جعفر عباس

جعفر عباس يكتب: مبروك الإعدادية وعقبال الثانوية

لا أعرف نائبا جديرا بالإعجاب في اي برلمان عربي يزعم انه ديمقراطي عضويته منتخبة انتخابا حرا، لا لعيب في النواب، ولكن في البرلمانات، لأن معظمها مثل دور الأوبرا يتم فيها تقسيم الممثلين (ممثلي الشعب!!) الى مجاميع لكل منها دور مرسوم ومحكوم بنص جاهز، تحت إشراف مايسترو يمسك بعصا غليظة، وتحضرني هنا مقولة الكاتب المصري المعروف فهمي هويدي بأن الدول العربية لا تقوم بإصلاح سياسي بل “سياحي”، يقتصر على تزيين الواجهات وتلميعها حتى تبدو للناظر من الخارج جذابة وخلابة!! ورغم أنني كنت من اشد كارهي نظام حسني مبارك وسنين حسني مبارك، إلا أنني لن أنسى إعجابي بالنائب سيف محمود عضو البرلمان في العهد المباركي “المشؤومي”، واستعيد هنا تجربته في الحصول على الشهادة الاعدادية (المتوسطة). فأحد شروط عضوية البرلمان المصري هو الإلمام بالقراءة والكتابة، وكان سيف محمود يقرأ ويكتب عندما ترشح لعضوية البرلمان، (يعني يفك الخط) وفاز بها في دورات سابقة، وظل طوال تلك السنوات يحظى بثقة الناخبين، ولكنه ما ان سمع انه سيتم تعديل تلك الشروط بحيث تنص على ضرورة حصول المرشح للبرلمان على الشهادة الإعدادية كحد أدنى، حتى جلس يستذكر دروسه مستعينا بأفراد أسرته حتى نال 110 درجات من أصل 140 درجة، بل وقرر مواصلة تعليمه لنيل الشهادة الثانوية الصناعية الفنية (لأنه يعمل سلفا في مجال صناعي فني).
اختار سيف محمود الطريق الصعب، وهو التتلمذ، بينما اختار غيره الطرق السهلة وزوروا الأوراق ليؤكدوا انهم أكملوا تلك المرحلة الدراسية او هذه، وانكشف امرهم وفقدوا مقاعدهم في البرلمان، وما جعل هذا الرجل المصري محط إعجابي هو أنه لم يحاول ان يخفي عن زملائه وأهل دائرته الانتخابية انه يدرس مناهج مخصصة لمن هم فوق العاشرة بقليل، بل أعلن على رؤوس الأشهاد أنه تلميذ “إعدادي” وأنه بحاجة الى دروس إضافية في الرياضيات واللغة الانجليزية. لم يقل: يا عيب الشوم الناس اللي حواليا نُصُّهم عندهم دكتوراه والنص التاني ليسانسات وحاجات كده من بلاد بره عليها القيمة. وأنا يا دوب حي الله بتاع ابتدائي. حيقولوا عليا إيه الدكاتير دول (الدكاتير هي جمع دكتور عندما يكون حامل اللقب ديك – تور). بالعكس أقام سيف محمود زيطة وزملبيطة واحتفل بحصوله على الاعدادية وأدلى بتصريحات صحفية بتلك المناسبة المهمة في مسيرته الحياتية والعملية. وربما ما حدا به الى إشهار كونه “بتاع إعدادية” ثقته بنفسه، بعد ان بقي في البرلمان 15 سنة رأى خلالها أن حملة شهادات أكاديمية متواضعة قد يكونون أكثر ذكاء ودراية بالقضايا العامة من بعض الدكاتير الطراطير، ومن ثم لم يقرر مواصلة تعليمه العام بل الالتحاق بمدرسة صناعية لأنها تضيف جديدا الى خبرته العملية، رغم علمه ان الناس في “بلد شهادات” ستقول عنه “بتاع صنايعي”، وهم لا يعرفون ان بتاع الصنايعي هو الأوفر حظا في سوق العمل.
وأذكر انني كتبت عن صمود “عبد الصمد” وهو رجل من دولة الإمارات جلس لامتحان الشهادة الثانوية تسع مرات على مدى نحو ربع قرن وفي آخر مدرسة جلس فيها لذلك الامتحان كان مدير المدرسة أحد زملائه في المرحلة الابتدائية، وفي دولة قطر نال درجة الماجستير قبل أكثر من عشرين، شخص رائع، لا يحضرني اسمه، قال في حوار صحفي انه التحق بالمدرسة الابتدائية وعمره 12 سنة وقبلها كان يرعى غنم العائلة، ثم رعى نفسه حتى صار يشغل منصبا رفيعا في مؤسسة ضخمة. ولم اسمع به بعد ذلك الحوار لأن العصاميين ليسوا طلاب شهرة. وفي نفس الوقت فإنهم خالون من العُقد التي جعلت الكثيرين من الشخصيات العامة في بلداننا عصامية في جهلها لأنها بدلا من الاستزادة من العلم تستزيد من المكابرة والادعاء والنفخة الكاذبة وترتد إلى الأمية.

 

 

 

صحيفة الشرق الاوسط

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى