تحقيقات وتقارير

عملية الطفلة “روان”.. حكاية (قلب) على وَشَك التوقُّف بسبب رسوم!!

يُمكن للمرءِ أن يستغنى عن أشياء تُحسب من الرفاهيات أو الكماليات من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ، بل إنَّ كثيراً من أبناء الشعب السوداني (الفَضَل)؛ مزَّق حتى فاتورة العلاج عندما يرتبط المرض بـ(الكبار)، لكن يبقى (الامتحان) العسير جداً هو مرض (الأطفال)؛ الذين لا حول لهم ولا قوة، وهنا فقط لا يكون أمام الأُسر خيار سوى علاج فلذات الأكباد حتى لو استدعى الأمر أن تدفع تلك الأُسر (دم قلبها).. وهذا بالضبط ما فعلته أسرة الطفلة “روان عادل أحمد” – ذات سبعة أشهر – والتي جاءت إلى (الدُّنيا) في التاسع من مارس الماضي تعاني من ثُقب في القلب.. تفاصيل (قصَّة) روان تؤكد بما لا يدع مجالاً للشكِّ أن فوضى (الأسعار) التي اجتاحت (الأسواق) قد دخلت تماماً (ميس) العلاج، أما الأدلة والبراهين فتجدونها بين السطور القادمة..

 

زيادة فلكية
لكيما تتمسَّك الصغيرة “روان” بـ(طوق) حياة أصبحت كلها كَبَد وعَنَت وجهاد؛ ظلت أسرتها تتنقل بها من مستشفى لآخر وانتهى بها المطاف بقرار من الطبيب بإجراء عملية قلب مفتوح عاجلة في الثالث والعشرين من أغسطس المنصرم.

يقول والدها عادل أحمد لـ (السوداني) إن العملية في ذات التوقيت قدرت بمبلغ (406) آلاف جنيه بمستوصف المودة الطبي تعسر عن دفعها في الحال لإكتمال إجراءات العملية وأصبح في دوامة بحث متواصل لإنقاذ فلذة كبده حتى أكمل المبلغ في ظرف (20) يوماً حينها ذهب على جناح السرعة لتوريد المبلغ إلى خزينة المستشفى، ويرى في مخيلته ضحكات صغيرته تلاعبه معافاة، ليتلقى الرد الصادم من موظف الحسابات بارتفاع مبلغ العملية في ظرف العشرين يوماً إلى (716) ألفاً بدلاً عن (406) بحجة ارتفاع أسعار الدولار، حال روان هو لسان حال السواد الأعظم من المرضى الذين حرمهم الدولار من عودتهم للحياة ومعانقة ذويهم. (السوداني) استنطقت عدداً من جهات الاختصاص وخرجت بالحصيلة التالية.

 

رحلة عذاب:
يؤكد عادل أنه ظل في دوامة بحث عن مستشفى يأويهم منذ إبريل فبدأوا بمستشفى الشرطة الذي حوَّلهم إلى مركز السودان للقلب وبعد قبوعهم لمدة شهر به ساءت حالة الطفلة من تعاطي العقاقير التي لم تجد نفعاً بعدما اعتذر المركز عن إجراء عمليات للأطفال بحجة عدم وجود جرّاح أطفال ليتم تحويلهم مرة أخرى إلى مستشفى أحمد قاسم ومقابلة جراح الأطفال الأوحد د. مُرتضى إبراهيم الذي قرر إجراء عملية (قلب مفتوح) عاجلة بمستشفى أحمد قاسم نفسه لكن الطامة الكبرى هي اعتذر المستشفى عن إجراء العملية لعدة أسباب أولها تعطُّل الجهاز إضافة لامتلاء الجدول وأن لديهم كشوفات عمليات لمرضى منذ العام (2017) لم يتم إجراؤها لذلك كل مافعلوه هو تسجيل أرقامنا لديهم مؤكدين بأنهم سوف يقومون بالاتصال علينا متى مافرغ جدول العمليات. ونوه عادل أن تراجع صحة ابنته جعله يبحث عن مخرج لها في أبواب المستشفيات الخاصة عبر مستوصف المودة والذي التزم بإجراء العملية فوراً مشترطاً دفع مبلغ (406) آلاف جنيه، مشيراً إلى أنه بعد جهد وكد ومساهمات من عدة جهات تحصل على جمع المبلغ وذهب إلى المستشفى لسداده تفاجأ بارتفاعه إلى (716) ألف جنيه وأن عجزه بلغ (310) آلاف جنيه وأن المستشفى تحجج بزيادة أسعار الدولار. وكشف عن أن المستشفى أفادهم بأن الفاتورة الأولى غير معتمدة وأن صلاحية الفاتورة أصبحت مدتها (48) ساعة فقط، وطالب من الجهات المختصة بالنظر للمواطن البسيط الذي لا يملك قوت يومه ناهيك عن فاتورة علاج يعبث بها الدولار حيثما شاء وتمدد سوق الدولار إلى أرواح المرضى وعنابر عمليات المستشفيات.

 

فواتير دولارية
ذهبنا مباشرة إلى مستشفى مودة الطبي، حيث المدير الطبي أجاك جونسون فقالت لـ (السوداني) إن زيادة فواتير العمليات ارتبطت بزيادة أسعار الدولار في السوق الموازي، وكشفت جونسون أن مدخلات العمليات ليست موجودة بالمستشفيات وإنما يتم جلبها من شركات المعدات الطبية التي تبيع للمستشفيات بما يعادل سعر الدولار بالسوق الموازي، ونوهت إلى أن موظفي الحسابات بالمستشفيات عندما يأتي مريض لإجراء عملية ما أولاً يقومون بالاتصال على شركات المعدات وتجار الدولار لمعرفة سعر اليوم ثم بعد ذلك يشرعون في تحرير الفاتورة التي فترة صلاحيتها يوماً واحداً فقط للسداد وفي حين عدمه يجب عليك تحرير واحدة أخرى بسعر يوم السداد، مشيرة إلى أن قصة روان وعملية القلب المفتوح بدأت بمبلغ (200) ألف جنيه وظلت تتزايد قيمتها كلما زاد الدولار حتى وصلت إلى (716) ألف جنيه، لافتة إلى أن الزيادة في الرسوم ليس من المستشفيات للكسب المادي بل من شركات المعدات الطبية التي تستجلبها بالدولار.

 

إحتكار أصناف
مدير شركة النافورة للمعدات الطبية محمود محمد الحسن أكد لـ (السوداني) أن سبب زيادة أسعار المعدات الطبية للعمليات هو تذبذب الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية الأمر الذي أربك الشركات وأدى إلى عدم وضع تسعيرة تتماشى مع زيادة الدولار وتوقف بعضها عن البيع واتجاه بعضها للبيع بزيادة عن سعر الدولار في السوق الموازي كاحتياطي تحسباً لارتفاع الدولار وتآكُل رؤوس أموالها، وقال الحسن إن غالبية شركات المعدات الطبية تغطي حاجة استيرادها للمعدات بالدولار من السوق الموازي بالسعر الجاري بدلاً عن توفيره من قبل الدولة كدعم للمواطن مثل ما يحدث مع الأدوية، ونوه إلى أن شركات المعدات الطبية تختلف إذ ليس عليها رقابة من قبل الوزارة في بيع المعدات مثل ما يفعله مجلس الأدوية والسموم وتسعيرته موحدة للدواء ، مشيراً إلى احتكار بعض شركات المعدات لأصناف بعينها بحيث لا يوجد منافس لها مما يجعلها تتحكم في الأسعار وتزيد أسعارها يوماً تلو الآخر ، وكشف عن ارتفاع أسعار المعدات بأكثر من (100%) خلال شهر سبتمبر حيث ارتفعت قيمة مسطرة السيلكون من (150 إلى 250 ألف جنيه)، وارتفع سعر القسطرة العادية من (100 إلى 170 ألف جنيه) والكرسي المتحرك من (13 إلى 20 ألف جنيه) ، مبيناً أن معدات العظام كالأجهزة والمساطر تحتكرها شركات معروفة وتقوم بالتعاون مع بعض الأطباء فقط بحيث يلزم الطبيب المريض بجلب المعدات من شركة بعينها وليس دونها مما يدخل الأطباء في دائرة الشبهات بأن لهم نسب في قيمتها.

 

روشتة طبية
وأوضح الطبيب الجراح بمستشفى التميز والأمل د. محمود محمد محمود لـ (السوداني) أن المشاكل الأساسية للعمليات تتخلص في عدم مقدرة المرضى على دفع رسوم العمليات. وأكد محمود أن جراحة العمليات تختلف من الجراحة العامة إلى الجراحة التي تحتاج إلى معدات طبية كجراحة العظام، المخ والأعصاب، القلب المفتوح، والقسطرة، وكشف عن أن الزيادة التي طرأت على رسوم العمليات ترجع إلى عدة أسباب أولها اعتمادها الأساسي على أجر الطبيب والاستشاري نفسه الذي يطلبه المستشفى فهو الذي يحدد قيمة العملية في المستشفى المعنى بحيث لا يقبل المستشفى بأقل مما يطلبه غير رسوم الفحوصات والتخدير الذي يصل إلى (30٪) من قيمة العملية إضافة لمستهلكات العملية، مشيراً إلى أن الطبيب إذا طلب مبلغ (60) ألف من المستشفى لإجراء عملية ما تقوم بعض إدارات المستشفى بأخذ (60) أيضاً و أطباء التخدير(٣٠) ألف إضافة لمستهلكات العملية بحيث تزيد عن (١٥٠) ألفاً والسبب هو أجر الطبيب، منوهاً إلى أن بعض الأطباء من أجل مساعدة المرضى يقومون بطلب مبلغ زهيد حتى لا تستطيع إدارة المستشفى الزيادة في الأجر وبدوره ينقذ المريض بحنكة، ولفت إلى عمليات العظام، المخ، القلب تحتاج لمعدات طبية تجلب بالدولار لذلك تتأثر بعلو وهبوط الدولار كما ينعكس ذلك على المرضى، وتحسر على أنه شهود على عدد من ملفات المرضى بالمستشفيات عندما يأتي دورهم حسب جدولة إجراء العمليات نجدهم مابين خيارين الأول موت المريض والثاني سفره خارج البلاد بسبب تأخيره لعامين أو ثلاثة، مؤكداً إغلاق عدد من المستشفيات الحكومية بسبب الزيادات وتخلي الحكومة على توفير مستهلكات العمليات كالملابس، الخيوط، الشاش، الفراشات، أنابيب التغذية مما يجعل الأطباء يجبرون المريض بشرائها وعدم وجود بيئة مناسبة للعمل وفرار المرضى من صفوف وجداول عمليات المستشفيات الحكومية التي تستغرق أعواماً.

 

توضيح وزاري
وأوضح رئيس قسم الجودة ومكافحة العدوى بإدارة المؤسسات العلاجية الخاصة بوزارة الصحة ولاية الخرطوم النذير الطيب لـ (السوداني) أن تسارع زيادات فواتير العمليات في هذا العام ترجع إلى عدم الرقابة من قبل الجهات المختصة ، أكد الطيب أن إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة في الأعوام السابقة تشترط على المستشفيات الخاصة عند تجديد تراخيص العمل إرفاق قائمة العمليات الجراحية والفحوصات المعملية لتظل سارية لمدة عام كامل لا يتم تغييرها إلا العام المقبل عند الترخيص، ونوه إلى أنه مرت عليه عدة حالات وشكاوى من المرضى يشكون من زيادة فواتير العمليات في أقل من أسبوعين ، وتابع الطيب أن التراخي وعدم مراجعة سجلات التراخيص للعام (2020) وراء هذا الارتفاع ، ونوه إلى أن التغيير الذي طال عدداً من المدراء العامين بعدد من الإدارات حال دون تقنين عمل المستشفيات كما كانت ، مشيراً إلى أن الإدارة العامة للطب تم تخفيضها وسحب صلاحيتها وتقليص مهامها من إدارة عامة إلى إدارة فرعية ليس لها أي نشاط بدلاً عن سلطاتها الإدارية، القانونية والمالية، وعلى الرقابة إشراف ومتابعة تجديد المستشفيات ، مبيناً أن مدخلات العمليات هي جراح، مشرط، أدوية تخدير، إضافة إلى أدوية التخدير ومعقمات الأيدى والأسطح، وختم حديثه متسائلاً هل أجور الأطباء والممرضين بالدولار علماً بأن أجور الأطباء والممرضين لا تزيد نسبتها إلا عند بداية كل عام.

 

من المُحرِّر:
لكل صاحب يد بيضاء يبتغي الأجر ويودُّ مُساعدة هذه الأُسر (رقيقة الحال) أو يستفسر عن أن شيء يخُص مرض “روان”، الرجاء التواصل معي عبر الرقم: 0914551112

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى