عبد اللطيف البوني يكتب: شتاء بورتسودان

(1)
لم أسعد بزيارة بورتسودان الجميلة إلا مرتين، المرة الأولى كانت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، والمرة الثانية كانت على أيام محمد طاهر إيلا حيث دعانا اتحاد أصحاب العمل لمؤتمره السنوي الذي كان ينظمه بالتضامن مع ولاية البحر الأحمر في مهرجان السياحة والتسوق. ويومها كانت بورتسودان تعيش انتعاشا تجاريا وسياحيا حقيقيا إذ وصل مرحلة ان أهالي بورتسودان يؤجرون بيوتهم للسياح ويقيمون تلك الأيام في ريف المدينة تماما كما يفعل أهل مكة أيام الحج.وفي الجلسة الرئيسة من المؤتمر قدمت الولاية خارطتها الاستثمارية لرجال الأعمال وكانت خارطة شاملة لم تترك زراعة أو ثروة حيوانية او صناعة او تعديناً، ناهيك عن البحر ومخرجاته من ميناء وأسماك وشعب مرجانية وملح وسياحة.
(2)
عندما أتيحيت لي الفرصة في التعقيب على الخارطة الاستثمارية ابتدأت مداخلتي بالقول (ياجماعة انتو عاوزين تعملوا ليكم دولة وتنفصلوا مننا ولا شنو؟) الأمر الذي عرضني لغضبة مضرية من المسؤولين ولكنهم احتفظوا باحترامهم لحقوق الضيف، المهم في الامر فقد كان حديثي مرتكزا على أهمية الترتيب في الأولويات وعدم الانشرار حتى في الطموحات، وقلت ان الأولوية يجب ان تكون لتطوير الميناء ليتجاوز عطاؤها السودان الى اثيوبيا وتشاد والنيجر وافريقيا الوسطى وجنوب السودان، فالفرصة المتاحة لبورتسودان تجعلها أهم وأكبر وأخطر ميناء في البحر الأحمر ، وقلت إنني زرت الميناء قبل أكثر من عشرين عاما وزرتها امس ولم أحس فيها بالتطور الذي عم بقية المدينة ولخصت رأيي في ان هذه الميناء يمكن ان تدر ريعا خرافيا للولاية أولا ثم لكافة السودان يوظف في الزراعة وغيرها ناهيك عن قطاع الخدمات، واختتمت حديثي بالقول إن قولي يقع في باب التركيز التنموي وفي التنمية التي تخدم وحدة السودان بان تكون العلاقة بين أجزائه قائمة على الاعتماد المتبادل (mutual;dependency)
(3)
منذ ذلك التاريخ تلاطمت أمواج وأمواج بين ساحلي البحر الأحمر، فازدادت أهمية موانئه وقامت عليها أحداث سياسية وصلت مرحلة الحرب، وعلى الصعيد الداخلي كانت معركة الشركة الفلبينية والمتغيرات الإدارية الكثيرة التي مرت على الميناء والثابت الوحيد هو الجمود في ميناء بورتسودان وحالة القطيعة مع التطور الذي تشهده الموانئ العالمية لذلك أصدقكم القول إنني لم استغرب عندما علمت ان بعض رجال الأعمال قد هربوا الى مصوع والعين السخنة والسويس ببضائعهم وسلعهم. ولكنني صدمت عندما سمعت تصريح المسؤول المصري أنهم قد (وافقوا) على السماح للسودان باستخدام موانئهم، بالله ركزوا شوية على كلمة وافقوا دي فهي تشي على طلب رسمي مقدم من السودان وتشي بتفضلهم، وكأن السودان أصبح دولة مغلقة وليس له من ساحل البحر الأحمر نصيب. بالله مش حاجة تدمي القلب.
(4)
إن ما يحدث لميناء بورتسودان وفي ميناء بورتسودان يعكس الحالة المتردية التي وصلت إليها بلادنا. وهي لا تدخل في حالة عجز القادرين على التمام إنما في حالة الغافلين عما يحيط بهم والجاهلين بما في أيديهم. من الآخر كدا إن ما يحدث في بورتسودان تفاعل بين مخططات دولية وإقليمية ومحلية الهدف منه ليس جعل ميناء بورتسودان مرسى لمراكب الصيد، وإنما مسحها بالأرض وإقامة ميناء عالمي عليها ولمصلحة قوم آخرين. فانتبهوا يا أهل الشرق ويا أهل السودان ويا حمدوك أخطف رجلك الى بورتسودان ومعك شوية تكنوقراط وامضوا فيها كم يوم، فشتاء بورتسودان لا يوجد أجمل منه في السودان.

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version