عبداللطيف البوني يكتب: محقة إعلامية

(1 )

في الأسبوع قبل الماضي انقطع الطريق البري القومي والذي يربط ولاية النيل الأزرق ببقية اجزاء القطر في موقعين فانعزلت الولاية فقامت الهيئة القومية للطرق والجسور بجهد كبير واصلحت ما خربته الأمطار في الطريق وبالتالي خرجت ولاية النيل الأزرق من عزلتها الاضطرارية فزفت الإذاعة السودانية مشكورة الخبر عبر اثيرها مثلما كانت قد اخبرتنا بالانقطاع من قبل. وفي تغطيتها لما وراء الخبر اتصلت الإذاعة بالسيد والي الولاية والذي اكد الخبر واشاد بالجهد (الخرافي) الذي بذلته الهيئة القومية للطرق. لحدي هنا ما في مشكلة ولكن المشكلة حدثت عندما توقفت الإذاعة عند الوالي وتحولت الى خبر آخر اذ كنا ننتظر أن تتصل الإذاعة بالعاملين في هيئة الطرق والجسور وتنقل لنا صورة صوتية لهذا الإنجاز الرائع فحريٌّ بالشعب السوداني أن يعلم بالجهود التي يقوم بها هؤلاء الجنود المجهولون، فإن تقف الولاية عند السيد الوالي والذي ربما لم ير قطع الطريق بعينيه لا يعدو الا أن يكون محقة إعلامية وليت الإذاعة حذت حذو الأغنية الدكاكينية (دور بينا البلد دا احرق الجزلين يا البابور جاز) والتي جاء فيها (في سنار يا البابور جاز\ انقطم مسمار\ صلحوا العمال \ ناس حسين وكمال \ ياخي دور بينا ..)

(2 )

القصة اعلاه تعكس لنا أن العملية الإعلامية عندنا كانت وما زالت وستظل عملية سلطوية اي تابعة للحاكم خاصة في الأجهزة الرسمية من اذاعة وتلفزيون، فالخبر عندها هو المرتبط بالحاكم فقط لا بل الأخبار عندها كلها سياسة وعلى احسن الفروض في برامجها تحاول بحياء اصطحاب وجهة النظر المخالفة لتلك الرسمية وحتى هذه قد اختفت الآن خاصة في التلفزيون اذ أن اهم البرامج الحوارية فيه ليس فيها إلا وجهة النظر الرسمية فتحولت البرامج الى حاشية للمتون الرسمية ولا اظن أن ذلك قد تم بأمر من المسئولين بقدر ما انه قد اصبح تقليدا وعادة يصعب الإقلاع عنها وليت القائمين على امر الإعلام خاصة وزارة الإعلام والتي يقف على رأسها الأستاذ فيصل محمد صالح وهو سيد العارفين بأهمية موضوعية العملية الإعلامية يلتفت لهذا الأمر وقد سمعت منه كذا مرة تصورا متقدما لوضعية المؤسسات الإعلامية اذ قال انه يسعى جاهدا لجعلها مستقلة تابعة للدولة وليست للحكومة، فالطفرة المؤسسية حتما سوف تنعكس على الأداء فليته استعجل هذا الأمر فوجود شخص مثل فيصل خلف مقود الإعلام الرسمي فرصة قد لا تتكرر قريبا.

(3 )

عودا على بدء فعملية اصلاح الطريق كانت فرصة لعمل اعلامي ناصح ما كان ينبغي تفويتها، فوجود المهندسين والعمال في وسط الوحل والطين وتحت المطر وهم يصبون الأعمدة ويحملون السيخ والطوب والأسمنت كان سيقول لنا إن الهمة لم تغادر هذا الشعب وتقول للمتبطلين محترفي الكلام وطق الحنك انظروا لهؤلاء الأشاوس وبطلوا الكلام الفارغ الذي لا يودي ولا يجيب وكانت ستكون مدخلا لعمل اعلامي جديد تترك فيها الكاميرات والمايكروفونات الغرف المكندشة وتتجه الى المنتجين الحقيقيين ليست لتصويرهم وهم يحملون الطواري والكواريق بل لعكس قضاياهم التي هي القضايا التي تخدم الإنتاج في البلاد فإذا ما اصبحت قضايا الإنتاج قضايا رأي عام فانها سوف تصبح من اجندة الحكام والمسئولين وتحل محل الأجندة العجفاء التي سوف تغطس حجر هذه البلاد إن لم قد فعلت وانتهت

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version