مزمل ابوالقاسم

مزمل أبوالقاسم يكتب: المظاهرات.. ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار..!!

أذكر أنني حذرت حكومة الإنقاذ كثيرا من صناعة الجوع؛ و طالبتها – قبل سقوطها – بعدم التهوين من المظاهرات؛ أنين الناس تحت وطأة الظروف المعيشية التي لاترحم ، فعلنا ذلك في العهد السابق وسنفعله اليوم، ليس حرصا علي أحد وإنما رأفة بهذا الوطن من مواجهة الضياع والقفز في لجة المجهول، لكن الإنقاذ لم تستبن النصح ف(حدث ما حدث).
في الرابع والعشرين من ديسمبر من العام 2018 كنت قد نشرت مقالا بعنوان ( هل يستبينوا النصح؟!) جر علي غضب قيادات إنقاذية متنفذة التقيتها في صيوان عزاء بمنزل الإمام الصادق المهدي في ذات اليوم، المقال موجود على الانترنت، انتهت الإنقاذ؛ ولعلها فهمت الآن ما كنا نعنيه حينما حذرناها من الاستهانة بمعاناة الناس، والصمت عن مكافحة الفساد، وطالبناها بأهمية مراقبة الأسواق رأفة بالمواطن وإعمالا لمسؤولية الدولة التاريخية والأخلاقية تجاه شعب ظل يمنحها الفرصة تلو الأخرى؛ أملا في الإصلاح وعشما في تصحيح أوضاع كان واضحا أنها ستمضي بالنظام الي حتفه .

في ذلكم الوقت ( نبهنا الى خطورة الوضع الاقتصادي وانعكاساته على حياة المواطن الذي أنهكه ارتفاع الأسعار، بينما تحتجز البنوك أمواله ولا يكاد يجد ما يسد به رمق أطفاله الصغار؛ في ظل تردي المرتبات، وتصاعد فواتير الحياة، ذكرناهم بالمقولة العادلة والخالدة ( عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج علي الناس شاهرا سيفه) ، مقولة ليست من باب التحريض بالطبع، وإنما تنبيها للحكام بأهمية إيلاء معاش الناس قدرا كافيا من الاهتمام.
سقطت الإنقاذ لأنها لم تواجه الواقع الاقتصادي بما يلزم من اجراءات تحفظ على الأقل هيبة الدولة التي تلاعب بها السماسرة، وهزمتها المضاربات والصمت على مظاهر الفساد ، قلنا إن التجار أخطر على الحكومة من الحركات المسلحة والأحزاب، وقد كان أن خرج الناس بعد أن بلغ السيل الزبى.
وسقطت الإنقاذ كذلك؛ لأنها كانت تنظر لحراك الشارع بازدراء، تهون من التظاهرات وتقلل من المواكب حتى كانت أول المصدقين لعدم تأثير الاحتجاجات والمواكب على بقائها في السلطة.
كنا ننبه الى ضرورة معالجة أسباب التظاهرات بدلا عن التعامل معها بالقبضة الأمنية، دعوناها كثيرا للاستجابة لشعارات الثورة في بداياتها حتى لا ترتفع الطموحات وتتطور من احتجاجات على سعر الرغيفة الى مطالبات برحيل الرئيس والنظام.

لايمكن التهوين بأي حال من حراك 21 اكتوبر والمواكب التي شهدتها العديد من المناطق بالخرطوم أمس، من يفعلون ذلك سيقعون في ذات الخطأ الذي رتب المشهد لنهاية حكومة الإنقاذ.. فالتقليل من الاحتجاجات والتظاهرات سلوك انتهجه المؤتمر الوطني من قبل حتى (وقعت الفاس في الراس)..
الءمر الغريب الملاحظ أن كل ما فعله النظام السابق لإحباط التظاهرات وقمعها، فعله القحاتة وبصورة أعنف.
على حكومة حمدوك الانتباه الى أن ما حدث أمس كسر سيطرة القحاتة علي المشهد، وأزال وهم امتلاك اليسار للشارع، كما أنه أوضح أن (بنج التغريدة الترامبية) لن يقوى علي تخدير الناس كثيرا ، إذ سرعان ما قل تأثيره بطريقة لم تمهل الحكومة الفترة الزمنية الكافية لإجراء العملية الجراحية.
لابد من الإشارة الى أن التظاهرات خرجت رغم قفل الكباري والمتاريس التي نصبتها السلطة، وأشارت – المظاهرات – الى أن معادلات الشارع بدأت تتغير..

لا أعتقد أن من خرجوا أمس محض ( كيزان مندسين)، هنالك مجموعات أخرى ضمن الحراك تأثرت بسياسات قحت أو تصادمت إجراءاتها مع قناعاتها ومواقفها الفكرية .. (مفصولون تعسفيا، وسلفيون، ومهنيون مكتوون بنار السياسات الخاطئة، كما أنه يوجد بين المتظاهرين الغاضبين سودانيين غير مؤدلجين دفع بهم الغلاء وحملتهم صعوبة الأوضاع المعيشية للخروج الى الشارع..
مازلنا نحذر رئيس الوزراء عبدالله حمدوك؛ من ثورة الجياع، على الحكومة الاعتراف بالأخطاء وعدم التهوين من الحراك والإقبال على تصحيح الأوضاع و تحقيق وفاق سياسي عريض ومخاطبة مشكلات الشارع قبل فوات الأوان..
نحذرها مثلما فعلنا مع الإنقاذ من التصدي العنيف للمظاهرات، ونذكرها بهدينا النبوي ( مايزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)، وندعوها الى التصدي للقضايا التي دفعت الناس للتظاهر بدلا من التعامل مع الاحتجاجات بالاجراءات العقابية الرادعة التي لن تقود إلا لمزيد من التصعيد والأزمات.
هنالك قضايا ملحة تقتضي حلولا سريعة، توجد أزمات في الوقود والخبز والغاز ، نعايش انقطاعا في الكهرباء والمياه، صعوبة في الأوضاع المعيشية وسيولة في أحوالنا الأمنية.
ذات الكلام كتبناه لحكومة البشير التي رحلت فسخروا منه وأهملوه ، قللوا من التظاهرات، وتصدوا لها بالحديد والنار ، ولم يجد ذلك نفعا، للأسف هذا عين مافعلته حكومة قوى الحرية والتغيير أمس، ف(المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد)، ولا عزاء للسودان، نعم ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار.

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى