تحقيقات وتقارير

زيادة الأجور.. هل تحسن معاش المواطن؟

يبدو أن زيادة الأجور التي يمكن تطبيقها في هذا الشهر ستجد صعوبة بالغة في استمرارية التنفيذ حيث يرى أكثر من مراقب عدم توفر مورد حقيقي داعم لزيادة الأجور، بجانب عجز كبير تواجهه الموازنة، الامر الذي يجعل من زيادة الأجور صعب التحقيق والاستمرار، كما أن هنالك من يشكك في مدى فاعلية زيادة الأجور، باعتبار أن الزيادة لا تتجاوز معاش المواطن بل الغرض منها محاولة لتغطية جزء من التآكل في الأجور مستدلين بالزيادات السابقة في الأجور حيث لم تحل مشكلة الارتفاع المستمر في الاسعار لجهة أنها كانت تدعم فئية معينة دون بقية الفئيات الاخرى.. فيما يتمدد السؤال حول مدى فعالية زيادة الأجور في تحسين معاش المواطن ؟ وكيف يمكن أن تغطي الحكومة زيادة الأجور؟ وهل هنالك ثمة موارد كافية لتغطية هذه الزيادة؟
* فلاش باك
في ديسمبر الماضي أصدر وزير المالية إبراهيم البدوي قراراً بتشكيل فريق عمل وطني لمعالجة هيكل الأجور ومرتبات العاملين بالدولة لعام 2020، وقال وزير المالية إبراهيم البدوي إن موازنة 2020م ستكون فيها انجازات كبيرة جدًا منها ترتيب وتقويم الوظائف، وأكد البدوي في تصريحات صحفية استدامة دعم المواطن بصورة مباشرةً عن طريق تحويل نقدي وذلك في مرحلة متأخرة من العام القادم بحيث يتم توفير كل المستلزمات المؤسسية لذلك، وإحداث زيادات كبيرة ومُعتبرة في الأجور والمرتبات تصل لـ(100%) في المتوسط. وبحسب بيان صادر من وزارة المالية اطلعت عليه (الجريدة) فإن الغرض من القرار، المعالجات الشاملة للمرتبات والأجور فى الخدمة المدنية، وإزالة التشوهات، بما يحقق العدالة والرضا الوظيفى بين جميع مكونات الخدمة المدنية المختلفة، بجانب تجويد الأداء فى دفع عجلة التنمية بالبلاد، ومن أجل تحسين سبل العيش الكريم لجميع العاملين بالدولة، فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وانهيار القوة الشرائية للمواطنين نتيجة لسياسات الإفقار الممنهجة للنظام البائد، وقال البيان وقتها إن القرار حدد للجنة مهاما واختصاصاتها لمراجعة الوضع الحالى للأجور والمرتبات فى الخدمة المدنية، والوحدات التى تعمل بقانون خاص، وإبراز الفروق والتشوهات، ومراجعة المخصصات والبدلات والامتيازات المختلفة، وفقا للتدرج الوظيفى فى الخدمة المدنية، والوحدات الحكومية، وتوضيح درجات التباين بينها. كما نص القرار على أن تفرغ اللجنة من عملها خلال شهر ونصف، على أن ترفع تقاريرها، متضمنا تصورا متكاملا ومدروسا، وفق خيارات ومبررات محددة، لتحسين الأجور وإزالة الفروق بين العاملين بالدولة وتحديد الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور، حسب الدرجات الوظيفية، ووضع أسس علمية محددة للمراجعة الدورية للأجور، تُراعى فيها التغييرات التي تحدث فى كلفة المعيشة، بسبب تغيرات الأسعار.
* قدرات ذاتية
وفي رده على سؤال حول الموارد التي يمكن أن تغطي زيادة الأجور قال وزير المالية ابراهيم البدوي في تصريحات صحفية سابقة، إن زيادة الأجور يمكن تغطيتها من الموارد الذاتية حيث تنقسم إلى نوعان من الموارد وهي الضرائب والجمارك وقيمتها تصل 158 مليار جنيه كما أنها تشكل 27% من نسبة الإيرادات وعليه وبحسب البدوي فإن موارد الجمارك والضرائب توفر أكثر من المبلغ المذكور واستدرك قائلا ” لكن وتوخياً للتقديرات المحافظة، قلنا إن المبلغ الذي يتم تحصيله من الجمارك والضرائب هذا العام سيكون 158 مليار جنيه ” وتابع ” كذلك هنالك ما يسمى بإيرادات ذاتية أخرى وتمثل في مبلغ وقدره 254 مليار وهي جزء منها رسوم عبور نفط دولة جنوب السودان وعائدات النفط المنتج في السودان وبعض الشركات العاملة، بجانب 2 مليار دولار تأتي من منظومة الصناعات الدفاعية، وهي عبارة عن ربع الصادرات الذي ستقوم به الصناعات الدفاعية هذا العام حيث أن المنظومة الدفاعية تملك مسالخ مثل مسلخ الكدرو وشركات أخرى، وبحسب وزير المالية فإن المؤسسة العسكرية ومن خلال هذه الميزانية ستدعم الموازنة بمبلغ 2 مليار دولار.
البدوي نحا منحى اخر فمع الموارد الذاتية التي يمكن أن يغطي بها زيادة الأجور قال امس الأول وعبر صحيفة التيار ” سنعتمد في تغطيتنا للأجور على الموارد التي استدرتها لجنة ازلة التمكين ” حيث تقدر بحسب البدوي بمبلغ 158 مليار جنيه، مؤكدا بأنها ستساهم في زيادة الأجور. وهنا يقول عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير كمال كرار إنه من الخطأ الاعتماد على موارد واصول لجنة تفكيك التمكين في زيادة الأجور لجهة أن هذه الاوصول المستوردة هي اموال ملك للشعب السوداني وكان الاحرى أن تدخل في مشروعات تنموية لكي تكون بصورة دائمة يستفيد منها الشعب السوداني، وتابع ” إذا سلمنا لا توجود فكرة لزيادة الأجور بهذه الطريقة من أين للوزير بدفع مرتبات كبيرة بهذه الصورة في السنين القادمة للموظفين ” ولم سيتبعد كرار في حديثه مع (الجريدة) أن تساهم زيادة الأجور في ارتفاع نسبة التضخم لجهة أن الزيادة في الأجور ستنتج عن زيادة في تكاليف الانتاج، كما أن هذه الاموال الكبيرة سيمتصها السوق وتصبح نسبتها صفر في مقابل مطلبات المواطن.
* صعوبات بالغة
وكشف موظفون ( للجريدة) عن صعوبات تواجهم في شراء السلع والخدمات التي تخصهم، حيث أرجعوا الاسباب إلى قلة الأجور، داعين الحكومة للإسراع في تنفيذ خطوة زيادة الأجور، وقال موظف فضل حجم هويته للصحيفة، إن متطلبات أسرته أصبحت فوق طاقته بسبب غلاء الاسعار في الوقت الذي تتدنى فيه أجوره . من جانبه يرى الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي أن زيادة المرتبات تدل علي سخاء حكومي بالغ في الإنفاق على الأجور، بيد أنه استدرك قائلاً ” لكن الزيادة في الأجور تخفي الأرقام عددًا من الحقائق في ضوء ارتفاع أسعار السلع والخدمات ” ولم يستبعد هيثم فتحي حدوث تدهور فى قيمة العملة حال زيادة الأجور، حيث يرى أن زيأدة الأجور تؤثر بشكل أكثر حدة بالتقلبات التي تحدث فى موارد الدولة من العملات الاجنبية أكثر من أي عوامل أخرى. واعرب الخبير الاقتصادي عن أمله بأن لا تلجأ الحكومة لطباعة النقود بهدف تمويل زيادة الأجورأو الدعم، عازيا هذه الخطوة إلى انها تسبب في تدهور قيمة العملة ، وتابع ، ليت هذه الزيادة تكون بعيدة عن اي اهداف سياسية أو مسكنات تقدمها الحكومة لتمرير او تمهد لقرارات اكثر صعوبة في المرحلة القادمة ” واستدرك قائلا ” لكن وعلى الرغم من هذه الزيادة التي سوف تطبق ١٠٠% الا أن الحد الأدنى للأجر الذي يحصل عليه الموظف السوداني يبقى في المراتب الدنيا عربيا ودوليا .” وفي تقدير هيثم فتحي فإن خريطة الأجور تعاني خللاً يستوجب إعادة هيكلتها بالكامل، وان قرار رفع الحد الأدنى للأجور اذا لم يتبعه إجراءات حازمة لكبح جماح الغلاء وضبط انفلات السوق فلن يكون له جدوى. وشدد فتحي على ضرورة ربط الأجور ب التضخم والغلاء والزيادة الإنتاجية وذلك حتى يضمن التطبيق السليم لزيادات الأجور. واردف قائلاً: في حال زيادة الأجور فإن كل أسعار السلع والخدمات مرشحة للزيادة، وأولها أسعار السلع الغذائية والمواصلات العامة ونقل السلع من مناطق الإنتاج لمناطق الاستهلاك وتكلفة الإنتاج في المصانع والمزارع وغيرها.
*زيادة التضخم
إزاء ذلك، يلفت الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أن حل المشكلة المعيشة ليس في زيادة المرتبات بل في السياسة المالية والنقدية التي كانت في عهد النظام السابق، وقال الناير إن زيادة المرتبات لا تتجاوز معاش المواطن بل محاولة لتغطية جزء من التآكل في المرتبات، واضاف، زيادات الأجور السابقة لم تحل مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار؛ لأنها أولاً، كانت تدعم فئة معينة، بجانب أنها تزيد التضخم . واعتبر الباحث الاقتصادي بركائز المعرفة عثمان أدم الشريف أن سياسة زيادة الأجور ليست حلا ومخرجاً من الضائقة المعيشية التى تعاني منها الطبقة العاملة في المؤسسات المختلفة، فالقضية بالنسبة للشريف هو أن تكون هنالك مراجعة واجراء وضبط للاسواق، بجانب النظر في زيادة الصادرات وإحلال الواردات، والعمل علي تقليص العجز في الميزان التجاري، وكل هذا بحسب الباحث الاقتصادي ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين، جازما بأن اي حل غير الذي ذكر أعلاه سيؤثر في ارتفاع نسبة التضخم وعليه تكون زيادة الأجور غير مجدية . ويقول مراقبون بأن هنالك عدم قبول لدى العمال بالأجر الحالي، حيث ارجعو هذا إلى أن الاقتصاد نفسه غير منتج، جازمين بأن الحديث عن زيادة رواتب العاملين غير مقبول، فيما طالب البعض بضرورة أن تكون هنالك زيادة في الأجور بالنسبة للمؤسسات الخاصة، لافتين إلى أن كل الموظفين في المؤسسات الخاصة يعانون من غلاء الاسعار وتدني الأجور.
   أحمد جبارة
صحيفة الجريدة

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى