محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: محمد شريف مزمل.. حتى في هذا تسبقنا

(1)
أمس الجمعة ظننت اني عندما اغلق (الهاتف) واهجر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الاعلامية وابعد عنها سوف اسد ذرائع (الحزن)… ظننت اني سوف انتصر عليها بذلك.
استعصمت عن (الشجن) بتلك الوسيلة وحسبت اني بيني وبينه (عاصم) – طامعاً في (جمعة) لن اقول (سعيدة) ولكن (هادئة) تفصلني بعض الشيء عن صدمات الاخبار والتي اضحت في الفترة الاخيرة كلها يغلب عليها الحزن والوجع.
لكن مع ذلك الاستعصام – لم استعص على (الحزن) والزميل هيثم كابو يخبرني في مساء نفس اليوم عن رحيل الزميل الدكتور محمد شريف مزمل… وأنا عهدي بمحمد شريف انه كان يفيض حيوية ونشاطاً حتى الساعات الاولى من صباح اليوم الذي رحل فيه.
قد لا يعرف كثيرون (العلاقة) التي تجمعني مع محمد شريف مزمل بيننا دائماً كان قاسم مشترك، ونقاشات جادة يراقب كل من الاخر ويناصحه.
كان محمد شريف مزمل ذا (هلالية) تجعله يتواجد في كل مباريات الهلال ،حتى وان كان الهلال يلعب مباراة ودية مع احد اندية الدرجة الثانية…وما كنت اجد محمد غاضباً إلّا عندما يخسر الهلال.
علاقتي مع محمد شريف مزمل بدأت منذ ان كان طالباً في مرحلة الثانوي العالي يراسل صحيفة (نبض الكاريكاتير) عبر البريد بثنائية شهيرة مع شقيقته الاستاذة اماني شريف مزمل – كل منهما استطاع ان يضع بصمته الخاصة في مجاله، تميزت اماني شريف في صحافة (التوثيق) ونجحت في ذلك حتى اضحت الابرز في هذا المجال، بينما تميز محمد شريف في الصحافة (الساخرة) قبل ان يأتي للصحافة الفنية والثقافية ويتميز فيهما بشكل لافت وكبير.
(2)
محمد شريف كان يملك اكثر من رئة ربما لهذا ارهق جسده فهو يملك اكثر من روح وأكثر من جسد ويبدع في كل المجالات ويكتب من المنبع والمصدر مباشرة… ويتوزع بين المنتديات الثقافية والمناسبات الاجتماعية والرياضية ويتواجد في كل الاحداث.
كان محمد شريف مزمل يعود الى منزله بعد منتصف الليل بسبب مشاركاته في الليالي الثقافية والمنابر الاعلامية والفنية… قبل (الجوال) عرفنا محمد شريف بالصحفي (الجوال) الذي يكتب من (المصدر) مباشرة، من غير ناقل او وسيط.
يشارك محمد شريف كضيف ثابت في كثير من البرامج في الفضائيات والإذاعات السودانية ويملك رؤية ثاقبة للحديث في كل المواضيع– اضافة الى ذلك فقد عمل مع كل مهامه وارتباطاته ومشغولاته كمعد للكثير من البرامج في تلفزيون السودان القومي خاصة في برامج العيد والمناسبات الوطنية.
شغل محمد شريف مزمل منصب مدير المركز الاعلامي في الاذاعة والتلفزيون وكان مع اهمية المنصب ومع جهده الكبير الذي يصرفه فيه يشغل مناصب اخرى فقد شغل منصب رئيس القسم الثقافي في صحيفة (الصحافة) وقبل ذلك كان محمد شريف والاستاذ الاعلامي والدرامي خليفة حسن بلة يحرران اشهر الملفات الساخرة والتي كانت تصدر في كل يوم جمعة بعنوان ملف (ونسة) الساخر، وقد جاء محمد شريف ليرحل في نفس اليوم الذي كان ينتظر فيه الناس ملف (ونسة).
في جريدة الصحافة زاملت محمد شريف وسعدت برفقته في رئاسة الاستاذ عادل الباز لتحرير الصحيفة.
حاورنا عدداً من الشخصيات في تلك السنوات لعل اشهرها كان الاستاذ سيد احمد خليفة والأستاذ السر دوليب وعمر الجزلي وعمر الخضر عندما كان مديراً للمسرح القومي بام درمان، اما اطرف حواراتنا فقد كانت مع (درمة) والذي عسكرنا معه يوماً كاملاً في مقابر احمد شرفي، وان انسى لا انسى ان درمة كان يقول لنا (البجيني منكم اول ما بقصر معاه)– لم ادر حينها ان محمد شريف مزمل سوف يسبقني الى هناك ليدفن في نفس المقابر التي حاورنا فيها (درمة).
عمل كذلك محمد شريف في الفترة الاخيرة في صحيفة (المجهر السياسي) وكان في كل الصحف التي يعمل فيها يضع بصمة واضحة.
محمد شريف كان يسعدنا في كل (سباقاته) الصحفية… يفرحني منه انه كان يسبقني ويتقدمنا في الخبر الصحفي وفي الحوار الصحفي وفي المبادرات الخيرية والمشاركات الاعلامية الرفيعة– وكنا نحسب منه ذلك انتصاراً للصحافة الفنية والثقافية وانتصاراً لنا كافة، لم يوجعني محمد شريف في (سباق) إلّا عندما سبقنا ايضاً الى الرفيق الاعلى ورحل في افضل الايام بعد ان كانت اخر مشاركاته وأحاديثه عن المصطفى عليه الصلاة والسلام.
محمد شريف رحل في يوم كان يقدم فيه للناس افضل اعماله الصحفية (ملف ونسة) واحسب ان محمد شريف سوف تقبل منه افضل الاعمال بإذن الله وهو يرحل في يوم الجمعة نفسه ويقبر فيه ليكون بين يدي المولى عز وجل في افضل الايام وابركها.
محمد شريف كان كتلة من الخير والعطاء والنقاء– دواخله البيضاء جعلته يرسم على وجهه ابتسامة دائمة لا تفارقه– اذ لا تجد محمد شريف وهو بتلك الابتسامة المضيئة إلّا في احدى الحالتين اما قادم من ندوة ثقافية او ذاهب الى مناسبة اجتماعية.
محمد شريف تقدمنا ايضاً في انه كسر انغلاقنا الاعلامي– هو صحفي (عالمي) يشارك في ندوات ومهرجانات عالمية. شارك محمد شريف في مناسبات عالمية وسافر الى دول اوروبية وعربية وافريقية واسيوية كثيرة محملاً بمشروعه الاعلامي الكبير.
(3)
اللهم إنا نشهد له بأنه كان انقى الناس وأطهرهم، وكان لا يحمل في قلبه غير الخير للناس كلهم – كان مهموماً بذلك.. يحب الخير للجميع حتى كتاباته الفنية والساخرة كانت (لطيفة) لا تحمل (قسوة) او (تجريحاً) لأحد او اساءة له مثلما يفعل اهل الصحافة في هذا المجال.
نحن قد تفلت كتاباتنا احياناً وتخرج عن النص– محمد شريف كان لا يخرج عن النص.
اللهم تقبل عبدك محمد شريف قبولاً حسناً فقد كان لطيفاً وطيباً وودوداً لا يضمر شراً لأحد ولا يعرف غير الاجتهاد والكد في عمله.
نسأل الله له الثبات – ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى