تحقيقات وتقارير

عجز الحكومة الانتقالية عن حلحلة أزمة الخبز و الوقود والمضي على ذات نسق النظام البائد سيقودها إلى ذات المصير

تغرق البلاد مجدداً في مستنقع الأزمات فالصور والمشاهد تتكرر بذات الملامح والتفاصيل، وعلى الرغم من ابتلاع الكثير من المواطنين لمرارة الانتظار في الصفوف والمعاناة في الحصول على الخبز والوقود طيلة الأيام السابقة إلا أن الأمر بدأ يتغير كثيراً وسادت حالة من الإحباط وسط المواطنين نتيجة عجز حكومة الفترة الانتقالية في وقف مسلسل المعاناة ، وفشلها في وضع حد لتناسل الأزمات وافتعالها ، الناس الآن وصل بهم الغضب إلى درجة بالغة يصفون معها موقف الحكومة الحالية بأنها لا تقل سوءاً من النظام البائد.. فكلتاهما تعملان من أجل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة ولاتهمهما مصلحة الشعب السوداني ، ويزيد آخرون أن الحكومة الحالية زادت الطين بلة بارتمائها في أحضان الخارج .
قد لا يكون كاف بالنسبة للكثيرين اكتفاء وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني بالاعتذار الذي قدمه قبل يومين لاستمرار أزمة الخبز كما أن الحديث عن مزاولة أحد المطاحن للعمل مجدداً ورفع نسبة الدقيق إلى ثلاثة وسبعين ألف جوال يومياً بعد أن تدنت قبل أيام لخمسين ألفاً لا تبدو هي كافية للناس باعتبار أن الأزمة حتى وقبل أن يحدث توقف للمطحن كانت موجودة قد زادت حدتها في أعقاب تلويح أصحاب المخابز برفع سعر الرغيفة إلى جنيهين ، ويقول مواطنون إن الحكومة نجحت في تخدير أصحاب المخابز لأسبوع دون إثبات مقدرتها على تلبية مطالبهم لذا فإن ما يحدث حالياً يعتبر تصعيداً من قبل المخابز حتى تستجيب الحكومة وتحل مشكلاتهم التي يعتقدون أنها تؤثر على صناعة الخبز ، كثيرون يؤكدون بأن ما يحدث ماهو الا محاكاة للأساليب القديمة التي كانت تمارس على أيام الإنقاذ بإحداث الأزمات وإرهاق كاهل المواطنين بالمعاناة وتبريرها بضرورة رفع الدعم أو إضافة قيمة جديدة للسلعة ومن ثم تأتي بعدها زيادة الأسعار في السلع الأساسية ومن ثم توفرها .
وفي السياق يقول الناشط السياسي حسن المصباح إن الواقع الآن وما يحدث من اختناق حاد في الخبز والوقود مؤشر إلى فشل الحكومة الانتقالية ووقوعها في نفس أخطاء الإنقاذ ويضيف إن لم تتدارك الحكومة وتسرع في إيجاد الحلول فأنها ستسقط كما سقط النظام البائد ، مشيراً إلى أن شظف العيش والبحث عن الرغيف هو السبب الرئيسي في اندلاع شرارة ثورة ديسمبر المجيدة ،لافتاً إلى أن اكتفاء قيادة الحكومة بالفرجة وانتظار الوزراء المعنيين بالمعالجة أمر غير مجدٍ وهي ذات الأخطاء التي كانت تفعلها الإنقاذ ، وبحسب المصباح فإن الأزمة الحالية تحتاج تدخلات عاجلة وقوية من أعلى مستويات الحكومة ، ويضيف يجب أن لا تكتفي الحكومة بالحلول الإسعافية رغم الحاجة إليها الآن إلا أن الواقع يؤكد بأن الأزمة تحتاج علاجاً جذرياً لتفادي تكرارها فهي مرتبطة بعوامل عدة ، وينوه حسن إلى أن رفع الدعم عن الدقيق ربما لا يكون الحل الناجح فهناك إشكالات أخرى تتعلق بصناعة الخبز تتطلب النظر إليها والتفاكر حول معالجتها .
وفي السياق يقول مراقبون إن ما يحدث حالياً نتاج طبيعي لأخطاء قوى الحرية والتغيير التي استلمت الحكم عقب الثورة المجيدة وتفرغت إلى التمكين والمحاصصات والانشغال بصراعاتها الداخلية على حساب معاش الناس ، مضيفين أن القوى السياسية التي اختطفت حكومة الثورة بالتعاون مع شركائها العسكريين تناست عن قصد بأنها فترة انتقالية وأن بقاءهم في الحكم مرهون بانتهاء الانتقالية ولن يزيد ، وبدلاً من وضع الحلول العملية للأزمات التي أسقطت الانقاذ تغافلت عن ذلك بالتمكين وإتاحة الفرصة للنيل منها بسبب عدم امتلاكها الحلول أو البرامج التي من شأنها رفع المعاناة عن كاهل المواطن وهذه بحسب هؤلاء حقيقة واضحة لا ينكرها إلا مكابر ، مشيرين إلى أن ذلك هو السبب الأساسي في تفشي الإحباط وسط الثائرين والناشطين والسياسيين وما استقالة ابراهيم الشيخ وتصريحات غيره من قادة الحرية والتغيير إلا بدلائل واضحة تؤكد عجز الحرية والتغيير عن إقناع الشارع في مقدرتها على قيادة البلاد، ويرى كثيرون أن أخطاء الحرية والتغيير الكثيرة خلال الأشهر الماضية أتاحت الفرصة أمام أتباع النظام البائد للعودة للواجهة والتحكم في كثير من السلع الأساسية فضلاً عن تدخلات مكثفة لاحتكار العملات الأجنبية وتهريب وتخزين الدقيق والوقود وغيرها من الممارسات الخفية التي يقوم بها هؤلاء مستغلين ضعف الحكومة الانتقالية وعدم جديتها في تنفيذ مطلوبات التغيير والثورة المجيدة .
استحكام حلقات الأزمات واحاطتها بحياة المواطنين بحسب البعض تزيد من معدلات انفضاض الناس عن الحكومة الانتقالية وعلى الرغم من الكراهية الكبيرة للإنقاذ إلا أن هذه الكراهية ربما تتضاعف معدلاتها تجاه الحاكمين الآن بسبب ما يدور من تراخٍ وعجز في ايجاد الحلول ، وإذا ما استمرت الأزمة في الخبز والوقود إضافة إلى نذر أزمة غاز الطبخ المتوقعة في الأسابيع القادمة بسبب صيانة المصفاة ودخول فصل الصيف وقطوعات الكهرباء فان إبريل المقبل سيكون نهاية غير سعيدة للحكومة الانتقالية فالشعب الصابر نصفه الآن لن يبقى صابراً مع توالد الأزمات والمشكلات ، لذلك يستوجب على الحكومة عدم انتظار الوعود والحلول الإسعافية ووضع برنامج عمل وخطة متكاملة لإنهاء مسلسل الأزمات في السلع الحساسة والمعروفة بسرعتها في إسقاط الأنظمة الحاكمة .

 

الخرطوم – مهند عبادي

صحيفة ( اليوم التالى )

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى