رأيصلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضةيكتب: أبـ فانوس !

] والفانوس معروف طبعاً..
] ولكن حين نضيف إليه أباً يغدو غير معروف لغالب الناس ؛ لا هو… ولا أبوه..وأكثر الذين يعرفونه أهل شمالنا الأدنى… والأقصى..
] سيما الذي كانوا يجوبون أنحاءه – سفراً – قبل تعبيد طرق باصاته… و لواريه..
] فهو ضوء خافت يظهر في – أو من – جوف الظلام..
] فيضل سائقي العربات – قليلي الخبرة – إذ يظنونه دلالةً على محطة في الطريق..
] والطريق ليلاً – آنذاك – لا معالم له… و لا حدود..
] بل الصحراء كلها تبدو كذلك… تماماً كبحار – ومحيطات – لا متناهية ؛ للناظر..
] وجنوب دنقلا قرية اسمها بغدادي… أو البغدادي…أو البغدادية..
] ويُقسم السائقون – وكثير من المسافرين – أنها تبدو لهم مأهولةً ليلاً… و مضيئة..
] وأضواؤها كأضواء فوانيس… تتحرك من مكان إلى آخر..
] رغم إنها مهجورة منذ أمد بعيد… ولا أحد يعرف سبب هجر سكانها لها ؛ فجأة..
] ونقول فجأة لأن كل شيء باقٍ كما هو… إلى يومنا هذا..
] أو إلى يوم قريب كان الناس يجزمون فيه بذلك… حتى الجامع احتفظ بكل محتوياته..
] ثم الفُرش… والأثاث… وبقايا الملابس والنعال وحطب النار..
] ما الذي حدث لهم؟….. لا أحد يدري ؛ فقط تركوا قريتهم – بما فيها – فجأة..
] أو من يزعم أنه يدري ينسب الأمر إلى آباء الفوانيس..
] فهم أقدم سُكنى في القرية – يقولون – وأنذروا المقيمين الجدد كثيراً… ليرحلوا..
] فلما لم يستجيبوا فرضوا عليهم رحيلاً جماعياً مفاجئاً..
] أو يمكننا أن نقول : رحيلاً فجائياً مفزعاً… لم يُمكِّنهم حتى من أخذ حاجياتهم..وبعيداً عن الخرافة هذه فلا وجود لأبي فانوس..
] ولا لخرافات مثلها عديدة تتخذ من عقول كثير من الناس قرى… ومدناً… و أمصاراً..
] فهنالك تفسير منطقي – قطعاً – لهذه الظاهرة..
] تماماً كما هناك تفسير علمي لظاهرة السراب مثلاً… الذي يحسبه الظمآن ماء..
] والعقل حين يكون ظامئاً يحسب الخرافة حقيقةً أيضاً..
] وظمأ العقل الافتقار إلى المنطق…. إلى العلم…. إلى المعرفة…. إلى الحقائق..
] قد يفتقر إلى كل أولئك وإن كان صاحبه ذا شهادات عليا..
] والبارحة يشتكي إلي – وإلى الله المشتكى – قارئ مثقف قال إنه ضل الطريق..
] هو الذي يصف نفسه بأنه مثقف… ورغم ذلك ضل..
] وسألني إن كنت أعرف أبا فانوس… فقلت : أعرفه كما أعرف الغول والعنقاء.. فمضى قائلاً : لقد تبعت واحداً سياسياً… سنين عدداً..
] وكلما ظننتني اقتربت منه – ومن ضوئه الذي يبدو جاذباً للتائهين – ابتعد عني..
] ثم تيقنت الآن ألا فرق بينه وبين أبي فانوس الصحاري..
] فلما حكيت له حكاية قرية البغدادي المهجورة – ذات الفوانيس – ضحك عميقاً..
] لقد صار هو – وحزبه – مثل هذه القرية… في نظري..
] فهي قرية مسكونة ؛ ولكن ليس بآباء الفوانيس كبغدادي… وإنما آباء المتاعيس..
] والحمد لله أن هجرت بعقلي منها الآن..
] ولن أتبع منذ اليوم فصاعداً – يقول – إلا فانوس الهدى الحق ؛ ديناً… و دنيا..
] الذي لا أب – شيطانياً – له..
] ولا حتى روحياً !.

 

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى