تحقيقات وتقارير

في الخامس والعشرين من ديسمبر شموع الاحتفال بذكرى مولده تطفئها نيران الحزن المهدي حضور لا يعرف الغياب

الخامس والعشرون من ديسمبر تعود الذكرى وصاحبها غياب في ذكرى ميلاده الخامس والثمانين يرقد إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي عند قبره في قبة المهدي مات الصادق وكان ذلك كافياً لأن تطوى خيام (أفراح الشعب) التي تنصب في الملازمين في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر الميقات الذي يحتفي فيه أنصار الصادق بميلاد كبيرهم أكثر من مجرد ذكرى للتباهي الشخصي وتقديم الهدايا وجعل صاحبها أو صاحبتها محط الأنظار فهي نوع من الترف الاجتماعي الضار. ولكنها مناسبة لوقفة مع الذات من باب (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ومن باب تقديم كشف حساب ومساءلة فهي حميدة، فالنقد الذاتي أكبر وسيلة للبناء عرفها الإنسان هكذا كان ينظر الإمام لذكرى الاحتفال بميلاده محاولاً فيها الربط بين الخاص والعام بغية الوصول إلى نتيجة تفضي للاستقرار في بلاد ظل يمارس فيها العمل السياسي لأكثر من ستين عاماً قبل أن يسرج القدر خيل رحيله

1
بالأمس ، لم تنصب الخيمة المكتوب عليها (أفراح الشعب) في باحة المنزل المتسع لضيوفه، ولم تتراص السيارات أمام المنزل لحضور الاحتفال، ولم تأت الخطابات الممهورة بتوقيع مدير مكتب الإمام للصحفيين أن تعالوا لحضور الاحتفال، ولم يرتفع صوت المغني يصدح بنضالات الأنصار كما يفعل كل عام، لم يدخل الأنصار الدار تسبقهم أمنياتهم سيدي الإمام كل عام وأنت الخير لم يأت الأبناء والأحفاد ليحتلوا مكانهم في الخيمة لم يحدث أي من تلك الأشياء الراتبة، لأنه لا يمكن للمهدي أن يحتفي بعيد ميلاده الخامس والثمانين ااه لقد مات المهدي وتيتم الكثيرون بغيابه غاب الاحتفال ومعه صوت من كان ينتظره أنصاره على أحر من الجمر اكتفوا أمس بنيران غيابه الحراقة

2
في ذكرى الميلاد عند غياب المهدي يخبركم محمد لطيف الصحفي وهو يستدعي مجموعة من تفاصيل من كان قريباً من السيد بحكم مسؤوليته عن منتدى السياسة والصحافة الذي كان يقيمه الراحل أن بغياب الإمام انهد ركن من أركان الحكمة وفقد العالم شخصاً كان استثنائياً تجاوز كون أنه مجرد سوداني لممارسة الفعالية في الإقليم وبالطبع في العالم وأن أكثر من سيفقد الإمام هم الصحفيين ممن كان يهبهم الأخبار ويحرك راكد قضايا بلادهم لكن علاقة المهدي بالصحافة كانت تتجاوز طبيعة كونها علاقة بين مصدر أخبار وصحفي ناقل لن يرن الهاتف برقم محمد زكي مدير مكتب الراحل ليخبرك أن على الطرف الآخر السيد الصادق يريد أن يطمئن عليك بعد الاعتقال أو يبلغك مواساته أو يشاركك فرحتك بالهاتف واعتذاره عن الغياب ولا حزن أكبر من حزن البلاد على غياب إمامها الغائب الذي كان نسيج وحده فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية في بعدها السوداني

3
وجع نساء البلاد عظيم في فقدهم النساء اللاي اجتمعن أمس الأول هناك في قطية السيد وفي منزله في ذات المكان الذي طالما خرجت منه خطابات دعم مشروعهن نحو التحرر وعلي الطريقة السودانية يخضن معركتهن الآن من اجل الحصول على حقوقهن وقد فقدن (سندهن) الأكبر تقول في حديثها لليوم التالي الناشطة في مجال قضايا المرأة تهاني عباس لم يكن من رجل دعم النساء السودانيات أكثر مما فعل السيد الصادق الذي كان بمثابة الاب والصديق والداعم الأول من خلال ما يملكه من معرفة حقيقية بأوضاع السودانيين والسودانيات ومن خلال الوعي المتجاوز لدرجة أنه ما استعصت علينا قضية إلا ووجدنا عند أبو مريم الحل لها أبو مريم الذي كتب عن (سيداو) قبل أن يعرف بها الآخرون ناهيك من أن يناقشوها أنا هنا أتحدث بلسان كل السيدات السودانيات وليرحم الله السيد الصادق ويجزيه خيراً عن كل شعبه وحقاً على مثله يجب أن تبكي البواكي .

4
يحكي صديق القاضي أحد رجالات حزب الأمة المخلصين والمتمسكين بمبادئ الإمام عن التسامح ، الذي كان ديدن قدوته ومثله الأعلى وأستاذه الإمام الصادق ، قصة كان مسرحها سجن كوبر في تسعينات القرن الماضي حين كان المهدي والميرغني والترابي في الاعتقال وساعة صلاة تقدم الترابي لإمامة الصلاة مما ادى لاعتراض الأمير نقد الله قائلا إننا في السجن بسببه ولا يجب أن يصلي بنا من انقلب علينا وكادت الأمور تصل إلى طريق اللا عودة لكن إشارة من الصادق كانت كافية لأن يتراجع نقد الله وان يصطف الجميع خلف عراب الإنقاذ في الصلاة صورة أخرى تعبر عن روح التسامح لدى السيد صاحب المقولة أن من فش غبينتو خرب مدينته فلم يكن مستغربا ان يقف الإمام في الصف خلف من انقلب عليه فعل ذلك فقط لانه الصادق المهدي

5

الإمام القائل في رخر كلماته ومن على فراش الموت ( إن نفساً لم يشرق الحب فيها هي نفساً لم تدر معناها) ، قضى حياته يفرش لحاف المحبة حتى لمن يبادلونه العداء
كانت محبة الإمام تسع الجميع الأصدقاء والأعداء تأتيهم دون حساب وقد كان للجيل الجديد منها نصيب كبير ، الجيل الذي لم يكتف الإمام ساعتها ان يخاطبه عبر كتاب أيها الجيل، وإنما خاطبه عبر شكل مباشر ومن خلال الذين يحيطون به ويحيطهم هو برعاية الأب المربي والمعلم الذي كان يخبرنا بكل شيء ثم يترك لنا الحرية في اختيار الطريق بحسب ما تقول الشابة منى قرشي لليوم التالي وهي التي تعجز دموعها عن التوقف وهي تتساءل كيف بإمكاننا سد الفرقة ؟ وتردف الشابة أن المهدي كان لنا بمثابة الأب الصديق والقدوة الحسنة وأن غيابه سيحدث شرخاً كبيرا يصعب على كثيرين سده وهم العاجزون أيضاً عن ملء مساحات المحبة التي كان يشغلها الإمام وبالنسبة لكثيرين وكثيرات

 

6
ذهب السيد وما زال صدى (الصوت) يتردد في أماكن متعددة وفي تقاطعات مختلفة في شوارع عبر بها الأمدرماني أولاً والسوداني حد النهايات ابتداء من الذي بإمكانه أن يخنق تاريخا سياسيا عمره أكثر من ستين عاماً وهبها للبلاد واهلها من الذي يستطيع أن يمحي من تاريخ السودانيين الصفحة التي يسكنها إمامهم الذي كتب عليها بحبر قدراته الخاصة وبمعرفته وبحكمته وبتسامح كونه كبير البلد ؟

في الخامس والعشرين من ديسمبر للعام 1935 ولد الصادق المهدي في ذات التاريخ الذي يحتفي فيه أنصار المسيح بميلاد (المخلص) ويقول الراحل إن في الأمر حكمة تشبه مغزى الاحتفال من الإمام وأنصاره بذكرى ميلاده باعتبارها أكثر من مجرد ذكرى للتباهي الشخصي وتقديم الهدايا وجعل صاحبها أو صاحبتها محط الأنظار فهي نوع من الترف الاجتماعي الضار. ولكنها مناسبة لوقفة مع الذات من باب (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ومن باب تقديم كشف حساب ومساءلة فهي حميدة، فالنقد الذاتي أكبر وسيلة للبناء عرفها الإنسان.

7
كيف بإمكان أمدرمان ان تتعاطى مع واقعها اليومي و السيد والصادق غياب دع عنك أمدرمان الآن كيف سيكون حال كل البقاع في سودان الصادق وحكيمها قد اختطفه الموت ؟ كيف قضى من كانوا يشدون الرحال في الخامس والعشرين من ديسمبر إلى بيته ويجدون اللافتة وبقية تفاصيل السودانوية، لا شيء غير الحزن ، نعم بانتقال الرجل إلى الضفة الأخرى انطفاء قنديل من الوعي يحتاج إشعاله مائة عام من عمر الشعوب ، لكن السيد وقبل أن يحزم حقائب رحيله كان قد أشعل شموع استمراره سلفاً الشموع التي تؤكد على انه سيبقي رمزا لا يعرف الأفول وقمراً يضيء الدياجر كلما هبت على البلاد عتمة من الظلام ستفعل ما اعتادته ستولع نور الصادق وتهتف باسمه، سلاماً عليك في العالمين ، وصبراً يجعلنا نعبر فوق متاعب ومصاعب الطريق الذي يمكنك أن تقرأ في نهايته عبارة وقع عليها الراحل حميد كل البلاد ام در والمهدي حي ما مات.

الخرطوم : الزين عثمان

صحيفة : ( اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى