخارجية سفيراً على رأس بعثتها بالصين التي عرفها كما لم يعرفها غيره. متسلحاً بعلاقات راسخة شرع في وضع رؤى وخطط طموحة تهدف لمسيرة تعاون غير مسبوقة في تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين .

 

من هو جعفر كرار ؟

تحصلت على درجة الدكتوراه في العلاقات الصينية العربية ودراسات مابعد الدكتوراه من جامعة بكين ودراسات عليا في الإعلام من جامعة الخرطوم. وعملت بوزارة الخارجية القطرية وبروفيسور في الجامعات الصينية.

 

نشرتُ عدداً من الكتب منها 5 كتب حول العلاقات السودانية الصينية باللغتين العربية والصينية، بوصفك من أبرز المتخصصين في الشأن الصيني الذين عاشوا في الصين ودرسوا في جامعاتها، كيف يمكن استثمار هذه الميزة في الاستفادة من التجربة الصينية في تنفيذ النهضة السودانية؟

أؤمن بمشروع النهضة السودانية الكبرى ودراسة التجربة الصينية تمنحنا الثقة بأن حلم النهضة السودانية ممكن. توجد بلدان قليلة الموارد. ولكنها نهضت بمعادلة بسيطة عبر تطوير مواردها الذاتية ولم تلتزم بأي نظرية اقتصادية والسودان أكثر ثراء بالموارد و إذا ما امتلك رؤية واضحة والسيطرة على موارده وتطويرها فإنه يستطيع أن يتحول الى دولة متوسطة النمو خلال اقل من عقدين،

 

وسيطرة الدولة على الموارد لا تعني إضعاف أو إقصاء القطاع الخاص فالقطاع الخاص الوطني يلعب دوراً رئيسياً ومهماً ويوفر فرص العمل ويوسع دائرة التصدير المقنن ، كما أن التشوهات المالية خصوصاً في العجز في الميزان التجاري مع دول العالم الذي أشار اليه وزير المالية د. جبريل ابراهيم الى أنه ما بين 4-5 مليارات ربما سيختفي هذا العجز بمجرد سيطرة الحكومة المركزية على موارد البلاد وتطويرها ، من دراساتي حول الصين .. السوق الصيني وحده يمكن أن يحقق عوائد لخزينة الدولة السودانية تغطي هذا العجز اذا ما سيطرت الدولة على الموارد ووجهتها نحو التصدير.

 

بعد 7 أشهر من عملكم وما تمتلكه من خبرات ثرة عن الصين هل تقدمتم بأي اقتراحات للحكومة الصينية للمساهمة في تنفيذ بعض أهداف الأحزمة الاقتصادية؟

العلاقة مع الصين هي علاقة استراتيجية ومهمة وإذا استصحبنا . رؤية رئيس الوزراء د. حمدوك حول الأحزمة الاقتصادية الخمسة التي تضع السودان على مشارف تحقيق حلم النهضة السودانية المعروفة بالأحزمة الخمسة تشبه الى حد كبير المفهوم الصيني للتنمية. تتمحور رؤيتنا في الإسهام في استنهاض الموارد وبناء البنية التحتية التي ستسهم في جعل النهضة السودانية الشاملة ممكنة وطرحنا عدداً من الرؤى للمسؤولين في شكل مقترحات منها إنشاء منطقة اقتصادية صناعية للمنتجات الزراعية Agricultural Industrial Park هذا المقترح تمت دراسته والدفع به للمسؤولين في السودان وبنينا هذا الاقتراح اساساً على ان النهضة السودانية ولزمن طويل ستكون قائمة على الزراعية والصناعات المرتبطة بها ومنتجات الثروة الحيوانية من لحوم وجلود والبان واجبان وغيرها، واستفدنا من تجربة المناطق الاقتصادية الحرة في الصين واقترحنا بعد مشاورات أن يكون في السودان اكثر من منطقة اقتصادية صناعية للصناعات المرتبطة بالزراعة والثروة الحيوانية حتى يستفيد السودان من القيمة المضافة للمنتجات في اكثر من منطقة، سيتم التصنيع المتعلق بالزيوت سمسم فول سوداني زهرة الشمس وغيرها، والاعلاف والمواد الغذائية المتعلقة بصناعة الزيوت وتجفيف الفاكهة والصناعات المرتبطة باللحوم المذبوحة والالبان والاجبان وغيرها وصناعة الجلود ومشتقاتها و “صناعة النسيج” ويجب أن ندفع في صناعة النسيج بشكل خاص بابتكاراتٍ جديدة.. هناك مدينة في الصين متخصصة في النسيج وفي صناعة أقمشة الجينز بقطن قصر التيلة وتصدر أقمشة النسيج (خام الجينز) الى كل من مصر والدول العربية والاتحاد الأوروبي وهذه الشركات مستعدة لنقل هذه المصانع الى السودان بسبب توافر القطن في السودان ليكون اكبر مصدر لخام اقمشة الجينز.

 

ومن المشاريع المهمة التي نامل في تنفيذها هو مشروع مياه بورتسودان والذي يعنى بنقل مياه النيل من منطقة الحديبة بالقرب من الدامر الى عشرات القرى والمدن في شرقنا الحبيب.

هذا المشروع استراتيجي لأنه مرتبط بالميناء وسينعش الصناعات في المدينة كما سيسمح بتزويد السفن العابرة بالمياه العذبة مما يشكل دخل إضافي للولاية. هذا المشروع له مغذى سياسي واستراتيجي شديد الأهمية. ايضا انشاء شركة للصيد البحري لاستغلال ثرواتنا البحرية الهائلة على البحر الأحمر ، كما تباحثنا مع المسئولين في أكبر الشركات الصينية المتخصصة في قطاع السكك الحديدية وقد عبروا عن استعدادهم لتنفيذ خط سكة حديد مرتبط بمناطق الإنتاج يمتد من سنار الى حدودنا مع دولة تشاد و يلتقي بخط سكة حديد بورتسودان سنار ليربط مناطق الإنتاج.

 

ايضاً اجتمعنا مع واحدة من أكبر الشركات الصينية الحكومية المتخصصة في بناء السفن وطلبنا منهم المساعدة في تأهيل وتطوير الاسطول البحري المدني السوداني ليتمكن حصرياً في نقل صادرات السودان للخارج، و أن تسهم الشركة في بناء شركة صيد بحري سودانية حكومية حديثة لاستغلال ثروات البلاد وذلك بمد السودان بسفن صيد بحري حديثة متكاملة. وقد أعرب المسئولون في الشركة عن استعدادها الكامل للتعاون والدخول في هذا المشروع، لتقديم كافة المطلوبات من السفن التجارية بأنواعها وبالمواصفات الفنية المختلفة. مع تقديم خيارات للتمويل.

 

كما تم التباحث مع عدد من شركات التكنولوجيا المتقدمة العاملة في هذا المجال و اوضحنا رغبة السودان في انشاء محطات طاقة شمسية كبيرة لإنتاج الكهرباء ونقل التكنولوجيا المتقدمة والاسهام في بناء قاعدة لصناعة أنظمة الطاقة المتجددة الحديثة في السودان، لتطوير قطاع الطاقة الشمسية والاستفادة من الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها السودان لسد العجز في الكهرباء .

 

ونقوم حالياً للإعداد لمؤتمر كبير للترويج لقطاع التعدين في السودان بالتنسيق مع الشركات والمراكز البحثية في الصين ومن المتوقع قيام المؤتمر في شهر ابريل القادم وسيسهم هذا المؤتمر في جذب كبرى الشركات الصينية العاملة في مجال التعدين للاستثمار في السودان.

 

هل من اقتراحات تمت في قطاع التعليم؟

نعم تقدمنا بمقترحين بعد تلمس إمكانية تنفيذهما وهو انشاء “جامعة السودان للزراعة” حيث إن بلداً زراعياً كبيراً يستشرف نهضة زراعية ضخمة لا بد أن يكون له عدد من الجامعات المتخصصة في الزراعة، مع إنشاء جامعة للسكك الحديدية في السودان تكون نواتها كلية للسكك الحديدية في عطبرة.

 

هل تم التباحث حول الديون الصينية على السودان و إمكانية إيجاد حل لها..وكم يبلغ حجمها؟

ديون الصين على السودان تقارب ال 7 مليارات دولار امريكي وقد قمنا بلقاء كافة المؤسسات الصينية الدائنة للسودان وأبدت هذه المؤسسات مرونة في التعامل مع ملف الديون وهو من الملفات المهمة التي يجب التوصل الى حلول عملية لها وترى المؤسسات المالية الصينية الدائنة للسودان بأن الديون لن تقف عائقاً امام التعاون مع الصين في كافة المجالات

 

سعادة السفير نعلم ان الصين بلد قارة وبها فرص ضخمة للاستثمار والتجارة وبها قطاع خاص نشط ما هي مجهوداتكم لتنشيط التعاون بين القطاعين الخاص في السودان والصين؟

كان من ضمن أولويات البعثة تفعيل دور القطاع الخاص وإشراكه في عملية التنمية الاقتصادية في السودان وفتح الأسواق الصينية للشركات السودانية الصغيرة والمتوسطة و فتح الأسواق السودانية أمام الشركات الصينية للاستثمار في السودان، ونقل تكنولوجيا وخبرات الصين في الاسهام في تطوير قطاعات الزراعة والتعدين والصناعات الصغيرة والمتوسطة وغيرها، وفي هذا السياق وافقت الغرفة الصينية للتجارة الدولية على مقترح البعثة بإنشاء مجلس اعمال سوداني صيني يضم شركات القطاع الخاص بين البلدين لاستكشاف فرص الاستثمار وتفعيل دور القطاع الخاص لتعزيز التعاون بين السودان والصين، وسيعمل المجلس كآلية مهمة في التنسيق لاجتماعات شركات القطاع الخاص بين الجانبين وتعزيز معرفة الشركات السودانية بمقدرات وفرص وامكانات السوق الصينية الهائلة.

 

وقيام هذآ المجلس بين البلدين يعد اختراقاً وخطوة مهمة في اتجاه فتح الأسواق وتعزيز دور القطاع الخاص السوداني في التنمية علماً بأن سوق الصين الكبير كان محتكراً لفئة قليلة من الشركات المحسوبة على النظام السابق و اجتهد النظام السابق لعدم قيام مجلس اعمال سوداني صيني يفتح السوق الصيني امام كل شركات القطاع الخاص السودانية مما أدى الى عدم نمو طبيعي للعلاقة بين شركات القطاع الخاص السوداني والصيني لمدة طويلة.

 

إن المجلس الجديد سوف يمنح جميع شركات القطاع الخاص السوداني دون استثناء ولا اقصاء فرص للدخول للسوق الصيني حيث ستكون المنافسة النزيهة على ضوء قوانين، وتم بالفعل التنسيق بين البعثة واتحاد أصحاب العمل السوداني لإنشاء هذه الآلية المهمة ومن المتوقع أن يتم توقيع مذكرة تفاهم في القريب العاجل حول هذه الآلية. وفي تقديري بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإنهاء القيود المالية المفروضة على السودان أصبح الآن بإمكان الشركات الصينية (قطاع خاص وعام) زيادة استثماراتها في السودان وإجراء التحويلات والمعاملات المالية بكل سهولة ويسر الأمر الذي سيسهم بكل تأكيد في تعزيز التجارة الثنائية بين السودان والصين وزيادة حجمها.

 

نعلم أن هناك ما يشبه الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين وهناك منافسة جيوسياسية بين القوتين في وقتٍ سمح فيه رفع السودان من قائمة الإرهاب بتطور العلاقات بين السودان والولايات المتحدة. ؟ كيف يمكن للسودان أن يوازن في علاقاته بين الصين والولايات المتحدة؟

سياسة السودان الخارجية خلال الفترة الانتقالية قد حسمتها الوثيقة الدستورية، (وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها).وفي هذا الاتجاه تربطنا علاقات طيبة مع جمهورية الصين الشعبية ومع الولايات المتحدة الامريكية قائمة على الاستقلالية والاحترام المتبادل.

هل أنتم متفائلون على مستقبل العلاقات السودانية الصينية؟

نحن متفائلون بأن الصين ستسهم اسهاماً كبيراً بحكم تجربتها التي تتلاءم مع ظروف السودان المحلية في تحقيق حلم النهضة السودانية كما أن تجارب الصين في الزراعة والتصنيع الزراعي تتلاءم الى حدٍ كبير مع ظروف السودان، و السوق الصيني متعطش للمواد الغذائية كالسمسم والفول السوداني والاقطان والمواد المعدنية. سيكون من أهم اسواقنا الحالية والمستقبلية على الاطلاق.

 

هل من زيارات متبادلة بين البلدين لتقنين هذه المقترحات وتنفيذها على أرض الواقع؟

نأمل بعد تخفيف الاغلاق بسبب الكورونا أن نتمكن من تنفيذ برنامج زيارات رفيعة بين البلدين حيث إنه من المعروف بأن الزيارات الرفيعة عادة ما تنقل العلاقات بين الأصدقاء الى مرحلة جديدة. واسمحي لي في نهاية هذا اللقاء ان اهنئ الأصدقاء في الصين بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني.

حوار: سعاد عبدالله

 صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى