أحمد يوسف التاي يكتب: المنصورة

(1)
تأويل التصريحات التي تحتمل بعض الغموض يعتمد في الغالب على الحالة الذهنية التي تتلبس المُأوِّل ومن الزاوية التي يريدها هو لا صاحب التصريح والتي تحقق غرضه هو لا المتحدث، وفقاً لانطباعات وأحكام مُسبقة تدفعه دفاً لتأويل التصريحات بما يتسق وينسجم مع مواقفه المُسبقة ، فإذا كانت عدائية ، أو تنافسية أو مبنية على الريبة والشك فيأتي تأويله للتصريحات التي يسمعها على نحو يعبر عن تلك المواقف العدائية، أو ذات الطبيعة التنافسية، أو القائمة على التشكيك، وإن كانت مواقفه وانطباعاته تجاه المصرح إيجابية أو مؤيده أو محايدة ،فإن تفسيره لما يسمعه يجيءُ معبراً عن هذه المواقف..
وانطلاقاً من الفرضية أعلاه تبارى كُتَّاب الرأي والصحافيون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي في تأويل تصريحات وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق المهدي ، وأسرف البعض في انتقادها بصورة اشتملت على الكثير من التجريح والسباب والإساءات والسخرية، وقد حمّلوا تصريحاتها أكثر مما تحتمل…
(2)
تعالوا ننظر إلى هذه التصريحات بشكل موضوعي بعيداً عن الهياج وبشيء من الحيادية… لكن قبل ذلك أود أن أتفق مع الكثيرين في أن منصب وزير الخارجية منصب حساس ويحتاج إلى توفر الحساسية المفرطة لدى الشخص الذي يتقلد هذا المنصب ، ولا بد لصاحبه أن يتمتع بقدر وفير من اللباقة والكياسة وحسن التدبير والتصرف والحضور الذهني ولا بد له أن يوزن كلماته بميزان الذهب مع اليقظة والحيطة والحذر لحساسية التعامل مع الملفات الدولية والعلاقات الخارجية، ولا أقول إن وزيرة خارجيتنا ينقصها الكثير من هذا…
أعود إلى العبارة التي وردت في تصريحات وزيرة الخارجية والتي سار بها الركبان بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير وهي لفظ ( نستعمر أراضينا) والتي وصفها البعض بالخطأ الجسيم وقالوا إن الوزيرة زلّ لسانها فأرادت الاستثمار فأطلقت «الاستعمار»…
وفي اللغة العربية يُقال: بكى واستبكى، إذا بكى هو وأبكى غيره ، ويقولون وخَدَم واستخدم، إذا خدم هو بنفسه ويجعل غيره يخدم معه ، ويقولون عَمَر واستعمر إذا عَمّر هو وجعل غيره يعمِر، وكذا عمل واستعمل… والمقصود بلا شك حسب ما فهمتُ من سياق الحديث من عبارة نستعمر أرضنا نستجلب المستثمرين ونجتذب رؤوس الأموال الخارجية للاستثمار الزراعي في أراضينا الواسعة..
والدعوة لإعمار الأرض السودانية والاستثمار الزراعي في السودان لم نطلق اليوم من تصريحات وزيرة الخارجية بل ظلت دعوة مستمرة تنتهز لها الحكومات السودانية المتعاقبة فرص انعقاد المؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية التي تنعقد داخل وخارج السودان ، فما البأس في أن تقول إن لدينا اراض واسعة وعدد السكان في السودان أقل ، وما البأس في أن تقول نستعمر أرضنا اليباب… فهل يُعقل أن يفهم أي عاقل أن وزيرة خارجيتنا تدعو الدول إلى استعمار بلادنا وكلنا يعرف موقف حزب الأمة من احتلال حلايب ، فالمقصود من سياق التصريح بالتأكيد هو الدعوة للاستثمار الزراعي في السودان لا أكثر ولا أقل…
(3)
لا تتعجلوا على «المنصورة» بالأحكام المسبقة من أول امتحان، أمهلوها بعض الوقت وأظن أنها قادرة على اكتساب الكثير من المهارات التي تزيل (التعتعة) و(اللعثمة) فتلك أمور تُكتسب بالممارسة…. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة