عبد اللطيف البوني يكتب: شئ من الأخلاق

 

(1 )
بالأمس استعرضنا المعايير التي تم بها تقييم الجنيه السوداني ووصلنا الى خلاصة مفادها أن الحكومة قد اختارت المعالجة التي ارتآها صندوق النقد الدولي، وبهذا تكون قيمة الجنيه الحقيقية على رأي الصندوق أقل من واحد على اربعمائة من قيمة الدولار أي ان الدولار يساوي أكثر من اربعمائة جنيه بينما (السلة الأمريكية) تقول ان الدولار في حدود الاربعمائة، فطالما ان الصندوق والأمريكان وكل الغرب رحب بالتقييم الذي اختاره بنك السودان، يصبح هناك اتفاق على ان قيمة الجنيه السوداني وبصورة موضوعية في الحدود المعلنة حاليا قابلة للارتفاع في حالة نجاح التجربة وتجاوب المواطنون معها وبالطبع قابلة للتراجع في حالة الفشل ، ولكن الخلاصة الأهم التي نود التنويه اليها ان قيمة الجنيه الحالية ولما اتخذته الحكومة من سياسة لا ترجع للمضاربات وفساد السياسات إنما ترجع لتدني الإنتاج والإنتاجية في البلاد، مما جعل الصادرات لا تفي بنصف المستورد . عليه يكون تسعير الدولار رسميا بـ 55 جنيها غير واقعي وهذا الذي فتح الثغرة لظهور تجار العملة.
(2 )
إذن يا تجار العملة ويا جماعة الخير الفجوة التي دخلت منها تجارة العملة السوق الأسود ناجمة عن المكابرة وعدم الاعتراف بالتدني الحاصل وهذا يخفف كثيرا على تجار العملة لأنه لو لم يظهروا ويملأوا تلك الفجوة كانت ستظهر جهات أخرى او مؤسسات أخرى لتسد هذة الفجوة، لا يعني هذا ان تجارة العملة ليست نشاطا طفيليا غير منتج، بل هي نشاط طفيلي وأطفل من طفيلي ولكن السبب فيها ليس تجار العملة لا بل يمكن إذا غضننا الطرف عن قطاع الإنتاج وذهبنا للقطاع الخدمي وهو قطاع هام وضروري يمكن ان نشكر تجار العملة لما قاموا به في الفترة الماضية لأنهم كانوا حلقة الوصل بين المغترب وأهله فاستفادوا من ثورة الاتصالات وأصبح ما يرسله المغتربون يصل لذويهم وأهلهم ومشاريعهم في الساعة والحين، وقد اتخذ ذلك طابعا مؤسسيا فكسبوا ثقة المغتربين
. (3 )
أما الآن وبعد ان قيم الجنيه السوداني تقييما واقعيا على حسب رؤية الصندوق والمانحين والحكومة وفتحت البنوك ذراعيها لاستقبال ما يبعثه المغترب والمهاجر فلا يوجد عذر لتجار العملة للاستمرار في ذلك النشاط الطفيلي لإنهم اذا أصروا على السير في هذا الطريق فهذا يعني سوف يدخلون في منافسة مع الدولة مستفيدين من الثقة التي اكتسبوها ومن المؤسسة التي أقاموها فتحدث المضاربة وهذا سوف يعرض الجنيه السوداني لمزيد من الانهيار وسوف يفضي الى كارثة اقتصادية سياسية تودي بالبلاد في ستين داهية . اننا نخاطب هنا البعد الإنساني والأخلاقي والوطني والديني في تجار العملة لأنهم في ظننا لم يخلقوا أشرارا ولم يكونوا السبب في انهيار العملة فيما سبق، إنما وجدوا ثغرة صنعها خطل السياسات فدخلوا منها . فالحكومة الآن بما اتخذته من سياسة انتحارية سدت هذه الفجوة فأي محاولة للإبقاء على الثغرة تعتبر خيانة وطنية ..اذا أصر تجار العملة على الدخول في معركة كسر عظم مع الحكومة، فسيكونون هم الخاسرون في الحالتين . وأخيرا عزيزي القارئ لا تقل لي بوجوب فصل الاقتصاد عن الأخلاق، فالفائز بجائزة نوبل في العام الماضي كانت أطروحته قائمة على البعد الأخلاقي في الاقتصاد. وللحديث بقية إن شاء الله.

صحيفة السوداني

Exit mobile version