عبداللطيف البوني يكتب: عتود وسخلة وكديسة

(1 )
من ابشع واكبر آيات عوارنا السياسي هو تكبيرنا لدور الحكومة وتصغيرنا لدور المواطن اي الشعب .وهذه العاهة سببها الذين قادوا دفة العمل السياسي منذ فجر الحركة الوطنية إلى يوم الناس هذا وربما قبل ذلك فما من سياسي يطرح نفسه الا وتجده يعد المواطن بانه عندما يحكم سيقود الشعب الى التطور والنماء فمحمد علي باشا عندما زار السودان في 1848 طلب من اعيان السودان الذين استقبلوه أن يحمدوا الله ظاهرا وباطنا بأن بعثه لهم ليخرجهم من وحشة الغابة إلى الفة الحضارة .الإمام المهدي قال انه بعث ليملأ الارض عدلا بعد أن ملئت جورا فسادا .كتشنر قال انه جاء لانقاذ البلاد والعباد . رواد الحركة الوطنية بقيادة الازهري قالوا سوف يلحقون البلاد بركب الامم المتقدمة عندما يحلون محل الخواجات. كل الذين حكموا بعد الاستقلال إلى يوم الناس هذا قالوا بأنهم سوف (سيعبرون ) بالشعب من حالة التخلف إلى خانة التقدم والرفاهية.
(2 )
المفقود في الخطاب السياسي المشار اليه اعلاه هو دور الشعب بمعنى لم نجد سياسيا واحدا يقول انه عندما يحكم سوف يعتمد على الشعب في النهضة الموعودة. كلهم يقولون نحن بنشيل الشيلة كحكام وما على الشعب الا أن يرقد قفا. لقد صوروا لنا الحكومات بأنها المالكة للعصا السحرية التي تلقف كل المعيقات وتقود الشعب إلى بر الامان فاذا لم تفعل اطيحوا بها والبديل جاهز . هذه العاهة ادت إلى تنشئة سياسية منحرفة فأعاقت التنمية السياسية في البلاد لانها جعلت الشعب عالة على الحكومة يتكفكفها ويتقرب اليها او يتحول إلى نقابة في مواجهتها وما على معارض الحكومة الا أن يعيق مسيرتها لكي يلتفت الشعب اليه ليجعله بديلا. لهذا انحصر الحراك السياسي كله في حكومة مقابل معارضة اما دور الشعب وما ينبغي أن يقوم به فلا ذكر له بعبارة اخرى الشعب له حقوق وليس عليه واجبات وهذا اسوأ انواع التربية السياسية خليك من التربية الوطنية فالاحساس بالوطن مرحلة نحن بعيدون منها فخلونا مع مصلحة المواطن الضيقة.
(3 )
دعونا نقف عند حالنا اليوم فالأزمات تطبق علينا من كل الاتجاهات لنبدأ بالجنيه السوداني الذي مات وشبع موتا فمن الذي قتله ؟ بالله خلونا في الحتة دي من مواردنا المهولة والانتاج والذي منه واقيفوا عند الدولارات التي يملكها الشعب السودان في الخارج والداخل لاشك انها تقدر بمئات المليارات فاذن المفارقة أن السودانيين يملكون من الدولارات الحية ما يجعل جنيهم لا يقل قوة عن الدولار ومع ذلك يموت هذا الجنيه كمدا ؟ من الذي صنع سوق العملة الاسود ؟ اليس البائع سودانيا والمشتري سودانيا ؟ تجار العملة من اعلاهم إلى اطفال السوق العربي وفي ارض المهجر ووكلاؤهم بالداخل كلهم سودانيون وناس كويسين ومنهم خيرون يشيدون المساجد والمدارس ومنهم متدينون يصومون الاثنين والخميس لكنهم لايدركون ما سببوه من جوع ودمار وخراب فهذه ليست مسؤوليتهم انما مسؤولية الحكومة (هكذا). نعم سياسة الحكومة رعناء لان الذين يديرونها هم اصحاب المصلحة الذاتية ولكن ماهو واجب الشعب؟ الشعب الذي ينظر لسارق العتود او السخلة بازدراء ويعزله اجتماعيا ولا يزوجه وربما يطلق امرأته وفي نفس الوقت يحترم ويقدر مليارديرات العملة والمرابين وتجار السوق الاسود والمفسدين لان الحرب عليهم واجب الحكومة فاذا فشلت فلتذهب غير مأسوف عليها وأكان شالتها كديسة ما نقول ليها بِس – بكسر الباء- ونواصل إلى أن نصل حكومات حمدوك الثلاثة إن شاء الله.

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version