حوارات

الدكتور جبريل إبراهيم محمد: الاتفاق سيفضي إلى إعادة ترتيب أوراق الحكومة من جديد!!

 

لا يكاد جدول أعمال قادة حركات الكفاح المسلح يسمح بلقاءهم، يخرجون من اجتماع ليدخلون في آخر، مرة مع وفود الحكومة وأخرى مع ممثلين لمختلف الدول وشرائح المجتمع، ظلوا على هذا الحال قبل وبعد الاحتفال المهيب بتحقيق السلام الذي احتضنته مدينة جوبا، وبصعوبة جداً استطعنا أن نحصل على إفادات مهمة جداً من الدكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، حول الآثار السياسية الخارجية والداخلية لاتفاف السلام الذي توصلت إليه الأطراف في جوبا، وقطع الدكتور جبريل في حواره مع “الجريدة” بحدوث تغييرات كبرى في التركيبة السياسية والحكومية في البلاد، وأن هناك أوضاعاً جديدة ستشهدها البلاد بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فإلى مضابط الحوار.

 

* بدايةً، هناك حضور إفريقي عالي المستوى، ثم حضور عربي أقل منه، وحضور ضعيف في التمثيل الأوروبي والأمريكي، ماذا يعني ذلك ؟
– أولاً، في العادة ،الغربيون لا يحضرون على مستوى الرؤساء في أي اتفاق، وإذا راجعنا اتفاقيات السلام الموقعة سابقاً، نجد أن غالب الذين حضروها من الغربيين كانوا على مستوى المبعوثين، صحيح أن نيفاشا حضرها بعض وزراء الخارجية، وأعتقد أن الحضور في جوبا كان كبيراً، هناك ممثل للاتحاد الأوروبي، ممثل كبير على مستوى قيادة الاتحاد الأوروبي، وهناك ممثل للرئيس الأمريكي، ومن ثم المبعوثين الفرنسي والألماني، هناك حضور قوي لأوروبا وأميريكا، بالإضافة إلى الحضور العربي والأفريقي. الاتفاق كان مشهوداً بمستوى لم يكن يتوقع الناس أن يصل لهذا المستوى، بدأنا المفاوضات وكان هناك شكوك كبيرة من جانب المجتمع الاقليمي والدولي في أن تفضي المفاوضات لاتفاق سلام، وعندما تحقق السلام تدافع الناس للوقوف معه ودعمه، حتى الأمين العام للأمم المتحدة بعث رسالة مسجلة لمخاطبة الاحتفال، وكل الأطراف كانت موجودة وخاطبت الاحتفال.

 

* ماذا يعني ذلك على مستوى علاقات السودان الخارجية، خاصة وأن هناك اضطراب في العلاقات، هل يشير هذا الحضور إلى اتجاه معين ؟
– نحن معولين بدرجة كبيرة على اتفاق السلام لفك الحصار في العلاقات الخارجية على السودان، وأن يكون نقطة البداية لتحسين علاقات السودان الخارجية، سواء كان مع المحيط الاقليمي أو الدولي، وسيكون الاتفاق سبباً لرفع العقوبات المفروضة على السودان، وعاملاً أساسياً في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وسيفتح آفاقاً جديدة، والذين وقعوا الاتفاق أنفسهم لديهم علاقات إقليمية أو دولية ستساهم في تحسين علاقات السودان الخارجية.

* البعض يشكك في أن يحقق الاتفاق ما ذكرته، بل يرون أن الاتفاق سيهدد الوحدة الوطنية، مثلما ذهب الحزب الشيوعي وغيره، كيف تردون؟
– الاتفاق ليس فيه ما يهدد الوحدة الوطنية، بالعكس، هذا أول اتفاق يُوقع في السودان من قبل كل أطراف السودان، شارك فيه الأهل من أقصى شمال السودان، وأهل الشرق والوسط والنيل الازرق وكردفان وأهل دارفور، ولا يوجد اتفاق وحد الناس مثلما فعل هذا الاتفاق، وبالتالي أي حديث من أي جهة بأن هذا الاتفاق يؤدي إلى انفراط وحدة البلد أعتقد أنه قراءة خاطئة، وبالعكس، الحزب الشيوعي يدعم من يدعو إلى تقرير مصير جزء من السودان، الذين يدّعون مثل هذا الإدّعاء هم الذين يدعون إلى فصل جزء من السودان وليس هذا الاتفاق، الاتفاق يدعو إلى وحدة السودان، ولو تم تنفيذه بصورة جادة وهذا ما نأمله ونعمل من أجله، سيكون المعارضين له مجبرين _لأن الشعب لن يقف معهم سيقف مع الاتفاق_ وسيضطرون اضطراراً للحاق بهذا الاتفاق.

 

*هناك إدعاء بأن الذين يعارضون الاتفاق يخشون من منافسيين سياسيين قادمين، هل هذا الإدعاء صحيح ؟
– بالتأكيد، هؤلاء يعرفون وزنهم السياسي الحقيقي، كل الذين يعارضون الاتفاق لو ذهبنا إلى صناديق الاقتراع لن يحصلوا على خمسة مقاعد في برلمان السودان، وبالتالي هم الآن يحكمون السودان من الناحية العملية بالاختطاف الذي حدث بعد الثورة، وغنموا غنائم سياسية كبيرة جداً، ولا يريدون أن يفقدوا هذه الغنائم أو يقتسموها مع أحد، ولذلك يعارضون أن يأتي للسلطة أي شخص من أي جهة، لكن هذا لن يستمر طويلاً، هذه الأنانية السياسية مضرة جداً بالتنظيمات نفسها قبل أن تضر بالسودان وبالآخرين.

* ما أثر هذا الاتفاق على التركيبة السياسية للحكومة بعد ذهابكم للداخل؟
– نحن نعتقد أن الحاضنة السياسية والتركيبة السياسية كلها ستتغير، الاتفاق سيفضي إلى إعادة ترتيب أوراق الحكومة من جديد، وسيؤدي إلى إعادة تشكيل الحاضنة السياسية للحكومة تماماً.

* مقاطعاً.. لصالح منْ ؟
– لصالح السودان وفي النهاية لصالح الشعب، لن يكون لصالح حزب من الأحزاب، وبالتأكيد الذين استأثروا بالسلطة الآن، سيجدون أن نصيهم من الأمر انتقص كثيراً، ولذلك يعارضون هذا الاتفاق ونحن نفهم هذا جيداً ..
+ أقررتم في الاتفاق الحكم الاقليمي، وهناك أشكال قائمة وقوانين مطروحة للحكم الاتحادي، هل ستتغير كل هذه القوانين والأشكال ؟
– بالتأكيد، نحن سنبدأ التغيير من الوثيقة الدستورية نفسها، والآن ستتم مراجعتها ومعالجتها وتعديلها بصورة تستوعب الاتفاق وتعالج العيوب الموجودة فيها، وإذا كنّا سنعدل الدستور بالتأكيد سنعدل أي قانون أدنى مرتبة من الوثيقة الدستورية.

 

* الحكم الاقليمي الذي قررتموه، سيكون في كل السودان أم في دارفور فقط ؟
– الحكم الاقليمي سيعود لكل السودان..

 

* مباشرة بعد الاتفاق أم بعد بعد مؤتمر الحكم؟
– مباشرة، خلال شهر ستعلن الحكومة الانتقالية عن أن السودان عاد إلى نظام الحكم الاقليمي، ثم بعد ذلك سيعقد مؤتمر للحكم خلال ستة أشهر، تتحدد فيه السلطات والصلاحيات الممنوحة على مستوى الاقليم أو المستويات الأدنى منه وعلاقة السلطات الأفقية أو الرأسية..

* هناك من يرى بأنكم داعمون وقريبون للعسكر، وتحديداً أقرب لنائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول حميدتي في تصوركم للمشهد، وذلك بهدف السيطرة على السودان، وهذا قد يهدد التحول الديموقراطي ؟
– نحن لسنا أقرب إلى طرف ولا أبعد عن طرف، نحن أقرب إلى الشعب السوداني، نحن مع الديموقراطية تماماً، نريد استقرار الفترة الانتقالية وأن يرتب أهل السودان حالهم، ويصلوا إلى صناديق الاقتراع وينتخبوا من يشاؤون، ونسلم السلطة للحكومة المنتخبة، إذا كان هذا ما يريده العسكر واتفقوا معنا في الرأي، هذا لا يضر، وإذا كان هذا ما يريده المدنيون واتفقوا معنا في الرأي فمرحباً بذلك، لكن لسنا تبع العسكر ولا المدنيين، نحن تبع رأينا وإرادة شعبنا ونريد حكم مدني..

 

* لكن بتعديلكم للمادة عشرين في الوثيقة الدستورية يبدو وكأنكم تريدون البقاء في السلطة حتى بعد تنفيذ الاتفاق، تريدون المشاركة الآن وكذلك تشاركون في الانتخابات ؟
– المادة عشرين لا تقول ذلك ..

 

* مقاطعاً … أعني أنها تحرم من يشاركون في السلطة الآن من الترشح في الانتخابات ؟
– الشعب السوداني هو الذي ينتخب الناس بعد الفترة الانتقالية، كل الذي طلبناه أن الذين حُرموا من ممارسة السياسة لعشرين عاماً وكانوا خارج الحدود، عادوا ولم يتعرف عليهم الشعب، فقلنا أنه من حق هؤلاء أن يكونوا جزء من السلطة الآن، ويرشحوا أنفسهم في الانتخابات القادمة، مجرد ترشيح، لا يفرضون أنفسهم على أحد، ولكن يترشحون، إن اختارهم الشعب فهذا ما يريده الشعب.

 

*لكنهم سيستفيدون من وجودهم في المناصب أكثر من منافسيهم ؟
– أبداً، الرئيس الامريكي موجود في منصبه وهو مرشح لرئاسة الجمهورية، الدنيا كلها هكذا، وفي الاتفاق اشترطنا أن الذي يريد أن يترشح لمنصب سيادي في الدولة، يستقيل من منصبه قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات، وهذا الأمر طبيعي، وكل الحكام في العالم يترشحون وهم في مواقعهم في السلطة.

 

* نعود إلى ملف العلاقات الخارجية، ذكرت أن أطراف السلام لديها علاقات خارجية، هناك اتهام لكم بأنكم تميلون إلى المحور القطري أكثر من المحاور الأخرى؟
– نحن ضد المحاور من حيث المبدأ، نعتقد أن السودان يجب أن يكون حر في قراره ، وإذا كان لديه مصلحة مع قطر يذهب معها، وإذا كانت مصلحته مع الامارات يذهب مع الامارات، وإذا وجد مصلحته مع أي دولة يذهب تجاهها، ويفترض أن لا يبني السودان علاقاته مع أي طرف خصماً على علاقته مع الطرف الآخر، ويجب أن نشترط على الجهة المحددة أن مصلحتنا كذا، إذا أرادت نذهب معها، وأن لا تملي علينا قطع علاقتنا مع جهة محددة حتى تتعامل معنا.

 

* بوصفك اقتصادي، السودان يمر بأزمة اقتصادية، أي وصفة عليه أن ينتهجها حتى يخرج من أزمته الاقتصادية ؟
– أنا أعتقد أن السودان الآن في أمسّ الحاجة إلى توجيه كل ما يحصل عليه من موارد، سواء كان من الداخل أو من الخارج للاستثمار في القطاعات المنتجة المجزية، في التعدين وفي الزراعة والثروة الحيوانية، وخلال وقت وجيز لو وجهنا الموارد توجيهاً صحيحاً نستطيع أن نعبر. الاعتماد على الخارج لا يصلح الاقتصاد، وحقيقة نحتاج نحن كسودانيين أن نجد وسيلة للاعتماد على مواردنا في الداخل، ونحتاج أيضا أن نعتمد على السودانيين الذين يملكون أموالاً طائلة في الخارج، سواءً كانوا مغتربين أو رجال أعمال، فقط نريد أن نزيح اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، لأن هذه القائمة تمنع السودانيين الذين يملكون أموالاً في الخارج من تحويلها واستثمارها في السودان..

 

* هنالك من يربط هذا الأمر بتطبيع العلاقة مع اسرائيل ؟
– هذا الربط مضر ضرراً بليغاً، ونحن تناقشنا مع المبعوث الامريكي قبل يومين وهو لم يربط رفع اسم السودان بالعلاقة مع اسرائيل، ربما لو حدث أي شكل من أشكال التطبيع مع اسرائيل سيسرّعون في الأمر، لكن الكلام الذي سمعناه منه، هو أنهم فقط يريدون المبالغ التي تم الاتفاق عليها لتعويض المتضررين من حادثة المدمرة كول وسفارتي دار السلام ونيروبي، وإذا وضعت هذه الأموال في حساب خاص، فإنهم على استعداد في وزارة الخارجية للتوصية برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، بعد ذلك القرار قرار الرئيس الأمريكي.

 

*هناك تعقيدات اجتماعية على الأرض في دارفور، والبعض يرى أن التركيبة التي جاءت بالسلام قد لا يتحقق حولها إجماع شعبي وقد تتولد احتكاكات مرة أخرى، كيف ترى الأمر ؟
– أول شيء يجب أن ينظر الناس لهذا الاتفاق ليس من زاوية من وقع عليه، ولكن ماذا يجني الشعب من هذا الاتفاق، هل قضاياهم خوطبت بطريقة صحيحة وعادلة، سواء كان جذور المشكلة السودانية أو آثار الحرب، لو خوطبت بطريقة صحيحة والمعالجات التي أوجدت معالجات عادلة تشمل كل الشعب السوداني، يجب علينا جميعاً أن نقف وراء الاتفاق وننفذه، والمواطن سيجد حقه، ستكون المشكلة بعد ذلك أين يكون القيادات، هذه ليست القضية الأساسية، القضية الأساسية هل المواطن سيجد حقه أم لا، ونعتقد أن هذا الاتفاق سيأتي كل مواطن حقه.

 

* لكن الناس يريدون تمثيل أنفسهم كذلك ضمن التوزيع العادل ؟
– نحن عندما نقول أن الخدمة المدنية لأبناء دارفور بنسبة كذا، لم نقل أن ذلك لأبناء هذه القبيلة أو تلك، الكل عنده الحق بكفاءته، يأتي وينافس في الفرص المتاحة له، وكذلك سيدخل الجيش، ليس بقبيلته، بل بنسبته سيدخل الكلية الحربية وهكذا، المشاركة مفتوحة للجميع والحقوق هذه لكل أهل البلد وليست للقيادات.

 

* هل نستطيع أن نقول أن الاتفاق سينهي الصراعات الاجتماعية ؟
– أعتقد ذلك، لو استطعنا توفير المدخلات الأساسية واستحقاقات السلام، ونفذنا هذا الاتفاق ، سيرضى به الشعب كله.

حوار: حافظ كبير

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى