تحقيقات وتقارير

 دموع فيصل محمد صالح وعجز التلفزيون القومي عن النقل المباشر.. بعض كواليس الزيارة التاريخية (حكايات كاودا)

 

في مقعد بلاستيكي تحت شجرة جميز ظليلة كان يجلس رئيس الحركة الشعبية وقائد الجيش الشعبي عبد العزيز الحلو وبقربه نائب رئيس الحركة جقود مكوار في انتظار وصول ضيفه عبد الله حمدوك أو لو شئت الدقة ضيوفه الذين هبطوا إليه من الخرطوم ومن جوبا في وقت واحد ..كرسي البلاستيك بدأ وكأنه الصورة الأولى التي تصنع في المقابل الصور الأخرى في مدينة كاودا وبالطبع الحكاية الأولى من ضمن مجموعة حكايات حدثت في مسرح حصن الجيش الشعبي في يوم زيارة رئيس وزراء الثورة السودانية وزيارة مجموعة من الأجانب على رأسهم ديفيد بيزلي المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي وعرفان صديق السفير البريطاني ودونالد بوث المبعوث الأمريكي وغيرهم .. بالطبع احتشدت الزيارة بمجموعة من الكواليس نحاول تسليط الضوء عليها في التقرير التالي:

طائرات أممية
كل الوفود التي وصلت إلى كاودا عبرت إلى هناك عبر طائرات برنامج الغذاء العالمي، وهي طائرات تتبع للأمم المتحدة ويمكن القبول بمبدأ هبوطها في نقطة يطلق عليها سكانها بأنها محررة ومحصنة من وصول الطائرات الحكومية، بالطبع الطائرة التي حملت رئيس الوزراء إلى هناك كانت طائرة هيلوكوبتر بينما وصل الوفد الصحفي بطائرة أقل حجماً وبهيلوكوبتر أخرى.. هبط مدير برنامج الأغذية الإقليمية (ديفيد بيزلي) ووجد لحظة هبوطه استقبالاً حاراً من الحلو الذي قال إنه وحركته يحملون للرجل تقديراً خاصاً وهو الرجل الذي ظهرت صورته في المنصة الرئيسية التي تم نصبها بمعية رئيس الوزراء ورئيس الحركة الشعبية في لحظة تشابك يديهما وقام برنامج الغذاء العالمي بكافة الترتيبات اللوجستية الخاصة بالزيارة بل إن الطائرة التي عاد بها رئيس الوزراء من كادقلي كانت تحمل شعار المنظمة .

حكاية الثور الأبيض
تابع كثيرون صورة رئيس الوزراء وهو يقفز على ثور تمت عملية ذبحه مع لحظة هبوط طائرته في كاودا وهو ثور من الحجم الكبير لم تكن عملية اختياره بالهينة وبحسب المسؤول الإعلامي في الحركة الشعبية قمر دلمان فإن عملية ذبح ثور مع وصول شخص هي جزء من ثقافة المنطقة وهو أمر لا يكتمل دون تخير أفضل ثور موجود في الحظيرة وهو الأمر الذي تم ، مؤكداً على أن متاعب جمة قابلت جنود الجيش الشعبي الذي أكملوا عملية الذبح وذلك في سعيهم للسيطرة على حالة الهياج التي انتابت الثور الذي تم تجهيزه منذ مساء الأربعاء لكن قبل وصول الوفود كانت مجموعة من عساكر الجيش الشعبي تطارد ثوراً هائجاً يحاول الهروب وسط ضحكات رئيس الحركة قبل أن تتم السيطرة عليه وهو الذي كان يجب أن يتم ذبحه على شرف وصول ديفيد بيزلي لكن هبوطه في ذات توقيت هبوط طائرة رئيس الوزراء جعل المنظمون يكتفون بثور واحد الحكاية لم تنتهِ هنا، فقد ظل الثور في مكانه إلى لحظة مغادرة طائرة رئيس الوزراء وبعد ذلك تم تقسيم لحومه بالتساوي بين فصائل الجيش الشعبي.

دموع لم تنجُ منها عين
ربما أكثر ما ميز هبوط رئيس الوزراء ووفده المرافق في كاودا تلك العاطفة التي بدأت في عيون الجميع العيون التي هزمها في ذلك التوقيت قدرتها بالاحتفاظ بدموعها إلى لحظة أخرى كان مشهداً صعباً ذلك الذي ابتدرته نتالينا يعقوب ساعة هبوطها في كاودا وهي تردد عبارة :”أخيراً”، قبل ان تمضي لاحتضان شقيقها الذي لم تلتقه لعشر سنوات متتابعة، وقالت في تصريحاتها لليوم التالي إن عبارة “أخيراً” لم تكن سوى تعبيراً تتداخل فيه كل العواطف ولعل أكبرها هو حدوث ما لم نكن نظن أن بامكانه أن يحدث. نتالينا أكملت شكراً حمدوك ولكن رئيس الوزراء نفسه لم يكن لينجو من الذي حدث للآخرين وفيهم أيضاً وزير الحكم المحلي في الحكومة الانتقالية والإعلاميون الذين وجدوا أنفسهم في أحضان زميلهم السابق قمر دلمان، وذات الدموع بللت عيون وزيرة العمل والإصلاح الإداري لينا الشيخ والتي رددت في حضرة أهل كاودا والمناطق المحيطة بها (حقكم علينا) بينما كانت الدموع حاضرة أيضاً في عيون وزير الإعلام فيصل محمد صالح ساعة هبوط طائرته ،عقب هبوط طائرة رئيس الوزراء بالطبع كانت الدموع متبادلة من قبل أهالي وقيادات الحركة الشعبية في كاودا.

تلفزيون بلا صورة
كان الجميع ينتظر أن تنقل كاميرا تلفزيون السودان أحداث كاودا على الهواء مباشرة خصوصاً وأنه الوصول الأول لها إلى هناك وهو الأمر الذي سعى له حثيثاً الوفد الخاص بالتلفزيون القومي المكون من مصور ومذيع لكنهم عجزوا عن نقل الصورة في المباشر وذلك لغياب خدمة الاتصالات والإنترنت عن كاودا ليست هذا فحسب بل حتى جهاز الالتقاط الذي حمله معه رئيس الوزراء في الطائرة وبمعية مهندس قال فيصل إنهم حصلوا عليه من (عربسات) من أجل التقاط الصورة وبثها عبر الأقمار الصناعية فشل في تحقيق غاية المباشر وذلك لمشكلات تقنية كما أن تأخر طائرة وزير الإعلام التي كان يجب أن تصل قبل طائرة حمدوك ساهم في هذا الأمر، وبعد أن تم إنزاله بذل المهندس والمصور مجهوداً كبيراً من أجل ضبط اللاقط دون جدوى مع محاولات لتأخير خطاب حمدوك بقدر الإمكان وقتها كان وزير الإعلام يقوم مع المهندس بربط المسامير بلا طائل انتهى الخطاب دون أن تتوقف محاولات إرسال المادة إلى التلفزيون والتي تم إرسالها بعد مجهود عقب الوصول إلى كادقلي التي لم تكن شبكة الاتصالات فيها أفضل من الشبكة في كاودا.

الصلاة قائمة
الجميع هناك كان يناكف القادمين من الخرطوم قائلين (جيتو تصلوا) مرحباً بكم بالطبع لا تنتهي حكاية الصلاة دون ربطها بمسجد كاودا العتيق المسجد الذي لطالما أعلن رئيس النظام المخلوع بفعل الثورة أنه سيصلي فيه الجمعة بعد أن يخلي المدينة من التمرد ويعيدها إلى حضن الوطن وبالطبع القادمون أيضاً كان يغازلهم حلم الوصول إلى المسجد الذي بدأ في المخيلة السودانية بأنه غير اعتيادي لكن في حقيقته لم يكن ليختلف عن مجمل المساجد الموجودة في المدن السودانية المختلفة بل إن مساحته ليست كبيرة مقارنة بمساجد كثيرة في البلاد ويكاد يكون المسجد الثاني في المدينة بعد المسجد الواقع بالقرب من مهبط الطائرات والذي تعرض لقصف متتالي من قبل النظام البائد.. قصف كان يتم اختيار توقيته في اللحظة التي يتجمع فيها المصلون لأداء صلاة الجمعة، وهو الذي يجعل من سؤال شيخ يطلق عليه (المك) منطقياً وإن عجزنا عن إيجاد إجابته ..أي دين كان لدى هؤلاء الناس الذين يفتتحون المساجد ثم يحولون من يؤدون فرائض الله فيها إلى جثث متفحمة ؟ ربما حديثه بدا وكأنه تبرير لوجود لافتة “تدعو للعلمانية وترفض الشريعة الإسلامية وتطبيق قوانينها” علقت على جدار المسجد الذي يحتل الجزء الجنوبي الشرقي من سوق المدينة بينما تمثل الساحات المحيطة به المكان الذي تؤدى فيه فروض الصلاة وخاصة صلوات الأعياد والتي تصل صور من يؤدونها إلى الآخرين عبر وسائط التواصل الاجتماعي لتخبرهم أنتم في قلبنا فلنكن جميعنا في قلب الوطن ..

 

الزين عثمان

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى