رأي

عثمان ميرغني يكتب: العد التصاعدي.. والتنازلي!!

ليلة أمس الأول كانت غاية في الإمتاع، بمزاج رائق صافٍ عدت إلى منزلي بعد زيارتي الأسبوعية لقريتي “الخليلة” (25 كيلومتراً شمالي الخرطوم بحري).. جلست أمام شاشة قناة CNN الأمريكية أشاهد عدِّين أحدهما تصاعدي والآخر تنازلي.

الأول جاء بعد مداولات كثيفة في مجلس الشيوخ الأمريكي ظللت أتابعها لعدة أيام.. في مسلسل محاكمة رئيس أقوى دولة في العالم دونالد ترمب.. مع ختام الجولة الأولى جرى تصويت للإجابة على سؤال: هل تستحق القضية مثول شهود وإبراز الوثائق؟ والإجابة بـ”نعم” أو “لا” .. “نعم” تعني مزيداً من تأزم موقف الرئيس ترمب لأن أول شاهد يمثل سيكون جون بلتون وشهادته غاية في الخطورة لأنه يدعي أن ترمب أمره بالتفاهم مع دولة أوكرانيا لحثهم على إجراء تحقيقات حول الفساد تطال إبن منافسه الديموقراطي في الانتخابات القادمة.. وطبعاً الإجابة بـ”لا” تجعل المحكمة تغلق الباب أمام الشهود والوثائق.

بدأ التصويت، على كل سيناتور الإجابة شفاهة بكلمة “نعم” أو “لا” عندما يطلب منه.. كان التصويت يظهر في الشاشة بصورة مثيرة للغاية، تارة تتقدم “لا” وأخرى تتجاوزها “نعم”.. والرقم المطلوب لفوز أي من الخيارين هو 51، وكفرسي رهان كانا ينطلقان نحو خط النهاية فازت “لا” بفارق صوت واحد لتصبح النتيجة “51” “لا” مقابل 49 “نعم”.. وتقريباً أفلت ترمب بأعجوبة، إلا إذا خانه الحظ في ما تبقى من إجراءات..

العد التنازلي الثاني كان في واجهة مجلس الوزراء البريطاني الشهير.. انتظار اللحظة التاريخية لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من العضوية النشطة.. وفي الساعة 11:00 ليلاً بتوقيت قرينتش انتهى العد التنازلي ليكتمل خروج بريطانيا..

بالله عليكم أنظروا لجمال الديموقراطية، في العد التصاعدي الأول، رئيس أقوى دولة يقف مصيره منحنياً أمام منصة المحكمة.. وتنبش سيرته وتقدم ضده الاتهامات بينما يدافع عن نفسه بمساعديه وهو يعلم أن نتيجة المحكمة قد تطيح به مثل ما حدث لسلفه الرئيس الأسبق نيكسون في العام 2197..

العالم الأول لم يأتِ من مخلوقات فضائية من كواكب أخرى.. هم بشر مثلنا لكنهم سموا وارتقوا عنا لأن حضارتهم رفعت من قيمة الإنسان، منحته الحرية ليس مجرد حرية التعبير والصراخ بل حرية الضمير.. فأصبح الرئيس في مقام موظف عام بلا قداسة ولا حصانة إلا بالقانون.. في بلادهم الحكومة تخشى الشعب، لا الشعب يخشى الحكومة..

عندما أرسل الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم مبعوثه الخاص إلى ملك الروم.. سأله عن دينه لم يقدم مرافعة طويلة نطق بعبارة واحدة تختصر الرسالة: (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد).. إنها الحرية بمعناها الكبير..

هكذا تبنى الدول وهكذا يجب أن نبني السودان!!

حرية الضمير أولاً..

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى