تحقيقات وتقارير

المهدي في الدمازين … رسائل في أكثر من بريد

في الوقت الذي كانت فيه الخرطوم تضج بمسيرة الزحف الأخضر التي دعا لها التيار الإسلامي العريض، ومحكمة الرئيس المخلوع عمر البشير في معهد التدريب القضائي، كانت طائرة رئيس حزب الأمة القومي تحط رحالها في مطار الدمازين لمخاطبة أنصاره في ميدان المولد وسط المدنية.. الحضور كان ضعيفاً مقارنة بحشود الجزيرة أبا التي خرجت لاستقباله الأسبوع المنصرم، بهذا يعتبر المهدي خسر الرهان الذي أطلقه بأن جماهير حزبه في مناطق النزاع أكبر من قوى الكفاح المسلح.
وتعاني مدنية الدمازين التي انطلقت منها شرارة ثورة ديسمبر المجيدة، من نقص في الخدمات الأساسية وتراكم النفايات وتبدو المدنية مكتظة بالأوساخ ومظهرها يوحي بأنه لا توجد عملية نظافة ونقل نفايات.

وعورة الطريق
الرحلة إلى ولاية النيل الأزرق تشوبها ثمة مخاطر وصعاب ومتاريس ابتدءاً من وعورة الطريق الذي يشكو الحفر والمطبات، ما جعل الكثيرون يمتعضون للأمر ويشيرون إلى أن حكومة الولاية غير قادرة على سفلتت الطرق، في وقت تدفع فيه المليارات لاستقبال الحشود.
مقاومة النظام
هذا وقد استقبل المئات من مواطني وأنصار حزب الأمة القومي في مطار الدمازين رئيس الحزب الصادق المهدي، وهتف الجميع بشعارات صورة ديسمبر المجيدة (حرية سلام وعدالة ) ورفعوا لافتات مكتوب عليها بالخط العريض «نرحب بفارس الديمقراطية وصمام أمان السلام» من ثم انتقل الحشود إلى ميدان المولد بوسط المدينة، وإلى ذلك قال رئيس لجنة التعبئة بولاية النيل الأزرق عصام الجبلي أن فترة الإنقاذ شهدت فساد غير مسبوق، وظلننا في تلك الفترة نقاوم النظام البائد بكل الطرق حتى انكسرت شوكته، ومن ثم انطلقت شرارة الثورة من الدمازين، الجيلي أكد على استمرار العمل الحزبي، وفقاً لوثيقة الخلاص الوطني.
وفي السياق أرسل ناظر عموم قبيلة رفاعة مالك بروف، عدة رسائل أولها إلى الشعب السوداني العظيم بأن يحافظ على الثورة، والثانية أن يكون هذا العام للتعايش السلمي، والثالثة إلى أهالي النيل الأزرق، أن فترة الحرب شهدت نزوحاً كبيراً، وتمنى أن يكون هذا العام للأمن والسلام في النيل الأزرق.
مطالب العلمانية
رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي وصف الحكم على الرئيس المخلوع عمر البشير في جرائم تتعلق بحيازة النقد الأجنبي حكم على أشياء أخف من الجرائم التي ارتكبها، وقال : البشير الآن مطلوب إلى المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والحكم هذا يناسب الجرائم المحدودة التي ارتكبها، وأضاف المهدي في رده لـ(آخر لحظة) لكن أعتقد أن هذه العقوبة قدر الاتهام الموجه إليه، لكن الاتهامات الأخرى أكثر من ذلك بكثير، المهدي قال إن كلمة علمانية الناس لا يعرفون معناها، لكن مايناسبنا العقلانية والمساواة والديمقراطية، وجزم: أعتقد أن حكم السودان بالعلمانية غير وارد، وقال طالبنا بتأجيل تلك المطالب إلى المؤتمر الدستوري، وأضاف أن مواطني جنوب كردفان ليس لهم علاقة بالشعارات وفي الوقت الراهن ينبغي على الناس الاهتمام بقضايا السلام، وأكد أن رفع الحركات للسلاح ليس بغرض قيام حكم علماني، بل لأهداف معينة، وأضاف أن اتفاقية السلام تركز على إزالة أسباب الحرب، وأردف صحيح هنالك أحزاب تطالب بالعلمانية ولكن هذا ليس كشرط لتحقيق السلام، خاصة وأن الناس سئمت الحرب، وأهم من ذلك إزالة الاسباب التي أدت إلى الحرب .
الصادق وصف المفاوضات بأنها تمثل خطوة إلى الأمام نحو تحقيق السلام، وقال إن المفاوضين الموجدين في جوبا لا يمثلون كل الأطراف التي من المفترض ان تشارك في عملية السلام، وأن هنالك سبع جهات ينبغي أن تكون هناك، لذلك النظرة للسلام يجب أن تكون شاملة ليست جزئية، ولكن يمكن إن يصلوا إلى اتفاق ما كخطوة، وأشار إلى أن المشاكل القبلية يجب معالجتها.
الزحف الأخضر
واتهم المهدي الجبهة الإسلامية باستغلال أجواء الحرية، وقال كان على الحكومة الإنتقالية التعامل مع مسيرة الزحف الأخضر بالقانون حتي لايحدث ماحدث في الدايمقراطية الثالثة، مؤكداً أن القانون يعطي الحرية للجميع .
اعتذار عبد الرحمن
اعتذار المساعد السابق للرئيس المخلوع اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي أثار جدلاً وسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، بعد مشاركته مع الإنقاذ حتى غرقت السفينة بثورة ديسمبر المجيدة، وهنا يقول المهدي في خطابه: بعد الثورة نصحت سدنة النظام المخلوع أن يعترفوا بخطيئة الانقلاب الغشاش، وأن يعترفوا بخطأ التمكين الإقصائي، وما ارتكب من مظالم أشعلت الحرب الأهلية في دارفور وفي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وأن يطلبوا من الله المغفرة، وأن يعتذروا للشعب، وأن يؤكدوا استعدادهم للمحاسبة قانونياً لينال الجاني عقابه، وأن يراجعوا أنفسهم للوصول لتعريف جديد لنظامهم كما فعل الآخرون من أندادهم، بعضهم استحسن هذه النصيحة ولكن آخرين رفضوها، وابني اللواء عبد الرحمن كان من الذين استجابوا، ونشر بياناً بموقفه، ويضيف : الأسوياء استحسنوا بيانه، ولكن بعض المعاقين بالفكر وبالعاطفة قالوا: اعتذارك ما بفيدك، وآخرون قالوا لماذا يوافق والدك على عودتك للقوات المسلحة ولم يعاد الآخرون؟، وآخرون اعتبروها خطوة تكتيكية للعودة لدور سياسي في حزب الأمة،و لقد وافقت على رد اعتباره العسكري وطالبت بعودة الآخرين بل فتحنا لهم مكتباً في دار الأمة لمواصلة المطالبة بالإنصاف، وبيانه بعيد من كل هذه الخزعبلات، إنه تلبية للنداء المذكور، ومخاطبة لسدنة النظام أن يقتدوا به.
قضايا الحرب والسلام
المهدي أكد إعطاء تحقيق السلام أولوية، ولكن اشترط تحقيقه ضمن إستراتيجية محكمة ومتفق عليه، وذلك بعقد اجتماع خارج السودان برعاية إفريقية ودولية للاتفاق على وقف العدائيات، وتسريح ودمج القوات، واجراء هيكلة قومية للقوات النظامية، وإعادة الحواكير لأصحابها، واحتواء المليشيات الحزبية والقبلية، بجانب اجتماع داخل السودان للاتفاق حول الأسباب التي أدت للنزاع، وسبل معالجتها وأهمها الحكم اللامركزي الحقيقي، والتوزيع العادل للثروة والسلطة، والتمييز الإيجابي للمناطق المهمشة، والاعتراف بالتنوع الديني والثقافي، والاستجابة لمطالب قومية مؤسسات الدولة، ومساءلة الجناة وإنصاف الضحايا، وتوازن العلاقات الإقليمية والدولية، عطفاً عن أبرام اتفاق في مؤتمر قومي للسلام، ويحال للمؤتمر القومي للدستور ليصير جزءاً لا يتجزأ من الدستور، وذلك بمشاركة المؤسسات الحاكمة، وقوى المقاومة المسلحة والقوى السياسية والنازحين واللاجئين، والقوى المدنية والمتأثرين بالسدود، وممثلي تظلمات شرق السودان، وأطراف النزاعات القبلية، وممثلي المناطق المتأثرة بالحرب، على أن يكون للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والدول المعنية، والأمم المتحدة حضور كمراقبين، لأن تناول قضية السلام بالنهج القطاعي لا يجدي، بل يفتح الباب لمزايدات بين القوى الثورية، ومحاولات البعض الاستنصار بقواعد قبلية، ما يؤجج النزاعات القبلية كما حدث في شرق السودان.
تعيين الولاة
وشدد إمام الانصار على عدم التأخير لأن تأخرها يعني استمرار ولاية النظام المخلوع، وقال يجب أن يعين الولاة أشخاص انتمائهم السياسي لجهات معلومة، كما يجب أن تنطبق عليهم ثلاث صفات الكفاءة المقنعة، التنازل عن أي صفة تنظيمية حزبية ليسلك الوالي سلوكاً قومياً أثناء ولايته، وألا يكون ملوثاً بأية علاقة بالنظام المخلوع، واقترح أن تكون من أولى خطوات الولاة الجدد تنظيم وإجراء انتخابات في المحليات لتحريرها من قبضة التمكين، وقال الصادق نحن نؤيد مؤسسات الفترة الانتقالية، ولكن الوضع الاقتصادي يتطلب إجراءات إسعافية لأن مطالب المعيشة لا تنتظر، لذلك لابد من الإسراع بالدعوة لمؤتمر قومي اقتصادي يؤمه كافة المؤهلين سياسياً، وفنياً ومهنياً لتشخيص الحالة المتردية واقتراح مشروع الإصلاح المطلوب.
قضية المناهج
وطالب المهدي في لقائه الجماهيري بمدنية الدمازين أن يشمل الإصلاح الاقتصادي مشروع عدالة اجتماعية، فلا يمكن أن يستتب السلم الاجتماعي مع وجود نسبة عالية من العطالة، ووجود مناطق مهمشة، ووجود سكن عشوائي، كما أن توزيع الدخول الحالي غير مقبول، وقال إن النظام المخلوع أفسد التعليم بكل أقسامه: التعليم العام، التعليم الخاص، والتعليم الفني، والتعليم العالي، ويجب وقف أي مبادرات فردية خاصة موضوع المناهج، والدعوة لمؤتمر قومي للتعليم لتشخيص الحالة وتقديم المشروع الإصلاحي المطلوب الذي يشمل كذلك تعليم الخلاوى ومحو الأمية، واضاف أية مبادرات فردية في مجال التعليم يجب رفضها، والتطلع لتشخيص وتوصات المؤتمر القومي للتعليم.
الدعم السريع
ظلت علاقة الصادق المهدي وقوات الدعم السريع وقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي مثار جدل المجالس، وذهب البعض الى أن هناك تحالف بين الرجلين، خاصة بعد امتلاك الحزب لعدد من السيارات الفارهة، وقد تساءل عدد من الصحفيين من مصدر تمويل هذا اللقاء الجماهيري؟ ،في ظل عدم وجود أجابة واضحة من قبل الحزب، وهنا اوضح رئيس الحزب أن موضوع الدعم السريع لا يمكن تناوله بالأماني، فإذا كان موقف حميدتي كما هو معلوم إنحاز لمطالب الشعب يجب أن يعامل بإيجابية فعله، وأن يقبل هو ومن معه في مهمة بناء الوطن، أما الاتهامات الموجهة له ولقواته فالأمر سوف تتناوله العدالة الانتقالية.
في ذات السياق تعهد المهدي بتكوين هيئة عليا للتصدي للنزاعات القبلية في جميع أنحاء السودان، بجانب أخذ تعهد من طرفي النزاع بين رفاعة والفلاتة بعدم الاعتداء وتكوين لجنة من الحزب والهيئة وناظر رفاعة وممثلين لقبيلة الفلاتة للالتقاء بالطرفين وتأكيد الصلح، على أن يشارك في الأمر المك الفاتح عدلان، كما ناشد كافة الأطراف المعنية لكي نتعاون جميعاً في تحقيق ومواصلة المصالحة القبلية.
أصدقاء السودان
وقال الإمام إنه أرسل خطاب ترحيب باجتماع أصدقاء السودان في الخرطوم وطالب فيه بعدم محاولة جر السودان للمحورية، وتبني مشروع مارشال تنموي في السودان وشطب اسم السودان من رعاية الإرهاب، وهو مستحق ويفتح لنا أبواباً، ويسهم في إعفاء الدين الخارجي ضمن مشروع هيبك المعروف، ومساعدت السودان في رد الأموال المنهوبة والتي أكثرها في لندن وماليزيا و دبي، وقال الصادق دعم النظام الانتقالي ونناصحه حتى يجتاز المرحلة الانتقالية، وبعدها يعمل على إجراء الانتخابات العامة الحرة تكملة لحلقات الثورة المتفق عليها، واحتكاماً للشعب صاحب السيادة.

تقرير : عماد النظيف
الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى