محمد لطيف يكتب: المزالق الحمدوكية.. في المتاهات الحزبية ! (3)

مجلس تشخيص مصلحة النظام.. آلية ابدعها الإمام الخميني في إيران.. بعد عشر سنوات من نجاح ثورته هناك.. كان الهدف المعلن لذلك المجلس.. الفصل في منازعات مؤسسات الحكم.. أما الهدف غير المعلن.. فقد كان تمكين المرشد من السيطرة والتحكم والتوجيه.. بعض أصدقائنا في الخرطوم كان يطلق على السياسي المعروف الدكتور الشفيع خضر.. رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام.. بظن أنه وبقربه غير المعلن من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.. مسيطر ومتحكم وموجه.. ولكن ثبت بآخرة أن الشفيع كان بريئا من تلك التهمة.. أو قل ذلك الإدعاء.. ولكن المفاجأة.. أن اكتشف المراقبون.. أن أكثر من مجلس يعمل لتشخيص مصلحة النظام.. ومن وجهة نظر الجهات التي تمثلها تلك المجالس.. التي ثبت أنها موجودة داخل الأحزاب.. صحيح أنها لا تشهر نفسها.. ولكن الصحيح أيضا أن بعض السلوكيات تفضح ذلك الوجود.. وقد استعرضنا بعضها بالأمس..!
لعل بعضكم يذكر تلك الصور التي تم تداولها.. مطلع العام 2013.. إبان حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.. إخواني التوجه.. وهو داخل مكتب الإرشاد.. يتلقى التوجيهات من المرشد العام.. كان جليا أن ثمة مركزا آخر للحكم.. يحاول أن يخفي نفسه.. ولكن تفضحه الأفعال.. فكان طبيعيا أن يرفض الشعب المصري ذلك الواقع وتلك الهيمنة الإخوانية.. بل وحتى في الخرطوم.. وقبل أن يستعيد سيطرته على الأمور.. كان الراحل الدكتور الترابي يجتهد في تذكير الناس كل صباح.. أن ما يسمى بمجلس قيادة الثورة.. كان مجرد واجهة.. وأن هناك مركزا آخر للحكم.. ولسنا في حاجة لسرد بقية القصة هنا.. !
كانت هذه مقدمة لا بد منها للتنبيه.. في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان.. أن للازدواجية مخاطر جمة.. وأن الصراعات المكتومة في كابينة القيادة أسوأ بكثير من تلك المعلنة.. وأن محاولة البعض للتأثير على مجريات الأمور.. من وراء ظهر الآخرين.. غير مقبولة.. فهو مضر بهذا البعض.. قبل أن يكون مضرا بالآخرين.. ولكن إذا اختارت الأحزاب السياسية أن تتقدم إلى الواجهة.. فمرحبا بها.. شريطة أن تحترم أصول اللعبة وقواعدها.. شخصيا كنت وما زلت.. من المؤمنين بأن يتحمل السياسيون مسئولية التغيير.. فلئن كنا نتحدث عن تغيير في جوهره سياسي.. فلا يعقل أن نأتي بغير السياسيين لينجزوه.. توصيف التكنوقراط.. يذكرني أحيانا بما يسمى بالشخصيات القومية.. التي يرى البعض.. أنها الحلقة الأضعف في كل تاريخ السودان السياسي.. والمؤسف والمفارقة.. أن مثل هذه الشخصيات كانت حاضرة دائما في كافة المراحل المفصلية في تاريخ السودان.. لتترك آثارها المدمرة.. التي تعبر عن مساهمات سالبة.. فكان طبيعيا أن تتواصل خيبات الوطن.. !
إذن.. إن كان لا مناص من حضور الأحزاب في حكومة حمدوك الثانية.. عملا بمبدأ أن تتحمل الأحزاب مسئوليتها.. فلا بد أن يدرك هؤلاء القادمون الجدد وأحزابهم.. أن الوزير مسئول أمام رئيس الحكومة لا أمام حزبه.. عن أداء مهام وظيفته والقيام بواجباتها.. وأنه معني بتنفيذ قرارات مجلس الوزراء مجتمعا.. وإن اختلف معها.. لا قرارات مجلس حزبه.. ولئن اقتضى الحال أن يعلن الحزب عن موقف مستقل.. فليس من اللائق ولا من الحصافة.. أن يعلن ذلك الموقف ذات الوزير الذي يمثل الحزب داخل الحكومة.. أما إن حدث ذلك.. فليس أمام ذلك الوزير إلا أن يستقيل ويغادر الحكومة أو يغال من منصبه.. ويظل حق الحزب قائما في ترشيح من له استعداد للحفاظ على وحدة موقف الحكومة وتماسك مظهرها.. !
وإلا.. فانتظرونا.. !

 

 

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version