تحقيقات وتقارير

نائب اختصاصي: إذا وصفنا الوضع الصحي في السودان بـ(المُنهار) نكون قد ظلمنا الكلمة..!!

 

“صلاح” ضابط متقاعد بالقوات المسحلة، أبلى بلاءً حسناً في الزود عن وطنه، حتى لحظة احالته في بداية تسعينيات القرن الماضى، ومن ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الامريكية ليمكث بها قرابة الثلاثين عاماً، لكن سوء حظه جعله يعود إلى السودان قبل (موجة) الكورونا بأيام، فكان الفيروس له بالمرصاد وما زاد الطين بلة اصابته بداء السكري ولذا خلال أيام فقط تدهورت صحته بشكل مخيف، لتذهب به أسرته في إحدى الليالي إلى أكبر خمس مستشفيات بالعاصمة هي أم درمان التعليمي، الروضة (خاص)، علياء، الفيصل وفضيل. وأمام كل بوَّابة وقبل السؤال عن حالة المريض يتم رفض استقبال الحالة لتصعد روح (الجنرال) إلى بارئها داخل العربة وهي في طريقها للبحث عن مستشفى سادس.

 

وضع مُعقَّد
(هي في البئر وتلَّب فيها الفيل).. بحذافيره انطبق هذا المثل على النظام الصحي في السودان، والذي ظل خلال سنواتٍ طوال تحاصره حزمة من العراقيل والفساد وكل ما يعوق تطويره، وقبل أن يفيق من وهداته هذه، حاصرته (الكورونا) بكل تفاصيلها التي أرهقت (أعتى) النُّظم الصحية في العالم، لتكون المحصِّلة (71.6) مليون اصابة، و(1.6) مليون حالة وفاة.

 

وبحسب خبراء في المجال الصحي فإن الله العالِم بكل شيء كان رحيماً بالسودان، لأن وضع المستشفيات الحالي لا حول له ولا قوة بأبسط الأوبئة فما بالك بـ (كورونا)؟، ويؤكد أطباء تحدثوا لـ (السوداني) أن عدد الاصابات بالسودان لو وصل لعدد المصابين بالولايات المتحدة وهو أكثر من (10) ملايين اصابة، لما وجد الناس مقابر لدفن موتاهم.

 

مثال حي
وتقول دكتورة “رؤى محمد” – نائب اختصاصي لـ(السوداني) إن الوضعي الصحي بالسودان إذا وصفناه بـ(المُنهار) نكون قد ظلمنا الكلمة، لأنَّ الحاصل الآن بكل المستشفيات العامة والخاصة تخطَّى مرحلة الانهيار، واستدلَّت بأن الطبيب والمريض لا تتوفّر لكليهما أبسط المقوِّمات من تشخيص وأدوية وبيئة عمل، مشيرةً إلى أن وزارة الصحة هي المسؤول الأول عن كل ما يحدث بالنظام الصحي في السودان، وضربت د. رؤى مثلا بمستشفى ابراهيم مالك قائلة: ( هو أكبر مستشفى في العاصمة الآن وبالتالي في السودان بدليل أن معظم المُحوَّلين من الولايات يأتون اليه لكن مع ذلك لو طلب الطبيب فحوصات أولية للمريض لا يجدها بالمستشفى ويضطر لإجرائها في المعامل الخارجية).

 

الموت سمبلة
وإذا كان الوضع الصحي بعاصمة البلاد، يوصفُ بالسيء فمن باب أوْلَى أن يكون بالولايات البعيدة أكثر سوءاً، حيث يقول ” سليمان ابراهيم” – أحد الكودار الطبية بكسلا- لـ(السوداني): إنَّ الحال يغني عن السؤال في ما يلي النظام الصحي بالولايات، مما حتَّم على المستشفيات أن تنحصر مهمتها في تحويل المرضى إلى العاصمة الخرطوم، لأن المشافي هنا تفتقر لأبسط مقومات الاسعافات، وقال سليمان: أبسط دليل على ذلك المريض الذي راح ضحية مشكلة أخرى هي أزمة الوقود، فقد احتدم النقاش بين سائق (أتوس) وآخر هو الضحية يقود (تُكتُك)، حيث قُتل بنصلٍ استقر في احشائه بيد القاتل، وعند اسعاف المصاب إلى المستشفى لم يجد من يستقبله لعدم وجود كادر طبي لمثل هذه الحالات بطوارئ مستشفى كسلا التعليمي ففارق الحياة مأسوفا عليه، وشدَّد سليمان على تحميل المسؤولية كاملة لوزارة الصحة الولائية وقبلها الاتحادية لأن صحة المواطن تقع في آخر اهتماماتهما وكأنَّ الدولة قد أُوكلت لهما مهمة أخرى لا يعرفها الناس.

 

نسبة كبيرة جداً
دكتورة “رؤى محمد”، عادت لتؤكد أن الاضراب الذي دخل فيه نوَّاب الاختصاصيين، زاد المشهد إرباكاً ذلك لأنَّ النوَّاب يمثِّلون أكثر من (80%) من جُملة القوة العاملة بالمستشفيات، مؤكدة أن مطالب هؤلاء النواب عادلة جداً فهي تتمثل فقط في عنصرين هما: التسكين الوظيفي والتأمين الطبي. وأشارت إلى أن هؤلاء الاطباء رغم جائحة كورونا ظلوا يتفانون في أداء عملهم دون أن يسألوا عن توفير وسائل حماية أو مطالبة بزيادة أجر نظير عملهم في هذه الظروف المُعقَّدة، لكن حتى هذين المطلبين العادلين ضنَّت بهما الوزارة على (الجيش الأبيض)، وأضافت د. رؤى إن مبادرة نواب الاختصاصيين التي قام بها زملاؤها حمَّلت وزير الصحة مسؤولية أي خلل يحدث في المستشفيات وأنهم كنُوَّاب يخلون طرفهم تماما من أي مسؤولية أو أخطار تقع على المرضى بالمستشفيات.

 

صورة قاتمة
وفي ذات اتجاه تلك الأزمة التي تضرب القطاع الصحي الآن يؤكد دكتور “مصعب عوض” أن وزارة الصحة تتعامل مع (الموضوع) بكل استهتار دون أن تعي أن هناك مستشفيات بقلب العاصمة يقع عليها ضغط كبير جداً ظلت متأثرة بالإضراب بشكل كبير مثل مستشفى ابراهيم مالك بكل اقسامها جراحة، عظام وولادة، وكذلك مستشفى (الدايات) بأم درمان وغيرهما من المستشفيات.

وأكد د. مصعب أن ما يزيد الوضع تعقيدا هو تهديد النواب بعدم رفع الإضراب ما لم تستجب الوزارة لمطالبهم، ومشدداً على الوزارة الآن أمام مسئولية تاريخية خصوصاً وأن البلاد تحاصرها الآن جائحة كورونا بكل رُعبها، وأضاف أن مجلس التخصصات فشل في إيجاد أي حلول لهذه المشكلة، وبالتالي لا يستطيع إملاء أي ضغوط على النواب، وذلك لأنهم يدفعون على دائر المليم مبلغ (10) آلاف شهرياً كرسوم للتدريب.

 

نقاط على الحروف
وليس بعيداً عن حديث من شرحوا لـ(السوداني) ما يدور في القطاع الصحي من أصحاب الشأن، جاء تناول لجنة الأطباء المركزية، للقضية حيث أصدرت (مؤخراً) بياناً، نبَّهت فيه أولاً إلى تركة النظام السابق في قطاع الصحة والتي ظهرت في هجرة الأطباء والكفاءات العلمية وتدمير المستشفيات العامة، وخصخصة الخدمات الصحية، وغياب الخطط والدراسات الصحية، وأشارت كذلك إلى أنّ الوضع ساء أكثر نتيجة انتشار كورونا..

 

وشدَّدت اللجنة على الظروف القاسية التي يعاني منها الأطباء والكوادر الصحية، سواء في مشاكل السكن، أم المعيشة والترحيل وعدم صرف الاستحقاقات المالية لأشهر، مما أثر بصورة مباشرة على استقرار العمل في مراكز العزل وعيادات التشخيص وفي المستشفيات، وأدى ذلك بدوره إلى خروج عدد من المراكز عن تقديم خدماتها، مع إمكانية خروج مراكز عزل أكثر في ولاية الخرطوم، وخروج أغلب المستشفيات عن تقديم خدمات الطوارئ.. مؤكدة انه لا يتوفر في كلّ أنحاء السودان إلاّ ما بين ( 380 و400 ) اختصاصي تخدير..

 

وقالت اللجنة إنّ “كلّ ذلك حدث من دون أن نرى تحركاً ملموساً من الجهات الحكومية يوازي حجم الكارثة”، مُحمِّلةً المسؤولية كاملة للدولة لجهة أنّها تتحرك ببطء في ذلكم الملف رغم حساسيته البالغة.

 

بيننا والوزارة
أخيراً توجَّهنا إلى جهة الاختصاص (وزارة الصحة) بحُكم مسئوليتها التي أجمع عليها كل ما تحدثوا إلينا، أضف إلى ذلك بيان اللجنة المركزية، اتصلتُ أولاً بالوزير فتكرَّرت عبارة (هذا المشترك لا يمكن الوصول اليه حالياً). ثم انتقلتُ بعده إلى نائبه د. محجوب تاج السر لكنه لم يرد على اتصالاتي، فأرسلته له رساله توضَّح من أنا وماذا أُريد، لكنه تجاهلها أيضاً، كرَّرتُ الاتصال عليه فرفض المكالمة. لتبقى أسئلة كثيرة مُعلَّقة بين هاتفينا منها على سبيل المثال لا الحصر: ما هو تقييم الوزارة للوضع الصحي الحالي في السودان؟ وكم المستشفيات العاملة الآن، مقابل الخارجة عن الخدمة؟ وماذا عن الكادر الطبي؟ كم العدد المطلوب توفره؟ وكم الموجود منه؟ وما قولهم في شأن الدواء الذي لا يتم الشفاء إلا بموجوده وتناوله؟ وغير ذلك من الأسئلة التي ما زالنا نحتاج بشِدَّة للإجابة عليها وتقديمها للرأي العام.

تحقيق: ياسر الكُردي

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى