مزمل ابوالقاسم

مزمل أبو القاسم يكتب: وضع (عدم الإزعاج)!

* شكَّل إصلاح المنظومة العدلية هدفاً أساسياً من أهداف ثورة ديسمبر، سعياً إلى تنفيذ شعار (حرية سلام وعدالة)، بحراسة الحق العام من التعدي، ومحاربة الفساد، وإزالة كل مظاهر الظلم، والقضاء على سرطان الإفلات من العقاب.
* لبلوغ تلك الغاية بادرت الحكومة، ممثلةً في مجلسي السيادة والوزراء، بإقرار عدة قوانين، أهمها قانون مفوضية إصلاح المنظومة العدلية والحقوقية، وقانون التعديلات المتنوعة، المتعلق بحماية الحقوق والحريات الأساسية، كما أدخلت تعديلات مؤثرة على القانون الجنائي، وقوانين أخرى عديدة.

* كذلك نصت التعديلات أيضا على إلغاء سقوط «التقادم» في الجرائم الموجهة ضد الدولة، وجرائم الفساد والمال العام، والجرائم المستمرة، وألغت سلطة جهاز المخابرات العامة في استدعاء وتفتيش وحجز الأشخاص واعتقالهم.
* فهمنا من ذلك التوجه أن الدولة عازمة على بسط العدل، ومناهضة الظلم، ومحاربة الفساد، وراغبة في تحسين وتطوير البيئة الحقوقية والعدلية، فهل تحقق ذلك، أو تنزَّل بعضه إلى أرض الواقع بعد مرور عام على حكم حكومة الثورة؟
* الإجابة تتضح في شيوع مظاهر التعدي على المال العام، وفي تمدد الفساد الجديد داخل دواوين الدولة وفي قمة هرمها، وتتبدى في الاتهامات الخطيرة التي تبادلها وزير الطاقة السابق مع كبير مستشاري رئيس الوزراء، وتتسع لتتحدث عن نفسها بأبلغ لسان في ثنايا البيان الخطير، الذي أصدره نادي أعضاء النيابة قبل يومين من الآن.
* تكمن قوة تأثير ذلك البيان في أنه صدر من داخل حوش (النيابة)، ووجه اتهامات بالغة الخطورة للنائب العام، أدناها فشل كل لجان التحقيق التي كونها (وعددها أكثر من 40) في تقديم أي متهمٍ إلى المحاكمة، وأوسطها اتهامه بتسهيل هروب بعض المتهمين في قضايا الفساد والتعدي على المال إلى الخارج، والتلكؤ في تقديم قضايا قتل الشهداء إلى ساحات المحاكم، ووأد القضايا المرفوعة ضد بعض رموز النظام البائد.

* أما أخطر الاتهامات التي نسبها بيان أعضاء نادي النيابة للنائب العام فتتمثل في دمغه (بالجهل بالقانون وأبجديات العمل الجنائي)، والتعريض بتصريحه الذي ذكر فيه أن تسليم المتهمين إلى محكمة الجنايات الدولية يستلزم تعديل القانون الجنائي.
* لنا أن نتساءل أيضاً: كيف ستتمكن الدولة من تحقيق العدالة، وفرض هيبة القانون بنيابةٍ متشاكسةٍ، تفتقر إلى التناغم، ووكلاء نيابةٍ لا يثقون في كفاءة ونزاهة الشخص المكلف برئاستهم وإدارة شئونهم؟
* كتبنا مراراً عن العطب الذي أصاب أداء النيابة، والفساد الذي غزاها، وذكرنا أنها تحولت خلال العهد البائد من خصمٍ شريفٍ إلى معينٍ على الفساد، بفضائح يندى لها الجبين خجلاً، تم بموجبها تمكين غالب الفاسدين وكبار لصوص الحق العام من تجنب المحاكمة، بتسويات قبيحة، أُبرمت في النيابة، لتقنن مبدأ الإفلات من الحساب.

* عولنا على انصلاح حال النيابة في عهد الثورة، فإذا بها تتحول إلى ساحة صراعٍ بين وكلاء النيابة والنائب العام، وإذا بالفساد يتمدد أكثر، وإذا بمظاهر التعدي على أموال الدولة تتنوع وتتفشى، من دون أن تجد من يحاصرها ويضبط المتورطين فيها.
* لا ندري كيف سيتعامل النائب العام مع البيان الذي حوى اتهاماتٍ يشيب لهولها الولدان.. هل سيُقدم على مقاضاة أعضاء نادي النيابة سعياً منه إلى تبرئة نفسه، أم يخضعهم إلى محاسبة إدارية داخلية، أم يختار الصمت على ما لا يصح فيه الصمت بتاتاً؟
* في الغالب سينتقي الخيار الثالث، لتتواصل به ظاهرة السكوت الموجع على الاتهامات الخطيرة التي طالت بعض مسئولي الحكومة الحالية.
* لن تنطبق على السكوت مقولة (إن في الصمت حديث)، لأن اختيار (وضع عدم الإزعاج) يغذي الشكوك، ويدعم الاتهامات ويغذيها ويرسخها في نفوس العامة.
* لن نذكر أن البيان وضع النائب العام (في فتيل)، احتراماً منا لمنصبه ومقامه ومهامه، لكن مضطرون إلى ذكر حقيقة أنه بات في وضعٍ حرج، ومحكٍ صعب، بعد أن وضعه بيان نادي النياب في مقام (رئيس العصابة)، فماذا سيفعل؟.. إنا لمنتظرون.

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى