أحمد يوسف التاي يكتب: بومبيو .. نتائج «صادمة» لمهمة استثنائية

شهدت الساحة السودانية في بحرهذا الأسبوع سباقاً ماراثونياً على الصعيدين الدولي والإقليمي على نحو بدا معه المسرح السياسي السوداني بمثابة مضمار جاذب للسباق الدولي أوحلبة مصارعة حُرة مفتوحة على مصراعيها أمام اللاعبين الدوليين والإقليميين الذين ازدحمت بهم الساحة السودانية خلال الأيام الماضية ولا شك أن أمريكا التي كانت حضوراً لافتاً ومميزاً أعطى «الماراثون» وزناً وقيمة مُضافة..في اسبوع الماراثون الكل بدأ في تقديم عروضه بما يجعل الكرة في ملعب الخرطوم تماماً ويضع على يديها كل أوراق اللعب، فإن هي أحسنت «اللُعبة» وأدارت هذا الملف بحنكة وحكمة وفقاً للمصالح الوطنية خرجت رابحة، وإلا فلتتصالح مع الهزيمة منذ الآن..لكن دعونا نتناول في هذا السباق الدولي والإقليمي زيارة وزير الخارجية الأمريكي التي استمرت لساعات لما لها من دلالات وأبعاد مؤثرة على المسرح السياسي السوداني ومستقبل الحكم،وماهي السيناريوهات المحتملة التي ستعقب الزيارة ونتائجها.. نحاول من خلال هذه القراءة الاقتراب من حقيقة الوضع، والنتائج المحتملة على المدى القريب جداً..
زيارة بومبيو:
قد يختلف السودانيون حول أجندة زيارة وزير الخارجية الأمريكي،مايك بومبيو لكنهم يتفقون على أن هذه الزيارة على درجة عالية من الأهمية والخطورة ولها ما بعدها، فهي إما أن تنقل العلاقات السودانية الأمريكية من مربع التوتر والشد والجذب إلى التطبيع الكامل، وتؤسس لعلاقات دبلوماسية،تجارية،استثمارية وسياسية، أو تُبقيها في نفس المربع المضطرب والشائك، وهي أيضاً ـ أي نتائج الزيارة ـ إما تحمل عن كاهل الخرطوم أثقال الحصار والعقوبات الأمريكية وتبعات وضع السودان في قائمة الإرهاب على الفور، أو تظل الأوضاع كما هي دون اعتبار لثورة الشعب السوداني والتغيير الذي حدث في البلاد…لكن كيف ذلك ؟ وما المطلوب من الحكومة حمدوك لتحصد العديد من المكاسب من هذه الزيارة؟..
نتائج الزيارة:
بقراءة أولية لنتائج زيارة وزير الخارجية الأمريكي للخرطوم يدرك المراقب السياسي أن الزيارة لم تحقق الغرض الذي جاءت من أجله بل من الممكن القول إن بومبيو فشل في مهمته بالخرطوم تماماً وخسر الرهان، إذ يتفق كثير من المحللين السياسيين أن الهدف الأساسي من زيارة بومبيو هو الحصول على موافقة الحكومة السودانية على تطبيع العلاقات مع اسرائيل بشكل قاطع والتعهد بإكمال هذه المسألة قبل سباق الانتخابات الأمريكية إذ كانت حسابات الجانب الأمريكي أن تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب بعد التطبيع بين الإمارات وإسرائيل سيكون كافياً ومريحاً لدخول الرئيس الأمريكي ترمب حلبة الانتخابات الأمريكية وكسب تأييد اللوبي اليهودي في أمريكا….
لكن ما الذي حدث ؟

 

 

الخرطوم تصدُم ضيفها:
تفاجأ الوزير الأمريكي بالموقف السوداني من قضية التطبيع والذي أبلغه به رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بشكل صريح وواضح دون المواراة خلف لغة الدبلوماسية، حيث أكد الأخير للضيف أن حكومته لاتملك تفويضاً لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل في الوقت الراهن وأن هذه المهمة مُسندة إلى الحكومة المنتخبة القادمة بعد انتهاء الحكومة الانتقالية، وأن مسألة التطبيع مع اسرائيل لاتدخل في اختصاصات ومهام حكومته الانتقالية… هذا الموقف عجل بإنهاء المباحثات في وقت قصير وسدّ نوافذ الكلام والأخذ والرد حول هذه المسألة، حيث كان الموقف السوداني المعلن للوزير الأمريكي حاسماً وقطع الطريق أمام أية محاولات أخرى على الأقل في تلك الجلسة…هذا الموقف شكل صدمة وخيبة أمل لوزير الخارجية الأمريكي الذي كان يأمل بل كان يتوقع أن تحذو الخرطوم حذو أبو ظبي كما لو أنه متأكد من ذلك..والسؤال لماذا تفاجأ الضيف الأمريكي بالموقف الذي أعلنه رئيس وزراء الحكومة د. عبد الله حمدوك داخل الجلسة المغلقة؟…
على وشك التطبيع:
خيبة الأمل التي ارتسمت على وجه الوزير الأمريكي وهو يغادر الخرطوم مردها إلى أن الرجل جاء إلى الخرطوم ولم يخالجه شك في أنها ستوافق على التطبيع مع اسرائل وذلك من واقعالمؤشرات والمعطيات التي تشير إلى ذلك ومن أبرزها لقاء عنتبي بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كانت مؤشراً كافياً لقبول الخرطوم للتطبيع، هذا بالإضافة إلى الاتصالات التي جرت خلال الفترة الماضية بين وزير الخارجية الأمريكي والرئيس البرهان حول هذا الخصوص، والتواصل غير المباشر بين الخرطوم وتل أبيب والذي كشفت عنه الصحف الإسرائيلية والتي أشارت إلى قرب التطبيع بين السودان واسرائيل، كل هذه مؤشرات ضوء أخضر أعطى بومبيو أملاً كبيراً في نجاح مهمته… لكن ما الذي حدث وأفشل الوزير الأمريكي؟…
الحاضنة تنتفض وتضغط:
من خلال المعطيات أعلاه كاد التطبيع مع اسرائيل أن يصبح واقعاً وقد بدا المكون العسكري بالمجلس السيادي أكثر حماساً له وقطع شوطاً كبيراً في هذا المشوار، إلا أن قوى سياسية داخل الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك مارست ضغوطاً ظاهرة وأخرى مستترة على رئيس الوزراء وحذرته من اتخاذ أي موقف بشأن التطبيع مع اسرائيل على الأقل في هذه الفترة، وذلك ربما لسببين الأول أن هذه القوى لها مواقف تاريخية وثابتة من قضية التطبيع، والثاني أن هذه القوى تخشى من غضب الشارع المسلم، ومكر فلول النظام المخلوع واستغلالهم لهذه القضية، وتأسيساً على ذلك جاء الموقف الذي اعلنه حمدوك تحت وطأة ضغط اليسار السوداني داخل الحكومة، إلى جانب حزب الأمة القومي الذي يرفض التطبيع مع اسرائيل.
النتائج المحتملة:
يتوقع أكثر من مراقب سياسي أن تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة المزيد من الضغط على السودان حتى يقبل عرضها بتطبيع العلاقات مع اسرائيل ، وذلك من خلال التباطؤ في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وتحريض اصدقائها على التوقف عن دعم السودان، وتحريك ملفات التعويضات للمزيد من الضغط على الخرطوم..كثير من المعطيات تشير إلى أن الموقف السوداني المعلن من التطبيع شكّل صدمة وخيبة أمل للإدارة الأمريكية ومن المحتمل جداً أن تتعامل مع هذه التطورات برد فعل ما، وربما تعود مجدداً إلى سياسة العصا والجزرة..
خلف الكواليس:
من السيناريوهات المحتملة بدرجة كبيرة أيضاً أن تهيئ واشنطون وتل أبيب وبعض دول المنطقة المسرح السوداني للمكون العسكري الذي بدا متوافقاً مع هذه الجهات بعكس «المدنيين» وذلك للصعود على كابينة القيادة منفرداً تحت أي تبرير لضمان التطبيع مع تل أبيب وحماية المصالح الأمريكية… على أية حال تبدو جميع السيناريوهات محتملة بدرجة عالية وتظل كل الاحتمالات واردة والخيارات مفتوحة في ظل الأوضاع السياسية المضطربة والوضع الاقتصادي الخانق..

 

 

 

 

 

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version