رأي

عثمان ميرغني يكتب: تحالف السلطة والمال..

لأكثر من عشرين عاماً، أكبر عائلتين في عصابات المافيا الأمريكية أوقفتا التجنيد، واكتفتا بالأعضاء العاملين لديهما، اتفاقاً غير مكتوب بين العصابتين، لكن في قوانين المافيا فإن أي اتفاق بمثابة دستور مقدس غير قابل للنقض..

ولكن في منتصف حقبة الثمانينيات شعرت العائلتان أن عدد أعضاء المافيا تناقص كثيراً، أما بالموت خلال العمليات الإجرامية الخطرة أو بالتقاعد بحكم السن، وطبعاً في قوانين المافيا لا مجال للتوبة، فهي تعني حكماً بالإعدام. اتفقت العائلتان على فتح فرص لتجنيد أعضاء جدد، وكانت الإجراءات والشروط صعبة لا يعبرها إلا عتاة المجرمين، وبعد أن استوفت المافيا العدد المطلوب احتفت بالأعضاء الجدد في حفل لأداء القسم، قسم الولاء لعصابتي المافيا، كان بنود القسم واضحة وصارمة لكنها بسيطة موجزة، وهي:

أن لا يرتكب عضو المافيا خيانة مع زوجة عضو آخر.

أن لا يستخدم القنابل في القتل، ومتاح الرصاص والخنق والحرق و أية وسيلة أخرى.

اكتفت عصابتا المافيا بمن دشنتهم وأعلنت مرة أخرى إغلاق باب التجنيد إلى أجل غير مسمى.

رغم الإجرام لكن يظل أعضاء المافيا ملتزمون بمنتهى الصرامة بمواثيق “شرف المهنة”.. شرف المهنة لمهنة الـ(لا) شرف.

في مجتمعات راقية مثل أمريكا و إيطاليا يبدو غريبا أن تزدهر عصابات المافيا بل وتتوارث المهنة جيلاً بعد جيل، وأن يكون لها زعماء معروفون، وتقاليد، وحفلات تدشين للأعضاء الجدد، بل وبرنامج رعاية اجتماعية للمتقاعدين.. ومع ذلك تحافظ هذه الدول على طهارة ديموقراطيتها وشفافية مسلكها العام وكل مطلوبات الحكم الرشيد الذي يوفر العدالة والرفاهية للشعوب.

السبب هو أن الإجرام هنا لم يتخط العتبة الفاصلة!!

هدف الجريمة هو الثروة، فإذا تخطت ذلك لتجمع الثروة وتكمل الجاه بالسلطة هنا يتغير الوضع ليصبح تحالف السلطة والمال في مقام (المترفين)..

“المترفون” لا تعني الأثرياء بالتحديد، بل الذين تجاوزوا حاجز جمع المال ليجمعوا معه السلطة.. تحالف السلطة والمال..

القرءان الكريم يصور هذه العلاقة بكل دقة، ويحدد مآلاتها..

(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)

العلاقة السببية هنا واضحة بكلمات مفتاحية ( الهلاك، فسق المترفين) فالنتيجة “الهلاك” رهن الفعل “فسقوا” عندما يصدر من “مترفيها” أي الذين جمعوا السلطة والمال.

وفي آية أخرى (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أُرسلتم به كافرون). معارضة التغيير دائماً من تحالف السلطة والمال حفاظاً على مصالحهم لا مصالح الأمة.

الرسالات السماوية الخالدة دائماً تواجه حائط الصد من تحالف السلطة والمال، فرسولنا المصطفى لما جهر بالدعوة واجه معارضة الأثرياء أصحاب السلطة.. وكان أكثر مؤيديه الفقراء وقليل من الأثرياء الذين لا يملكون السلطة، مثل سيدنا عثمان بن عفان.

وفرعون حاول احتواء دعوة سيدنا موسى بمبدأ “الهبوط الناعم” تقول الآية (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين) بعبارة أخرى؛ أبقِ يا موسى في البلاط الملكي الذي رعاك في طفولتك ودعنا نحافظ على السلطة ويمكن استصدار أوامر ملكية بما تدعو له حتى لا ينهار العرش، أول تطبيق لنظرية “الهبوط الناعم”.

الآن بعد الثورة يمر السودان بالامتحان ذاته، كثيرون يظنون أن الثورة المضادة هي عضوية المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، هذا خطأ كبير.. الثورة المضادة هم أعضاء نادي تحالف السلطة والثروة، وهؤلاء لا يحملون بطاقات بلون سياسي محدد، تماماً مثلما لا تحمل عصابات المافيا بطاقات عضوية.

الحل في التفكيك، تفكيك العلاقة بين السلطة والمال!!

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى