عبداللطيف البوني يكتب: افتح مدرسة

(1 )
أشدنا بوزارة التربية والتعليم إشادة مستحقة بمناسبة إنجازها الباهر المتمثل في تنفيذ امتحانات الشهادة الثانوية في هذا الظرف العصيب الذي تمر به بلادنا، وكانت الإشادة موصولة لوزارة التربية العاصمية التي سبق وان أنجزت امتحانات شهادة الأساس في ذات الظروف، ولكننا فجعنا في ذات الوزارة وهي تسل سيفها لمحاربة المدارس الخاصة وكأنها تحارب في مواخير او أوكار مجرمين . للمدرسة قدسيتها فإذا حادت عن الطريق يمكنك إغلاقها بأمر اداري لا بل يكفي إعلان عدم اعترافك بها لتسحب الاسر ابناءها وبناتها منها لكن ان تأتي بالشرطة وبالضبة والمفتاح ففي هذا تجاوز وشخصنة للقضية
(2 )
في دولة ضعيفة وفي مجتمع أضعف الأنسب ان تقوم الدولة بالعملية التعليمية ولعل هذا ما كان يحدث في السودان منذ نشأة التعليم الحديث فيه . اذ كانت الدولة تقوم بالعملية التعليمية بقدر طاقتها ولكن لما كان انتشار الوعى أسرع من امكانيات الدولة ظهرت المدارس المجتمعية (الأهلية) وهي مدارس غير ربحية تكفل الأهالي بقيامها، وكانت الدولة تساعدهم ووصلت المرحلة الجامعية (جامعة ام درمان الأهلية) وقد لعبت هذه المدارس دورا كبيرا في نشر التعليم ولكن للأسف هذه التجربة الرائعة لم تستمر إذ غزتنا توصيات الصندوق والبنك إياهم والقاضية برفع يد الدولة عن قطاع الخدمات وتركها للسوق فظهرت المدارس الربحية الخاصة خاصة في العاصمة ووصل اعتراف الدولة بها ان قررت أن تترك لها 60% من العملية التعليمية في مرحلة التعليم العام، أما في التعليم العالي فقد وصلت الخصخصة وبصورة تلقائية مراحل بعيدة ويتمثل ذلك في القبول الخاص في الجامعات الحكومية وفي الجامعات الخاصة.
(3 )
يمكننا بل يحسن بنا أن نغض الطرف مؤقتا عن الظرف القاسي الذي انتج المدارس الخاصة، فالاستثمار في قطاع الخدمات (تعليم وصحة ) ليس بدعة ولا يقوم به اي مستثمر بل يقوم به الذي قلبه على هذه الخدمة . ثم ثانيا هذه المدارس تلافت عجزا كبيرا حدث من الدولة لا بل وفرت للدولة جهدا ومالا . فهذه المدارس أعفت الدولة من تعليم أبناء القادرين .والأهم من كل ذلك ان بعض هذه المدارس كانت متطورة جدا في مناهجها وفي المهارات التي تعطيها لتلاميذها (مدارس خمسة نجوم) نعم في هذا عدم مساواة بين المواطنين ولكن كما يقول علماء الأصول ما لا يدرك كله لا يترك جله، فان كنا كدولة عاجزين عن إلحاق كل تلاميذنا بمناهج عصرية ووجدنا من يفعل ذلك فلنقبله لأن هؤلاء ايضا أبناء السودان وسيكون ثمرة مواكبتهم لكل السودان .
(4 )
بعد ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة ،ظهرت روح شعبوية تحارب التعليم الخاص والمستشفيات الخاصة وتنادي بان تقوم الدولة بهذه الخدمات ،وهذا جميل جدا ولكن (منين يا حسرة) فالدولة عاجزة عن توفير القوت وحتى الأمن في تلتلة فالعقل
والمنطق يقول طالما أن هناك جهات خاصة تقوم بهذه الخدمات فلنتركها لها وننتظر الى حين ان يقوى عود الدولة لتقوم بدورها فأي تطبيق لفكرة معلقة في الهواء في واقع لا يسعها سوف ينتج عن ذلك كارثة مهما كانت روعة هذه الفكرة ولعل هذا هو الحادث الآن في قطاع الصحة وسيظهر في التعليم اذا أصرت الوزارة على ركوب الراس . أقول قولي هذا وأنا من الجيل الذي تربى في ظلال المد الاشتراكي وسيادة القطاع العام وأتمنى من كل قلبي أن يرجع ذلك ولكن أن يحدث ذلك فدعوا المدارس تعمل .

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version