عبداللطيف البوني يكتب: التنمية الفريضة الغائبة

(1 )
من حق أي سوداني أن يبدي رأيه في اتفاقية سلام مؤيدا أو معارضا ولكن الاستقامة تقتضي ان يكون التأييد أو الاعتراض مبنيا على نصوص الاتفاقية.
فالاتفاقية مكتوبة بلغة واضحة لا لبس فيها ولاغموض ولغة تتحمل أي مدح أو قدح ولكن ان يذهب الناس الى ما وراء النصوص للشخوص الذين وقعوا الاتفاقية والنظر لجهة انتمائهم وإسناد بعض الذي يرونه تقصيرا لذلك الانتماء، فهذا تجاوز للنصوص ومحاكمة للنوايا وهو أمر غير مقبول . نشير هنا الى الذين قالوا إن ممثلي الحكومة الذين تفاوضوا مع الحركات هم ايضا أبناء دارفور أو الهامش (حميدتي والتعايشي وكباشي ) كان النقد سيكون مقبولا لو قيل ان مجلس السيادة تولى أمرا تنفيذيا من اختصاص مجلس الوزراء، وهنا ايضا كان سيظهر دكتور حمدوك وعمر منيس وهم من أبناء الهامش ايضا . المهم في الأمر ان الذين وقعوا الاتفاقية من جانب الحكومة هم حكام السودان ويفترض أنهم يعبرون عن الحكومة التي تعبر عن الشعب كله . ونذكر الناس هنا ان اتفاقية أديس ابابا 1972التي وقعها نظام مايو مع متمردي الجنوب يومها كان يقود وفد الحكومة مولانا أبيل الير وهو من قادة جنوب السودان ولكنه كان مرتديا قبعة الحكومة فجاء بأعظم اتفاقية في تاريخ السودان وعندما ابتعد أبيل الير أو أبعد (حدس ما حدس).

(2 )
ومع كل الذي تقدم لا يمكن تجريد اي مسؤول من انتمائه المناطقي أو الجهوي، وكذلك لابد من ان نعترف بأن السودان مثله مثل سائر بلدان العالم الثالث به هامش ومركز وأنه منذ استقلاله حتى يوم الناس هذا ظل أبناء المركز هم المتحكمين في الدولة السودانية (التعبانة ) وهذا راجع لظروف موضوعية وذاتية، أما الموضوعية فان التنمية غير المتوازنة التي اختطها الاستعمار لحاجة في نفسه ظلت هي السائدة وأن فقر البلاد وتخلفها جعل سياسة التركيز التنموي التي كان وما زال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يوصيان بها هي السائدة، أما من ناحية ذاتية فان أبناء الهامش أنفسهم اتجهوا للحلول الفردية خاصة الصفوة منهم كان همها هو الالتحاق بكتلة المركز كفرد او كأسرة فمن ناحية مناصب عليا دستورية ومدنية وعسكرية سوف نجد أن من تسنموها من أبناء الهامش لا حصر لهم ولكن اذا نظرنا ماذا قدموا للهامش الذي جاءوا منه سوف نجد النتيجة محبطة جدا (نفسي وأسرتي وعلى أوسع تقدير أقاربي ) ليظل الهامش مرتعا للاستغلال والجهل والبنادق.

(3 )
لعل المفارقة تكمن في أن موارد السودان الاقتصادية الحيوية كلها في هذا الهامش فأي منطقة هامشية في سودان اليوم لها قابلية ان تصبح أغنى بقعة فيه لو طالتها يد التحديث، ويمكن ان تكون مركزا يرنو إليه ليس أهل السودان فحسب، بل كل دول الإقليم بل العالم. للأسف الشديد ان اتفاقية سلام جوبا فصلت في التوظيف الميري بدرجة مدهشة وعممت بل أبهمت في التنمية والخدمات مما يشي بسيطرة الفكر الصفوي على الموقعين وليتها فصلت وقدمت التنمية على ما سواها لأن الطرق المعبدة والكهرباء والمطارات الجاهزة والمشاريع الزراعية والرعوية الحديثة يمكن ان تأتي بالمدرسة والجامعة والمستشفى ووظائف الميري، وليس العكس، ومع ذلك دعونا نأمل أن تكون الاتفاقية حلت مشكلة الصراع على السلطة ومكنت أبناء الهامش ليقدموا لنا تنمية متوازنة بدلا من سياسة التركيز التنموي ولمصلحة كل أهل السودان. باختصار شديد يمكن أن تكون مدخلا لسودان جديد، فمرحباً به.

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version