ناهد قرناص

ولا أسفاً عليك

خلال سنوات العهد البائد ..وعندما اطبق اليأس على نفوس الكثيرين ..كتب احدهم ساخراً (من بين عمر الكون الملياري ..ومن بين كل بقاع الأرض سهولها وجبالها عاليها وسافلها ..يكون نصيبك ان تولد في السودان في عهد الكيزان …دا حظ شنو دا ؟) ..اتذكر جيداً التعليقات على كتابته ومجاراته في الكوميديا السوداء التي انتهجها ..ترى كيف يفكر الآن؟ ..هل هو سعيد بأنه عاصر الثورة السودانية ؟؟ ثورة ستظل خالدة في عمق التاريخ ..عام مضى منذ انطلاق شرارة الثورة في الدمازين ..ومن ثم عطبرة ..وبعد ذلك اشتعلت البلاد جميعها ..

تتداعى ذكريات التظاهرات ..والتخطيط للخروج ..كنت اتصل على صديقتي سامية …ونتفق على مكان وموعد اللقاء ..أكيد لازم من بدري قبل ما يقفلوا الشوارع ..في البداية كانت المظاهرة في منطقة معينة وتتناوب المناطق ..الحاج يوسف ..الكلاكلة ..امدرمان ..بري ….اتذكر جيداً يوم تظاهرة سجن النساء بامدرمان .. اوقفنا صاحب ركشة ..قالت له صديقتي (ودينا مستشفى الدايات ) نظر الينا طويلاً وقال (الدايات ولا سجن النساء ) ..طبعاً سامية كانت تشك في اي شخص بأنه (امنجي) حتى انها أوصتني بالا اناديها باسمها ولا تناديني باسمي واخترنا اسماء حركية (شغل سي اي ايه وكدا) ..عاجلته سامية بحزم (لا ماشين الدايات عندنا قريبتنا وضعت ) ..هز رأسه ضاحكاً ( والله من قبيل اشيل وانقل البنات والنسوان لي سجن النساء) ..تبادلنا النظرات بصمت ..وعندما اقتربنا من السجن ..

رأينا تجمعات النساء ..قلت له ..خلاص وقفنا هنا ..علت ضحكته وقال (ما قلتوا ماشين الدايات) مددت له بالمبلغ المتفق عليه ..أخذه وقال (لو كنتوا قلتوا من البداية جايات المظاهرة كان شلتكم مجان)..

كان واضحاً ان الجميع جاهزين للمظاهرة ..الفتيات والنساء على اختلاف الازياء ..توب ولا اسكيرت و ولا بنطلون .. او عباية ..الكل يلبس احذية (اسبورت ) او (باتا) ..لزوم الجري عند هجوم (الكجر) ..لم نكن نعرف احداً ..اقتربنا من اول مجموعة فتيات ..قلن انهن قادمات من الجامعة وفي انتظار ساعة الصفر ..لوهلة اعتراني خوف وتردد ..ماذا لو حدث لي مكروه ؟ ماذا لو أصبت برصاصة قاتلة ؟..وقد كانوا لا يتورعون عن القتل المباشر بل كانوا يرسلون التهديدات العلنية بأن كل من تسول له نفسه الخروج لا يلومن الا اياها ..أفكار كثيرة راودتني ..فجأة علت الزغرودة ..وجاءت الامواج البشرية من كل حدب وصوب

والشارع الذي كان ساكناً تحول في لحظة الى طوفان وسيل صعب ايقافه ..حينها وجدت نفسي بين الجموع ..اهتف واسمع صوتي في اذني يتردد (حرية ..سلام وعدالة ..والثورة خيار الشعب ) ..كنا نسير بقوة دفع ذاتية .. ..انهزم الخوف والتردد ..وحل مكانهما عزيمة لا تلين.

بعد مضي عام ..أشعر بالفخر انني كنت ضمن تلك الجموع ..انني لم أتردد في الخروج وتشجيع كل من حولي عليه ..حتى الآن لم يخالجني ندم قط ..رغم كل التعثرات التي شابت البدايات ..وربما بعض الاخفاقات ..رغم سخرية (الفلول) ..رغم التخبط في البدايات ..كل تلك الصعوبات لن تجعلنا نلتفت الى الوراء ..الا بغرض حمد الله والثناء عليه بما انعم علينا من فضل ..لن نتوقف الا لنقول بكل قوة للبشير وزمرته على لسان حميد رحمه الله:
تمشي ..ولا أسفا عليك
ولا عفى الله تاني تنفع
تلقى يا سفاح جزاك
تلقى قبال بكرة هسع
ومهما وسع في سجونك
تلقى عزم الشعب أوسع

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى