أحمد يوسف التاي يكتب: لن نعبُر بهؤلاء

(1)
بعد (48) ساعة من الآن سنشهد إعلان تشكيل حكومة حمدوك الثانية، وسيكون المطلوب من الحكومة الجديدة العمل بإلحاح على حل الضائقة المعيشية وكبح جماح الأسعار ولجم سعر الدولار وإنهاء مظاهر الندرة في السلع الإستراتيجية مثل الدقيق والوقود وإختفاء الصفوف إلى جانب توفير الدواء، ووضع المعالجات اللازمة لتخفيض التضخم وخفض الإنفاق الحكومي ، هذا على الصعيد الإقتصادي…
أمنياً يقع على عاتق الحكومة الجديدة العمل على إنهاء حالة النزاع القبلي والتوترات وحسم التفلتات الأمنية في العاصمة والولايات والتي افترشت هيبة الدولة بلا خوف وأصطرعت عليها بلا كابح وبلا مبالاة … فرض هيبة الدولة وإنفاذ القوانين يمثل أكبر وأخطر التحديات الأمنية التي تنذر بنسف الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي على حد السواء..
على صعيد المنظومة العدلية يمثل تطبيق العدالة أبرز المهام المقدسة على الإطلاق، إذ لابد من طي صفحة العدالة الإنتقائية والجنوح إلى حالة التشفي وتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم.. كل هذه أمنيات ينتظرها الشارع السوداني على جمر تعصف به رياح البؤس والمعاناة وتنفخ فيه أعاصير الفتن والأجندات الشريرة التي تستهدف بقاء السودان وطناً موحداً.
(2)
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بوضوح تام: هل ستنجح الحكومة المرتقبة في حسم كل تلك الملفات العاجلة، وهل لنا أن نتفاءل ؟… والإجابة عن السؤال يجب أن تكون بذات الوضوح وهي أن كل المؤشرات والمعطيات وقرائن الأحوال ترجح نتيجة واحدة وهي الغياب التام لكل عناصر النجاح التي يمكن أن تدفعنا دفعاً إلى التفاؤل…
الأزمات الحالية التي سبقت الإشارة إليها هي بالطبع ليست وليدة اللحظة بل هي داء استعصى علاجه و(أعيا الطبيب المداويا) فشل النظام المخلوع في سنواته الأخيرة رغم ماتوفر له من ظروف فشل في وقف التدهور الإقتصادي ووضع حد لسعر الصرف والأسعار والغلاء ، والتضخم والإنفاق الحكومي،وجاءت حكومة حمدوك فأزداد الوضع سوءاً أكثر مما كان عليه أيام النظام المخلوع…
كل المعطيات أثبتت أن الطاقم الإقتصادي لحكومة الثورة ليس بأفضل حالاً من وزراء القطاع الإقتصادي في النظام المخلوع من حيث طريقة التفكير ومنهج المعالجات والإبتكارات والدليل على ذلك هو أن كل المعالجات فشلت في وقف التدهور الذي بلغ الآن مبلغاً لايطاق…
(3)
على الصعيد السياسي أيضاً بدا نهج (الإنقاذ) حاضراً في إختيار الوزراء والدستوريين من أعضاء حكومة الثورة حيث معايير الترضيات السياسية والمحاصصات والموازنات القبلية والجهوية، والصرف الكبير جداً على الأجهزة السيادية على نحو فاق الصرف على التعليم والصحة كما في الموازنة الحالية مما جعل الإنفاق الحكومي يفوق كل التصورات والتوقعات، فالوظيفة لاتزال هي مكافأة وثمناً يدفع لمن لايستحق ورشوة سياية تُقدم لأصحاب الصوت العالي المزعج…
وعليه وتأسيساً على النقاط أعلاه فإن إختيار الوزراء الجدد سيكون قائماً ومؤسساً على المحاصصات والترضيات وشراء الصمت وليس مبنياً على معايير الكفاءة والخبرة والتجارب، ولذلك لن أندهش إذا أتت المحاصصات بوزير مالية أو صحة من غابات التمرد كما فعلت (الإنقاذ) من قبل بدلاً عن خبير بارع في مجاله، ولن استغرب إذا وجدتُ ضمن التشكيلة ناشطاً سياسياً لايملك غير الحنجرة الغليظة ومهارة الكتابة في الأسافير…وبالمختصر المفيد فإن أية حكومة تأتي عن طريق المحاصصات والتوازنات والترضيات لن يكون لمعايير الكفاءة نصيب فيها، وبالتالي فإن أية حكومة لا يؤسس الإختيار فيها على الكفاءة فلن (تعُبر) ولن (تنتصر)… وعليه يجب ألا نسرف في التفاؤل حتى لا تغرق في مستنقعات الإحباط مرة أخرى، فالجواب يكفي عنوانه والمرشحين الذين سار بهم ركبان الأسافير والتسريبات ليس من بينهم كفاءات بل في رأيي هم أقل قامة من الذين سيخْلُفونهم، فماهم إلا خصوم تصالحوا على قسمة المناصب والموارد فيمابينهم باسم الوطن والشعب المسحوق تحت أقدامهم…على أية حال هي الفرصة الأخيرة أمام حمدوك ومجموعته وسننتظر ونرى هل «سنعُبر» أم «سنعتبر» – من العَبْرة – وإن بعد غدٍ لناظره قريب… اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version