عثمان ميرغني يكتب: نزع فتيل الازمة!

خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس له ما بعده، ففي خلفية المشهد عرض عسكري للجيش المصري، الذي وصفه السيسي بأنه من أقوى الجيوش في المنطقة (ولكنه قوة رشيدة تحمي ولا تهدد).
واضح تماما رغم أن الخطاب ركز على الأزمة الليبية، إلا أن الوضع المتوتر في مفاوضات سد النهضة يبقى هو الرسالة الحقيقية.. فإثيوبيا وعلى لسان وزير الخارجية وبأقوى العبارات كأني بها تقول (أعلى ما في خيلكم فاركبوه).. بعد أن تعثرت المفاوضات، والحديث موجه للسودان ومصر معا.
الموعد المحدد لبداية ملء بحيرة سد النهضة على مرمى أقل من أسبوعين، والقرار الذي وصلت اليه المفاوضات بإحالة الخلافات لاجتماع قمة ثلاثي لم يعد عمليا ممكنا، فالقمم لا تجتمع الا بعد أن تضمن النتائج، والوقت المتبقي لا يسمح بنتيجة غير التي حسمتها اثيوبيا بالأمر الواقع.
الآن في الأفق مشاهد رعب حقيقية، مصر بعثت برسالة ثانية لمجلس الأمن مختلفة تماما عن الأولى، ففي الأولى طلب حث اثيوبيا على التفاوض أما هذه الأخيرة فهي جاءت وفق ميثاق الأمم المتحدة في “تنبيه!!” مجلس الأمن لأية مهددات للأمن الدولي.. وهي عبارة مخيفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
في تقديري؛ لا تزال هناك فرصة للحل، حتى ولو بدأت اثيوبيا فعلا ملء البحيرة في الموعد المضروب (بداية يوليو 2020).. فالخطة التشغيلية تفترض أن البحيرة ستحتجز من موسم الأمطار هذا العام 4.9 مليار متر مكعب فقط، وهي كمية ضئيلة لن تؤثر على منسوب مياه نهر النيل، ولن تحس بها مصر أو السودان. والمشكلة الحقيقية هي في موسم الأمطار القادم في عام 2021 عندما تبدأ اثيوبيا استقطاع 14 مليار متر مكعب لملء بحيرة السد. هذا يعني عمليا أنه لا تزال هناك فسحة لمدة عام كامل للوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاث.
مصر واثيوبيا دولتان مفتاحيتان في القارة الأفريقية، الأولى تحتضن مقر الجامعة العربية ، والثانية مقر الاتحاد الأفريقي، وهما – بجانب نيجيريا يشكلون ربع سكان القارة الأفريقية، فالأوفق – مهما كانت التحديات والمرارات- الوصول الى تسوية سياسية تقدم الأنموذج الذي يجب أن تحتذي به القارة الأفريقية المشبعة بالحروب والخصومات والدماء والتدمير.
توسيع دائرة التفاوض – في تقديري – هو الحل، سد النهضة هو مجرد بند واحد في قائمة بها ألف بند تمثل المصالح المشتركة بين البلاد الثلاثة، والأجدر أن تتسع المفاوضات بطموحات أكبر في أعلى المكاسب للجميع. الذي يربط الدول الثلاث ليست المياه وحدها، من الممكن أن تصبح “ترويكا النيل” أقوى منظومة اقتصادية وقابلة للتوسع لتشمل دول حوض النيل كافة.
ليس من الحكمة أن تنزلق الأوضاع بين الدول الثلاث إلى مربع الحرب مهما كانت المبررات والمرارات، هناك سنة كاملة لا تزال تمثل فسحة أمل واسعة و قابلة لتحويل الفشل إلى نجاح كبير في صناعة تعاون أكبر..

 

 

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

Exit mobile version