مزمل أبو القاسم يكتب: أصحاب البُرج العالي

* شاعت مقولة (زمن الدسدسة و الغتغيت انتهى)، وسارت على الألسن نقلاً عن الفريق أول حميدتي، والصحيح أن الغتغتة تفشت بنهجٍ جعل كل مشتريات الدولة من السلع الاستراتيجية تتم بنهج (الدسديس)، وبطريقة (أم غُمتِّي)، بازدراء غير مسبوق لنصوص قانون الشراء والتعاقد، الذي انتهك مراراً، وقُدّت أسماله البالية المهترئة من قُبْلٍ ومن دُبْرٍ أمام ناظري المراجع العام، الذي لم يتحفنا بتقريره السنوي عن حجم التعديات التي تمت على أموال الدولة في العام المنصرم، ونحسب أنها بلغت أرقاماً فلكية.

* أمس طالعنا تعميماً أصدره ديوان الحسابات القومي، ونفى فيه ما شاع عن صدور توجيه للوحدات الحسابية بوزارة المالية بصرف مرتبات موظفي الدولة؛ بمن فيهم موظفي مكتب رئيس الوزراء ومستشاريه ومكتبه الإعلامي؛ بالجنيه السوداني، اعتباراً من شهر فبراير الحالي.

* و توقعنا أن يحوي التعميم إيضاحاً حول ما شاع عن أن المعنيين بالنفي، من العاملين في مكتب رئيس الوزراء الموقر يصرفون مرتباتهم الشهرية بعملةٍ أجنبيةٍ، تساوي (375) ضعف عُملتنا الوطنية المنهكة المنهارة.

* عندما سألنا عن هوية الجهة التي وفرّت الأموال المزعومة قيل لنا إنها أتت بدعمٍ من صندوقٍ خاص لمكتب رئيس الوزراء، تسهم فيه الوكالة البريطانية للتنمية والاتحاد الأوروبي، ولو صحَّت المعلومة فتلك مصيبة، إذ لا توجد دولة مستقلة تحترم سيادتها، وتحرص على صيانة قرارها الوطني تسمح لمسؤولين حكوميين بأن يصرفوا مرتباتهم ومخصصاتهم من دولٍ أخرى، أو أي جهاتٍ أجنبية.

* كيف تنفق تلك الأموال حال وجودها، وما الجهة التي تحدد قيمة المخصصات، وما الكيفية التي تتم بها المراجعة والتدقيق، ومن يمتلك سلطة التصديق بالصرف، وهل خضعت تلك الأموال لسلطة المراجع العام قبل إنفاقها وبعده؟

* ألا يُعد ذلك انتهاكاً لولاية وزارة المالية المخولة بإدارة البند الأول لمرتبات موظفي الدولة؟ أم أن الموظفين والسكرتيرين والمستشارين المحيطين بدولة رئيس الوزراء ليسوا محسوبين من ضمن موظفي الدولة؟

* ما الفرق بين التجنيب الذي مارسه الرئيس المخلوع باحتفاظه بأموال مقدَّرة بالعملات الأجنبية في مكتبه ببيت الضيافة، والأموال الأجنبية المجنّبة في مكتب رئيس الوزراء، كي تُنفق على بعض من مضوا إلى حال سبيلهم مؤخراً، من دون أن يعلم شعبهم الفقير المُعدم مقدار الدولارات التي جنوها من وظائفهم المربحة؟

* ألم يخالف المخلوع عِدّة قوانين تتعلق بكيفية إدارة المال العام، ومن أبرزها قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي؛ ليكلفه فعله الشائن إدانةً قضائيةً استوجبت حبسه لمدة عامين في إحدى الدور المخصصة لإعادة تأهيل كبار السن، فكيف جاز لمن خلفوه في إدارة الدولة في عهد الثورة أن يقلدوه بغير إحسانٍ؛ كي يحتفظوا بأموالٍ أجنبية المصدر في مكاتبهم؟

* مؤخراً قيل إن تلك الوظائف ستطرح للتنافس الحُر للراغبين في تقلدها، مما يدفعنا إلى التساؤل عن النهج الذي اتُبع في تعيين السابقين، إلى أي معيارٍ استند، بخلاف معايير (صاحبي وصاحبك وزولي وزولك)، بدرجةٍ دفعت الصحف إلى رصد الخلافات التي دارت بين أولئك الموظفين المحظوظين؛ قبل صرفهم من وظائفهم المُربحة.

* ختاماً نسأل: ما الداعي أصلاً إلى تعيين أكثر من عشرين مستشاراً وموظفاً وسكرتيراً في مكتب رئيس الوزراء بوجود وزارةٍ كاملةٍ، تحوي جيشاً من الموظفين والمستشارين، وتحمل مسمى (وزارة مجلس الوزراء)، ويفترض أنها تعمل بكاملها في خدمة رئيس الوزراء الموقر؟

* هل تمتلك دولتنا المُعدمة؛ التي تفشل في توفير الدواء والغذاء والوقود والكهرباء لمواطنيها؛ فوائض من المال بالعُملات الأجنبية، كي تنفقها على أصحاب البرج العالي، من العاملين في مكتب دولة رئيس الوزراء المبجل؟

* نريد إيضاحاً عن قيمة تلك الأموال، والكيفية التي أنفقت بها، والجهات التي جادت بها، وهوية المستفدين منها، وكم نالوا، وكيف تم تحديد مخصصاتهم، سعياً لصيانة المال العام من القيل والقال، وحفظه من الهدر والتعدي، وتأكيداً على صحة المقولة التي ابتدرنا بها هذا المقال.

* هل سيحدث ذلك تعزيزاً لقيم المباشرة والنزاهة والشفافية، أم نشهد المزيد من (الغتغتة والدسديس) في شأن إدارة أموال الدولة، بمعزل عن حدوتة (ترسيخ ولاية وزارة المالية على المال العام)؟

 

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version