مزمل ابوالقاسم

مبادرة (لو عندك خُت)

* من المحزن حقاً أن تنحصر كل خياراتنا الاقتصادية في استجداء الدعم من الخارج، والتعويل على استقطاب المساعدات الدولية، بعد ثورةٍ عظيمةٍ، بهر بها الشعب السوداني العالم أجمع، وقدم بها دروساً قيمةً في الفداء والتضحية والشجاعة وقهر الصعاب، سعياً إلى التغيير.
* لم يثر السودانيون على حكامهم السابقين، كي يبقى أمرهم معلقاً بعطايا وهِبات المانحين، بعد أن جادوا بأرواحهم، وقدموا أنضر شبابهم سعياً إلى مستقبلٍ أفضل.
* عيب علينا أن نهدر إرث ثورةٍ غاليةٍ، أرست قواعد المدينة الفاضلة في ميدان الاعتصام، الذي شهد دروساً بالغة الروعة في الإيثار، وملاحم لا تنسى في التضامن والتآخي والتواد والتكافل، بإطعام الجوعى، وكفالة المحرومين، وتعليم أطفال الشوارع، ورعاية المرضى، وتقديم الرعاية الصحية والدواء لهم.
* وقتها انهالت التبرعات من كل أرجاء الدنيا على المعتصمين، وتعددت أشكال الدعم المادي والعيني بالماء والدواء والطعام والكساء والمعدات، وتطورت المبادرات في شهر رمضان المعظم، لتقدم أجمل وأروع ملاحم العصر الحديث.
* مشهد (لو عندك خُت ما عندك شيل) يكفي وحده للتأكيد على روعة هذا الشعب المُعلِّم، وقدرته على تفجير الطاقات الكامنة، وتحريك السواكن، والجود بالموجود لنصرة الضعفاء، وإعانة الفقراء، ودعم المحرومين.
* حتى الشاي والقهوة كانا يقدمان للناس بالمجان، مصحوبين بأهزوجةٍ بديعة، جادت بها قرائح بعض الشباب في لحظة إلهامٍ خلدها التاريخ (يا أخوانا الشاي.. الشاي بي جاي)، وقد تابعنا كيف تفاعلت شركة (كوفتي) مع الأهزوجة العفوية، برعايتها لمن أنشدوها وكفالة تعليمهم حتى لحظة التخرج.
* أين ذهبت تلك الطاقات الجبارة؟
* كيف تلاشت في غمضة عين، ولماذا لا تستثمرها حكومة الثورة وحاضنتها السياسية كي (نغطي قدحنا) من حر مالنا، ونفدي الوطن بما نستطيع؟
* ملايين المغتربين جاهزون للتبرع لبلادهم بالدولار واليورو والإسترليني والفرنك والريال والدرهم وكل عُملات الدنيا.. حاشاهم ما بخلوا ولن يبخلوا متى وجدوا من يحثهم ويوظف حماستهم، ويفتح لهم أبواب المساهمة لدعم الاقتصاد المتراجع.
* سودانيو الداخل مستعدون للدعم، بمبدأ (زاد الحبان ليهو مكان).
* من المحزن والله أن نكتفي جميعاً بمتابعة أنباء تصاعد أسعار الدولار بسلبيةٍ مقيتة، ونكتفي بالتحسر على انحدار الجنيه وتفشي الغلاء بضرب الكف على الكف، ووضع اليد على الخد، من دون أن نتحرك لنفعِّل مبدأ النفير المتجذر في مجتمعنا، وننزله واقعاً جميلاً في سودان الثورة.
* لسنا فقراء، لأننا نمتلك الذهب والبترول والحديد والنحاس والماء والأرض المعطاء، ببقلها وقثائها وفومها وعدسها وقطنها وقمحٍها وسمسمها وفولها ودخنها وفواكهها، بل إن المولى عزَّ وجل جاد علينا بمنتجاتٍ لا نبذل أي جهد لحرثها وغرسها، مثل الصمغ العربي الذي ينبت من تلقاء نفسه، ليمنحنا ما يفوق الثمانين في المائة من إنتاج العالم من سلعةٍ نوعيةٍ، تستخدم في مئات الصناعات الدوائية والغذائية.
* نعيب زماننا والعيب فينا، لأننا لا نعمل، ولا نوظف طاقات شعبنا في ما يخدم بلادنا، ولا نستغل خيراتها المتعددة في ما يضمن الرفاهية لنا، ويغنينا عن تكفف الناس، أعطونا أو منعونا.
* لا نتشرف والله بأن نظل عالةً على غيرنا، لتستمر بلادنا في حمل لقبها الموجع (رجل إفريقيا المريض).
* يجب علينا أن نستثمر إرث الثورة كي نفجر طاقات الشباب، ونجمع أهل السودان على مشروعٍ وطني واحد، يستهدف الجود بالموجود لدعم الوطن.
* الإرادة لا تعوزنا.. هيا بنا ننجز، ونمد اليد نحو بلادنا الحبيبة، بمبادرة نوعية، نقترح لها أن تحمل اسم (لو عندك خُت)، كي نغير بها واقعنا المزري، ونشيد بها أركان السودان الجديد.
* شهداؤنا جادوا على بلادهم بالأرواح، فهل يعجزنا نحن أن نجود عليها بالمال الحلال؟

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى