مزمل ابوالقاسم

مزمل أبو القاسم يكتب: زيارة حمدوك للجهاز

* يُحسب لحكومة الفترة الانتقالية أنها لم تنجرَّ خلف الحملات المتشنجة، التي استهدفت حل جهاز الأمن الوطني، خلافاً لما فعلته حكومة د. الجزولي دفع الله بعد انتفاضة رجب أبريل، عندما أقدمت على حماقة حل الجهاز، وتركت البلاد بلا ساترٍ أمني، يقيها شرور الاختراق.
* انطلقت دعوات الحل من منصةٍ قويةٍ، وتمتعت بسندٍ قويٍ، تبعاً للتاريخ السيء للجهاز في التعامل مع معارضي النظام البائد، وعنفه المفرط مع المتظاهرين السلميين على أيّام الثورة وما قبلها، بعد أن وثقت مقاطع فيديو عديدةٌ انتهاكاتٍ موجعةً، مُورست على نطاقٍ واسع، وراحت ضحيتها أرواحٌ عزيزة، مثلما تعرَّض الآلاف لتوقيفٍ جائرٍ، في معتقلات الجهاز العديدة، وأشهرها (ثلاجة موقف شندي)، سيئة السمعة.
* مع ذلك كان حل الجهاز مرفوضاً لدينا بكل الحسابات السياسية والأمنية والاقتصادية، لأن المنطق كان يفرض إخضاع كامل المنظومة الأمنية إلى إصلاحٍ شاملٍ، وإعادة هيكلة مدروسة، كي تعمل بموجهات مهنيةٍ ووطنيةٍ بحتة، وتنتقل من حدود خدمة التنظيم إلى آفاق خدمة الوطن، بالمعنى الواسع لمصطلح (الوطني) الذي يحمله اسم الجهاز.
* لو تعاملنا بردود الأفعال لتشددنا في المطالبة بحل الجهاز، تبعاً للأذى الجسيم الذي ألحقه بِنَا، إذ تعرضت هذه الصحيفة إلى عشرات المصادرات، وتم حرمانها من الصدور لأجلٍ غير مسمى ذات مرة، ومُنعت عن معانقة قرائها لمدة (21) يوماً متتاليةً في العام 2014، وتكبدت خسائر مادية بالمليارات، كما خضع طاقمها إلى مضايقاتٍ عديدة، واستدعاءاتٍ متكررة من إدارة الإعلام التابعة للجهاز.
* مع ذلك رفضنا الحل، ورأينا أن وجود الجهاز مهم لجهة أنه يمثل حائط الصد الأول للدولة من الناحية الأمنية، وأن أهميته ستتضاعف حال خضوعه إلى إعادة هيكلةٍ تقوِّم اعوجاجه، وتصحِّح أخطاءه، وتحول دون إساءة توظيفه لخدمة الأجندة الحزبية الضيقة.
* سلم الجهاز من الحل، لكن مشكلته برزت في نصوص الوثيقة الدستورية، التي حجّمت دوره وأخرجته عن نطاق الخدمة فعلياً، لا بتعديل اسمه فحسب، بل بقصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها ووضعها أمام صُنَّاع القرار، وحرمانه من سلطة الضبط والإحضار، مع أن طبيعة عمله تستلزم منحه صلاحياتٍ محسوبةً ومنضبطةً للاعتقال، لجهة أن عمله لا يقوم على ملاحقة الخصوم السياسيين والتنكيل بهم، بقدر ما يتصل بمراقبة ومناهضة كل الأنشطة الهدامة المضرة بالوطن والمواطن، ومنها ما يتعلق بالتجسس والتخابر مع جهات أجنبية، ومتابعة تحركات جماعات الهوس الديني ذات الطبيعة الإرهابية والتخريبية، علاوةً على مهامه المتصلة بحفظ الأمن الاقتصادي للبلاد وخلافه.
* لكل ذلك سعدنا بالزيارة التي سجلها رئيس الوزراء؛ الدكتور عبد الله حمدوك لجهاز المخابرات العامة أمس، وبالتغريدة التي أكد فيها مناقشته للتحديات التي تواجه البلاد، وأهمية تضافر الجهود لإنجاز قضايا الانتقال السياسي، ودور الجهاز في ظل النظام الديموقراطي المنشود.
* لا يوجد ما يستدعي إنشاء جهاز جديد للأمن الداخلي بوجود جهاز المخابرات العامة بإمكاناته المعلومة للكافة، لأن ذلك المسعى سيشتت الجهد ويهدر الوقت والمال في ما لا طائل من ورائه، سيما وأن عملية إعادة الهيكلة يمكن أن تحقق كل المُراد من دون إنهاك خزينة الدولة وجهدها بإنشاء جهازٍ موازٍ، اللهم إلا إذا كان الساعون لبلوغ تلك الغاية يريدون للكيان الجديد أن يسير على الدرب ذاته الذي انتهجه (المُسيّس) على أيّام العهد البائد، بملاحقة الخصوم السياسيين والتشفي فيهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية باعتقالاتٍ جائرةٍ، بدأت تُمارس بنهجٍ يفتقر إلى الرُشد ويتنافى مع كل شعارات الثورة.. حتى قبل إنشاء الجهاز الموازي.
* من الأهمية بمكان أن يعمل الجهاز تحت إمرة السلطة التنفيذية، وأن يخضع إلى إدارتها وإشرافها المباشر، ليكون رئيس الوزراء المسؤول الأول عنه، وتكون له سلطة توجيهه، ومتابعة أدائه ومحاسبة المسؤولين عنه إذا لزم الأمر.
* نتمنى أن تشكل زيارة حمدوك للجهاز بدايةً جديدةً لعلاقةٍ معافاة، بين السلطة التنفيذية والمنظومة الأمنية، تستند إلى حسن توظيف جهاز المخابرات العامة في ما يخدم المصالح العليا للبلاد، بعد إزالة الجفوة التي شابت علاقة الحكومة وحاضنتها السياسية معه، لكي يعاود انطلاقته من منصةٍ جديدة، تستند إلى حفظ أمن البلاد والعباد من منطلق قوميٍ ومهنيٍ بحت.

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى