تحقيقات وتقارير

أسباب مشكلة عدم استقرار العلاقات السودانية المصرية

وصلت أمس ( الاثنين) إلى مطار الخرطوم؛ في إطار تضامن مصر مع الشعب السوداني، أربع طائرات عسكرية محملة بكميات كبيرة من المستلزمات الطبية العاجلة والأدوية مقدمة من مصر لمساعدة الحكومة السودانية في مواجهة خطر انتشار فيروس كورونا، وأعرب الجانب السوداني الرسمي عن شكره وتقديرة لمصر قيادة وشعبا على المساعدات المصرية.

 

رفض ملحوظ

رغم هذا الترحيب السوداني الرسمي بما قدمته مصر من مساعدة للسودان في هذا الوقت العصيب، إلا أنها لاقت رفضاً وبشكل ملحوظ على مواقع التواصل الاجتماعي، وشكك رواد هذه المواقع في نوايا مصر، مؤكدين أن القاهرة لا يمكن أن تقدم دعماً للسودان بدون مقابل، واتهم (بعضهم) مصر بأنها لا يمكن أن تقدم خيراً للسودان أو تساعده، وهذا ما فرض السؤال المتجدد عن جذور هذا التوجس الدائم في العلاقات المصرية السودانية، وعن أسباب هذا التوجس السوداني الدائم تجاه مصر، هل هي مشكلة نخبة أم نظام أم ميراث متراكم لم تفلح أي جهود في محوه وإزالته؟. هناك من يتهم النظام السابق بأنه كان السبب في تشويه صورة مصر شعبياً في السودان، فإلى أي مدى هذا الأتهام صحيح؟ وإلى أي مدى تغيرت الصورة على المستوى الرسمي في سودان ما بعد التغيير؟ فهل تغيرت النظرة الرسمية السودانية تجاه مصر بعد سقوط الإنقاذ، أم أن الحكومة الانتقالية ورثت هذا التوجه تجاه المحروسة؟ هل مصر فعلا تتبع الأسلوب الخطأ مع السودانيين؟

 

إرث سلبي

السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان السابق بالقاهرة؛ يؤكد من جانبه أن العلاقات بين البلدين ورثت كثيراً من المتخيلات والإرث السلبي الذي تشكل طوال السنوات الماضية، سواء كان حقيقةً أو متخيلاً. وقال عبد المحمود لـ (اليوم التالي) إنه في كل مستويات التحرك نرى أن العلاقات بين البلدين ليست كعلاقات السودان مع أي دولة أخرى، لافتاً إلى أنها علاقات يدخل فيها المسكوت عنه والإرث التاريخي والمتخيلات بذكر مايريده من يريدون إزاء هذه العلاقات، ومايروج له حتى من أصدقاء العلاقة بحسن النية أحياناً، مضيفًا أن العلاقات أصبحت أسيرة لكل هذه الهواجس، وأنها لا تتحرك أي مركبة فيها إلا وتجد من يقذفها بالحجارة، ومن يعترض طريقها في التواصل المستمر، مؤكدا أن هناك دوراً كبيراً للإعلام والحواضن السياسية والثقافية، وقال إن دور الإعلام كبيرٌ في تصحيح هذا المسار، خصوصا وأن الإعلام كان له جزء كبير وأساسي من مُقعِدات هذه العلاقة من الجانبين، وأنه لعب دوراً هائلاً في هذه الحالة النفسية التي تكيفت عليها، وقال إن العلاقات بين السودان ومصر لا تحتاج لطبيب نفسي بقدر ماتحتاج لأطباء مجتمع وإعلام وسياسة، وأن يكونوا ملمين بخبايا الماضي والإرث السلبي، وأنها خلقت لكي تستمر للأجيال الحاضرة لأنها مصير وقدر، وتابع؛ لابد أن تتغلب العلاقات على نفسها وهواجسها وتستمر للأمام، ورأى عبد المحمود أنه يمكن أن يكون مستقبل العلاقات أفضل لو أديرت في إطار شفافٍ، وألا تترك للحكومات وحدها، وقال: على منظمات المجتمع المدني والشباب والمرأة أن يكون لهم دورٌ أساسيٌ فيها حتى لا تنفرد الحكومات بالساحة، مستبعدا أن يكون النظام السابق وحده هو السبب في ذلك ، وقال إنه في زمن عبود كان يتحدث عن ضرورة إزالة الجفوة المفتعلة مع مصر، مضيفا أنه في زمن نميري كان برنامج التكامل من الفترات الزاهية، وأنها عادت وانتكست في زمن الديمقراطية الثالثة، وزاد: لا نقدر أن نلوم نظاماً واحداً في عدم استقرار هذه العلاقة.

 

أسباب عدة

ورأت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية، أن هناك عدة أسبابٍ خلف عدم الترحيب لأي تقارب مصري سوداني. وقالت الطويل لـ (اليوم التالي): إن أهم هذه الأسباب أن أي إسناد للحكومة الانتقالية في الوقت الحالي سياسي ويساهم في تقوية هذه الحكومة وحل أزماتها أمام الجماهير، مضيفة أن الحكومة تريد إنهاء فترتها الانتقالية بسلام، وبالتالي ستوظف الميراث السلبي في العلاقات، وتابعت: إننا أمام جيل سوداني كامل تربى على هذه الهواجس إزاء مصر، مؤكدة أن هذه الهواجس موجودة تاريخيا لأن الجبهة القومية الإسلامية تلاعبت بهذا الجيل في السودان، وقالت إن ذلك يرجع لأن القوى التي كانت ضد الإسلاميين في السودان هي مصر، وبالتالي تم استخدام هذه الهواجس، وهذا ما هو موجود حتى الآن، ولذلك ردود الأفعال سلبية لأي تقارب بين البلدين، لافتة إلى أن مصر لم تتفاعل إيجابيا مع الثورة السودانية، وقالت إن هذا المردود مازال موجوداً أيضا، وإن هناك مخاوفَ من أن التجربة السياسية السودانية تضغط، بالإضافة إلى الملفات الشائكة بين البلدين، وهواجس أن أي مساعدات مصرية للسودان ليست للمصلحة وإنما لأغراض مصرية، ورأت الطويل أن الحل في ضرورة أن تتنوع مصر الرسمية في أدواتها في التفاعل مع السودان، مضيفةً: كنت أتمنى أن يرافق طائرات المساعدة الطبية المصرية للسودان وفدٌ شبابيٌ شعبيٌ حتى تكون الرسالة مختلفة، وحتى تظهر المساعدة بين ماهو رسمي وشعبي، مطالبة أن تنوِّع مصر في أدواتها تجاه السودان مستقبلاً وأن يكون هناك تفكير مشترك في قضايا التحدي للبلدين، وفي المقابل رأت الطويل أن هناك مسؤوليةً سودانيةً أيضاً، وقالت: على قوى الحرية والتغيير أن ترفع وعي وتفكير الشباب وخاصة في لجان الأحياء؛ والتي وصفتها بـ (الانطباعية)، وأنها ليست لديها خبرة سياسية.

 

فرق تسد

أما خالد محمد علي؛ نائب رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية، والخبير بالشأن السوداني، أكد من جهته أن الرفض المصري في السودان ليس وليد اللحظة أو بسبب النظام السابق. وقال خالد لـ (اليوم التالي): إن السبب الرئيسي يرجع لتدبير المخابرات البريطانية أيام الحكم الثنائي بفكرة فرِّق تسد لضرب العلاقات بين البلدين حتى يتحكم المستعمر، وأن هذا التيار استمر وسط النخبة السودانية، مضيفا أنه ظهر أيضا مع طائفة الأنصار وحزب الأمة منذ فترة الإمام عبد الرحمن المهدي، وأن ذلك استمر بتأثيرات مختلفة وهو تيار راسخ، معتبراً أن اتهام النظام السابق بأنه خلف هذه الهواجس في العلاقة مجرد تصفية حسابات سياسية لتغييب الوعي، موضحا أن هناك مظاهرات خرجت ضد مصر أيام عبود، وقال إنه من الملاحظ أنه مع وجود أي خطوة مصرية تجاه السودان نرى اتهامات تتحرك ضد مصر، ويتم نشرها بشكل كبير، وكأننا تتعامل مع عدو، وهناك متربص دائم، مؤكداً أنه لا يوجد أي دور مصري سالب تجاه السودان منذ الاحتلال حتى الآن، وقال إن مصر وقفت مع وحدة السودان وإنها كانت حريصةً على هذه الوحدة أكثر من مكونات داخل السودان نفسه، وكان هناك خلاف كبير في دخول مصر في مفاوضات السلام مع الجنوب، كما أكد أن مصر كانت دائما مع السودان وحقوقه، وأنها ساهمت في نهضته التعليمية والثقافية ولم تقف أبدا ضد مصالحه، وقال نستطيع أن نواجه من عنده ما يؤكد عكس ذلك ونرد عليه بالإثبات والبرهان، مضيفا: لا أجد مايغذّي أو يبرر هذه الهجمات السودانية الدائمة على مصر والتي تظهر من حين لآخر، ورأى أن هناك عاملاً خارجياً أيضا يريد ضرب العلاقات، وقال إن الغرب يرى أن دولة مثل مصر وقدراتها لو نسّقت مع السودان بكل إمكاناته سيكون على حساب المستوى الإقليمي والدولي، وأن هذا التنسيق سيساهم من الدولة المركزية في السودان، وهم يريدون تفتيت السودان، لافتا إلى أن النظام الحاكم في السودان دائما يكتفي بالشكر والتقدير الشكلي دون التصدي لمن يروج لسوء العلاقة، وقال لم نر تصدياً رسمياً لهذه الأصوات، ونحتاج لتصدٍّ رسمي وإعلامي لهذه التيارات ضد مصر، مضيفا: وعلى النخبة أيضا أن تتصدى وألا تسمح بها، معتبرا حالة الصمت الرسمي وعلى مستوى النخبة؛ إما تواطؤٌ مع الفكرة أو قابلٌ لها، وأنها لا تملك شجاعة إعلان قبول هذه الفكرة، مشددا على ضرورة تنسيقِ وتكاملِ مصالح حقيقي للوقوف ضد الهجمات على العلاقات، وقال: لايمكن أن نتعايش مع فكرة أن كل دعم مصري للسودان مسموم، مطالباً بمحاكمة كل من يروج لذلك إعلامياً ومجتمعياً.

 

القاهرة: صباح موسى

صحيفة ( اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى