تحقيقات وتقارير

السودان.. قصة خروج مبكر من “السباق الإفريقي”

قبل نحو ثلاثة أيام أعلن الاتحاد الإفريقي رسمياً قوائم مرشحي
الدول الأعضاء المتنافسين لشغل مناصب به. القائمة التي خلت من اسم أي مرشح سوداني، أثارت حالة من الاستياء. ففي الوقت الذي تحتاج فيه الخرطوم لمن يمثلها في المنظمات الإقليمية والدولية بعد ثورة راهن عليها الشعب كثيراً؛ لإحداث تغيير سنوات من الغياب السوداني الفاعل والمؤثر في المؤسسات الدولية والإقليمية، لكن بدا أن الخرطوم “المشتتة الذهن” وتصارع في جبهات داخلية عدة لم تتمكن من الوقوف بقوة خلف مرشحاتها اللائي غادرن باكراً حلبة المنافسة الإفريقية “لعدم استيفاء الشروط اللازمة المؤهلة للقائمة النهائية”!!. إذن ما الذي دار في أديس أبابا ولماذا فشلت مرشحات السودان في الدخول إلى المنظمة التي يعد السودان من أوائل مؤسسيها.
 مقعد أميرة !!
بعد نجاح ثورة ديسمبر وبدء عملية إعفاء قيادات النظام البائد من المواقع المهمة، تعالت الأصوات بضرورة تعيين بدلاء لكل من السفير كمال حسن علي الذي يشغل حتى الآن منصب مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، على الرغم من أن السودان حصل على هذا المنصب عبر “مقايضة” معلومة نظير دعمه مرشح مصر لمنصب أمين عام الجامعة “أحمد أبو الغيط” وهذا ما حدث، والبديل الآخر لمنصب مفوضية الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الإفريقي الذي تشغله القيادية بحزب المؤتمر الوطني المحلول “أميرة الفاضل”، وفعلياً بدات تحركات لسحب المقعد من تحت “أميرة وكمال” لكنها اصطدمت بـ”اللوائح والإجراءات الداخلية” لتلك المنظمات التي لا تسمح بعملية التبديل إلا بعد انتهاء أجل الدورة وأن يتم ذلك عبر الترشيح والمنافسة للحصول على المقعد، لكن ما بدا أمراً مخجلاً أن الجهات المعنية بأمر ترشيحات السودانيين للمناصب الخارجية وهي “وزارة الخارجية” لم تكلف نفسها إعداد وتجهيز “البدلاء” من ذلك الحين لهذه المناصب، إذ لا تكتفي أي دولة بدفع أوراق مرشحيها فقط بل تقود تحركات دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم له عبر اللوبيات داخل تلك المنظمات أو “الأقاليم” كما في حال الاتحاد الإفريقي وهو أمر متعارف عليه وقامت به الوزارة كثيراً، إذ إنها قادت حملة دبلوماسية إبان ترشيح “أميرة والسفير رحمة الله” لشغل مناصب بالاتحاد الإفريقي وإن خسر رحمة الله إلا أن السودان كسب مفوضية الشؤون الاجتماعية.
ترشيح مريب!
لغط كثيف صاحب موضوع مرشحات السودان لمفوضيتي “الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية والمفوضية الاقتصادية” وهما هالة ياسين الكارب وسعاد مصطفى الحاج، لكن السيدتين خسرتا مبكراً وغادرتا ملعب المنافسة وبذلك فقد السودان وجوده داخل واحدة من أهم المنظمات الإقليمية؛ ورغم إعلان الاتحاد أن استبعاد بعض المرشحين بسبب عدم استيفائهم الشروط المطلوبة إلا أن راويات عديدة تحدثت عن أسباب مغايرة لخروج “هالة الكارب”؛ وقالت إنه لم يكن بسبب عدم الكفاءة إذ إنها سيدة مشهود لها وتتمتع بخبرة كبيرة؛ وإنما بسبب شغل السودان لهذه المفوضية خلال الأربعة أعوام التي تنتهي العام المقبل، إذ إنه وفق خطاب موجه من السفارة السودانية بأديس أبابا إلى وزارة الخارجية بشأن طلب الاتحاد لتقديم مرشحيه للتنافس حول المفوضيات الـ (6) للاتحاد من بينها مفوضية الشؤون الاجتماعية لكن خطاب الاتحاد “نبه” الحكومة السودانية إلى أنه من “الصعب” أن يرشح السودان مرة أخرى لهذه المفوضية، رغم ذلك تقدم السودان بمرشحة لهذه المفوضية.
ما الذي حدث؟

دبلوماسي رفيع بالاتحاد الإفريقي فضل حجب هويته أن عملية التقديم لشغل المناصب في تلك المفوضيات من حق جميع الدول الأعضاء وفق الشروط المعلنة، على أن تكون الدول أيضاً ملتزمة بدفع رسوم الاشتراك المعروفة حتى لا يمنع البلد من حق التصويت والترشح، ووفقاً لذلك تقدم السودان بمرشحيه، ومن ثم تمت تحالفات وتفاهمات داخل “أقاليم” الاتحاد الإفريقي لدعم مرشح بعينه أو التنازل لمرشح دولة ما، وينوه إلى أن دولة تشاد مثلاً رشحت مجدداً رئيس مفوضية الشؤون السياسية الحالي “موسى فكي” للدورة القادمة؛ حيث لا يوجد منافس له؛ ما يعني أن انجمينا أجرت اتصالات وتفاهمات منذ وقت مبكر مع الدول لعدم الدفع بمنافس لمرشحها، ويشدد إلى أن هذا لا يعني فوزه بالتزكية وإنما ستجرى عملية اقتراع لترشحه للمنصب الذي يتطلب حصوله على ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الاتحاد طبقا لقوانين المنظمة الخاصة بإجراءات قواعد العملية الانتخابية، كما أن الخطاب لم يمنع بصورة قاطعة فقط وإنما أشار إلى “صعوبته”. وكان يمكن للسودان ألا يقدم مرشحاً لهذه المفوضية، وفي حال رشح كان عليه أن يقود تحركات واسعة وسط إقليمه لعدم الدفع بمنافس، أو أن يجري تفاهمات تحفظ لمرشحه الحصول على المنصب أو منصب آخر. ويردف “إذ كان هذا سبب خروج الكارب، ما الذي أفقد الخرطوم مرشحتها الأخرى؟”، ويمضي إلى أنه لا يستبعد بوجود تدخلات غير “حميدة” منعت السيدتين من المنافسة إضافة إلى عدم التحركات الدبلوماسية الفاعلة لحفظ نصيب السودان.

معايير صارمة

ويلفت ذات المصدر إلى وجود معايير صارمة لاختيار المرشحين تعتمد على تقييم مهارات وكفاءات المرشحين المختارين من قبل فريق رفيع المستوى حيث يتم تقييم المرشحين من خلال مراجعة أولية للطلبات والسير الذاتية، ويشير إلى أن الاتحاد يلزم جميع المرشحين لتقديم سيرة ذاتية، إلى جانب بيانات الرؤية التي تحدد كيف يعتزمون معالجة القضايا الأكثر إلحاحًا التي تواجه الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن إجراء تقييم على أساس المهارات والكفاءات وكل ذلك يتم عبر فريق رفيع المستوى من الإفريقيين البارزين (عن كل إقليم).

 

حضرت العاطفة وغابت الرؤية

السفير المخضرم الطريفي كرمنو أشار إلى أن واحدة من أسباب فشل مرشحي السودان للمناصب الدولية والإقليمية هو عدم إجراء ترتيبات وتفاهمات منذ وقت مبكر، ويشير إلى أمثلة عدة خسر السودان خلالها وجوده في تلك المنظمات، وينوه إلى ما حدث قبيل فترة في منظمة الصحة العالمية بسبب بسيط وهو عدم حشد الدعم وإجراء التفاهمات المهمة، ويلفت كرمنو إلى السرية التي تمت بها عملية الترشيح للسيدتين، ويقول إنه عادة يتم الإعلان عن المرشحين لمثل هذه المناصب في وسائل الإعلام المختلفة حتى يجدوا الدعم والمساندة من الجهات المختلفة في الداخل، على أن تجري الخارجية جولاتها الدبلوماسية لحشد الدعم كما يحدث وهو إجراء متعارف عليه ومعمول به وليس أمراً سرياً. ويضيف: الأهم من ذلك أن يرشح أهل “الكفاءات والخبرة” حتى يحظى السودان بتمثيل مشرف. ويمضي إلى أن الحكومة البائدة قادت جهوداً قوية لدعم مشرحيها وهما وكيل الخارجية السابق السفير رحمة الله لمنصب المفوضية السياسية، ولكن لأسباب متعلقة بوضع السودان وقتها ونزاعاته التي يتوسط فيها “الاتحاد”، أدى إلى أن يخسر السودان المنصب وليس لعدم استيفائه لشروط المنافسة، إذ أنه لاحقاً عين رئيساً لمكتب الاتحاد في الصين، وهو مكتب مهم جداً لأهمية الصين لدول الاتحاد الإفريقي وللقارة الإفريقية. ويمضي كرمنو إلى أن هذه الترشيحات غابت فيها الرؤية وبدأ وكأنها تمت على عجل لذلك خسر الوطن، وأي حديث آخر غير مبرر لأن من أبعد عن المنافسة يعني مباشرة أنه غير مؤهل وغير مستوفي الشروط.
من هي الكارب؟
لا توجد معلومات وفيرة بشأن مرشحتي السودان للاتحاد الإفريقي، وبحسب ما تحصلت عليه (السوداني) فإن الكارب كانت إحدى السيدات اللاتي ظهرن خلال الحملة الانتخابية للقيادي بالحركة الشعبية ياسر عرمان إبان ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية في العام2010، لاحقاً ظهرت “الكارب” كـ”مديرة” للمبادرة الإقليمية للقرن الإفريقي وتضم العديد من الدول في شرق إفريقيا، بينها “السودان، جنوب السودان، إريتريا، إثيوبيا، الصومال وجيبوتي”. وتتولى الكارب رئاسة تحرير دورية ثقافية أكاديمية تصدرها المبادرة بعنوان “المرأة في الإسلام”. تقول الكارب وفقا لحوار لها بموقع “اخبار الامم المتحدة” انها تسهم في دعم الناشطات والناشطين في طرح “خطاب مضاد للخطاب المبني على العنف والإقصاء والذي يسعى للحط من إنسانية النساء وتقنين العنف ضدهن” حسب تعبيرها.

الخرطوم : سوسن محجوب

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى