عبداللطيف البوني يكتب: اليونيتامس (الأخيرة ) الإشارة جاي ولا جاي ؟

(1)

في مقالين من (الحجم العائلي) قبل هذا المقال حاولنا استكناه أمر البعثة الفنية للامم المتحدة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية (اليونيتامس) UNITAMAS

والقادمة بموجب قرار مجلس الأمن 2524 وكان ذلك بناء على طلب من حكومة السودان وستبدأ البعثة عملها في مطلع العام القادم 2021 ولمدة عام قابل للتجديد، وقد حاولنا في المقالين المشار إليهما القيام بعملية تحليل سياسي ما وسعنا ذلك , إذ استعرضنا الظرف الموضوعي الذي أفضى لقيام البعثة وربط ذلك بالظرف الذاتي وهدفنا من هذا تجسير الهوة بين المرحبين والرافضين للبعثة طالما انها أصبحت

أمرا واقعا ووصلنا الى خلاصة مفادها ان نجاح البعثة من عدمه سوف تحكمه

ظروف متداخلة سوف تبرز بعد ان تبدأ البعثة عملها في السودان ولكن هذا لا يمنعنا في هذه المرحلة من التحليل من محاولة استقراء مستقبل البعثة المفتوح على كافة الاحتمالات عسى ولعل ان يسهم ذلك في تذليل بعض التحديات التي قد تواجهها وتثمين بعض المحفزات التي تنتظرها . بصراحة شديدة في الحتة دي سوف نخرج من موضوعية التحليل ونتجه نحو الذات فلن نقف على الحياد في أمر يخص بلادنا فنجاح البعثة في المهمة الموكولة لها على حسب نصوص أمر التكليف سوف يسهم في إخراج بلادنا من المستنقع الذي تقبع فيه وسيمضي بها خطوات الى الأمام واذا لا سمح الله فشلت سوف تزداد أمورنا تعقيدا . واضعين في الاعتبار

ان الأمر يتوقف علينا نحن السودانيين وستكون البعثة مكملا لما نختار , هذا في حالة إصرارنا على سيادتنا وعدم تفريطنا في مستقبل بلادنا.

(2)

أول الاحتمالات وهو ما نتمناه ونعترف انه يقع في خانة التفكير الرغائيبي وهو ان تنجح البعثة في مهمتها فتسهم في إنهاء عزلة السودان الخارجية فتنهمر عليه المساعدات التنموية أكرر التنموية ويخرج الاقتصاد السوداني من مأزقه الحالي وترفرف رايات السلام في ربوع البلاد ويعود النازحون الى قراهم ويصبح الجيش الوطني المحتكر الوحيد للسلاح ويتواضع السودانيون على دستور دائم لا يظلم فيه أحد وتجري انتخابات بطريقة يتفق عليها الجميع وليس بالضرورة ان تكون طريقة

(وستمنستر) التي أثبتت فشلها . وتنتهي الفترة الانتقالية في موعدها وتستلم الحكم

حكومة منتخبة وتخرج بلادنا وللأبد من الدائرة المرزولة (حكومة منتخبة , انقلاب, فترة انتقالية, حكومة منتخبة….) كل هذا وغيره يمكن ان تسهم فيه البعثة هذا اذا أحسنا نحن السودانيين حكومة وشعبا ممثلين في اللجنة الوطنية القيام بعملية (هوم

ويرك) ممتازة ويتلخص ذلك في ترتيب أولوياتنا وإقناع البعثة بها لتقوم بدور

المسهل وذلك باستقدام الأموال الأممية وأموال المانحين والتصرف فيها بمسؤولية وانضباط . وللبعثات الأممية نجاحات مشهودة في تجارب افريقية سابقة كما حدث في رواندا وليبريا وسير اليون، أما الاحتمال الثاني وهو الذي لا نتمناه ان تفشل البعثة في مهمتها وتزيد أوضاعنا تعقيدا وهذا يأتي اذا نظرنا اليها نحن السودانيين كأداة لتصفية خلافاتنا الداخلية وخصوماتنا السياسية ومن جانبها تكون قيادة البعثة محملة بأفكار مسبقة وتصور معين لسودان مختلف فتنغمس في الخلافات

الداخلية وتقدم تعديل المزاج البشري على استثمار الأرض وتتجاهل امكانيات

السودان المهولة وتستخدم الأموال القادمة اليها في التوجهات السياسية (إعادة صياغة جديدة للإنسان السوداني) فتقع في خطأ وقعنا فيه من قبل وكلفنا الكثير وتتجاهل أمر الإعمار والتنمية فتسهم بذلك في استعار الخلافات الداخلية وتلحق السودان أمات طه ليصبح رئيس البعثة جان بيلارد مثل غسان سلامة في ليبيا الذي غطت شهرته في وقت من الأوقات على خليفة حفتر وفائز السراج، أو كما حدث

في الصومال.

(3)

من المؤكد أن الاحتمالات لن تكون اثنين فقط (يا ابيض يا اسود) فالمنطقة الرمادية بينهما واسعة جدا إذ ان هناك احتمالا بأن تدخل البعثة وتخرج دون ان يحس عامة الجمهور بها ويكون (حمدها في بطنها ) اي فائدتها لموظفيها والعاملين فيها والمتعاملين معها من الأجانب والسودانيين , شوية افندية وعمال ورأسمالية انتهازية تمدها بالخدمات من مأوى ومأكل ومشرب وترفيه فتصب الدولارات المصاحبة للبعثة في جيوب أقلية أجنبية وأقل منها في جيوب وطنية وتمضي أيامها وتخرج تاركة السودان على حاله وقد حدث لنا هذا مع اليوناميد (التي تبقى لها

عدة شهور) واليوناميس واليونسيفا وهذه الاخيرة موجودة الآن في ابيي وآخر لهط في الأخضر الابراهيمي . هناك احتمال ثالث وهو ان تصيب البعثة نجاحا محدودا وذلك في حالة ألا تبسط الامم المتحدة يدها لها كل البسط ولا تقبضها وكذلك بقية المانحين الذين تعودوا أن يطلقوا الوعود في الهواء الطلق وساعة الدفع يحجمون او

يوفون بالقليل وفي هذه الحالة لن تزيد البعثة أوضاع السودان إلا تعقيدا ولن تحرز تقدما كبيرا وتخرج بعد ان يستمتع العاملون فيها والمتعاملون معها بدولاراتها، أما الاحتمال الرابع فهو ان تحدث ضررا محدودا لا تفجر الأوضاع ولكن تعمق الخلافات الداخلية وتعكس صورة سلبية للسودان وتلقي في روع الآخرين انه بلاد لا مستقبل لها وذلك في حالة لم تسندها المجموعة الدولية وينصرف السودانيون عنها وتكون قدرات العاملين عليها محدودة ولا يشعر بهم أحد فتصبح كأنها وكالة من

وكالات الأمم المتحدة المتخصصة كاليونسكو واليونسيف والفاو فهذه الوكالات لها أفضال على السودان دون شك لكنها ليست محسوسة لدى كثير من السودانيين ولأسباب كثيرة.

(4 )

الظروف العالمية المضطربة وظروف بلدنا الدائمة الاضطراب تجعل نقاط القوة والضعف في موضوع البعثة الأممية متداخلة لدرجة بعيدة فتغم على المحلل فرص النجاح وفرص الفشل فخذ مثلا موقف الولايات المتحدة من البعثة فلو ساندتها ودعمتها فسوف تكون عامل دفع قوي لها لما للولايات المتحدة من قوة وتأثير فمن ناحية نظرية الولايات المتحدة لا ترفض عودة السودان للمجموعة الدولية وقد وقفت للسودان ألفاً احمر عندما قطع علاقاته التجارية والثقافية مع الغرب و(ورتنا الطفا

النور منو) وبعد الثورة رحبت بالتوجه الجديد ولكنها ما زالت تقف للسودان

بالمرصاد شاهرة عصا قائمتها اللعينة وقد انحدرت بها الى مستوى تجار السياسة ونخاسيها فيما أسمته اسر المتضررين من حادثتي المدمرة كول والسفارتين.

فالمطلوب من السودان اليوم إرضاء هذه الشرذمة فأصبحوا هم المتحكمون في

العلاقة بين البلدين . موقف الولايات المتحدة من البعثة ليس بالوضوح الأوربي السافر في دعمه غير المحدود لها ولكن الأمر المؤكد انه في مقدورها عرقلتها وعرقلة عملها في السودان (اذا رأت أنها ستأكل معاها جنبة ) وفي مقدورها تسخيرها لمصلحتها وفي مقدورها دفعها للنجاح وتحقيق الأهداف المحددة لها في أمر التكليف . ليس الولايات المتحدة وحدها فالصين وروسيا ثم دول الإقليم سيكون لها دور سلبا أو ايجابا في عمل البعثة، فدول الإقليم لها أجندتها ولها ناسها في سودان الجن دا الذي أصبح مستباحا لليسوى والما يسوى (معليش لكن دي الحقيقة).

(5 )

الرأي العام السوداني سيكون له دور حاسم في عمل البعثة، فالمؤيدون لها اذا رأوا فيها عصا موسى التي تلقف كل آثار الانقاذ كأنها كتشنر جديد حل محل الخليفة عبد الله يكونون قد حملوها فوق طاقتها ودفعوها لمرحلة عبثية، والمعارضون لها من ناحية مبدئية ويرون أنها قادمة لخلق واقع جديد في البلاد وأنهم سيقفون لها بالمرصاد ولكل طاقهما فسوف يدخلونها في معركة عبثية كذلك النخبة السياسية اذا فكرت في جعل البعثة جزءا من الصراع السياسي الداخلي مع المدنيين ضد

العسكريين أو مع العلمانيين ضد الإسلاميين او المكون الأفريقي ضد المكون العربي أو مع المهمشين ضد المتمركزين سيكونون قد أدخلوا البعثة في حتة ضيقة وزادوا بها الواقع السوداني تشرذما وانقساما أفقيا ورأسيا فالحل في ان تقف البعثة على مسافة واحدة من كل السودانيين ويقف السودانيون منها موقف المراقب

ويحكموا عليها بأعمالها فاذا رأوا فيها خيرا أعانوها عليه وإذا رأوا فيها انحرافا قوموها طالما أنها بعثة أممية ونحن جزء من النسيج العالمي المكون لها . سيكون من حسن السياسة اذا انسابت البعثة الى داخل السودان كالظل بكل هدوء ودون ضوضاء وبدأت عملها بذات الهدوء، فالإعلام الزائد ضرره أكبر من عدم الإعلام فلتظهر البعثة للسودانيين بأعمالها وليس بناسها وشخوصها والله يكفينا شر(الجزيرة

مباشر).

(6 )

في تقديري ان أمر البعثة والنتيجة المرجوة منها في يد السودانيين حكومة في المقام الأول وشعبا في المقام الثاني فتعامل البعثة سيكون مع الحكومة أولا وهي مدخلها الرئيس للبلاد وهي المناط بها تحديد مسارها طالما أنها هي التي دعتها ، ستكون كارثة لو أن الحكومة شالت حيلها ووضعته في البعثة واعتبرتها هي المنقذ للبلاد وهي التي سوف تخرجها من كل الأزمات وهي التي ستداوي كل جراح البلاد، وفي

تقديري ان هذا لن يحدث فعلاج أزمات البلاد بيد أبنائها ستكون البعثة مجرد عاملا مساعدا . على الحكومة ألا تستغني عن علاقاتها الخارجية مع الشرق ومع الإقليم ومع دول الجوار لا بل ولا تنزل مرتبتها الى درجة أدنى ولا تجعل البعثة تتدخل فيها فهذه علاقات استراتيجية ويعول عليها مهما تحسنت العلاقة مع الغرب ومهما كانت درجة العودة الى ركابه أي يجب ألا ينطبق علينا (من لقى أحبابه نسى أصحابه )

على الحكومة أن تراهن على موارد بلادها الهائلة وتسعى نحو الإنتاج ولا شيء غير الإنتاج ويمكن للبعثة ان تساعد هنا بالتقانات المتطورة وفتح الأسواق ,(يا ربي هل ستظهر هنا العقوبات الأمريكية ؟) على الحكومة ان تحدد أولويات الفترة الانتقالية السياسية كالسلام ومطلوباته والانتخابات القادمة وما يسبقها من دستور انتقالي وعدالة انتقالية وتعداد، وهنا يمكن للبعثة تقديم المساعدات الفنية بعد الاعتماد على

الكفاءات السودانية .لا أحد في الدنيا يمكنه معرفة النوايا، فالنوايا علمها عند رب العالمين وبالتالي سيكون من غير العدل والإنصاف التحدث عن النوايا في هذه المرحلة ولكن كما نقول في الدارجية السودانية (النية زاملة سيدها) اي هي التي تقود صاحبها للنجاح او الفشل فإذا كانت النية من دعوة البعثة هو إنقاذ البلاد وتم العمل وفق هذه النية فإن هذه البعثة سوف تسهم في إنقاذ البلاد أما اذا كانت النية متجهة لأجندة ضيقة أخرى، فليبشر الخراب في السودان بطول سلامة . أما الأمم

المتحدة كمؤسسة فقد قامت على نوايا حسنة وهي الآن مؤسسة محايدة وكل

مواثيقها وقوانينها قائمة على نوايا حسنة فالدور والباقي على ود ابن آدم وود ابن

آدم بالضريب كما تقول الأهزوجة الشعبية التي كان يتغنى بها خالا لنا رحمة الله عليه عندما يكون (مبسوطا) (اللبن المعلق في المشلعيب \ شي رايب وشي حليب\ ود ابن آدم بالضريب\ قطاع النصيب \ بندور بيتنا\ يا سردوب بيتنا) ونحن بندور سودانا ويا سردوب سودانا الجو وجدانا والشرح الكثير يفسد المعنى.

 

 

 

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version