تحقيقات وتقارير

جريدة لندنية : إجراءات نوعية تقوّض إرث الإسلاميين.. السودان يصفّي ملف الإرهاب لتطوير علاقاته الدولية

لقي حمدوك ترحيباً من جهات مختلفة في الولايات المتحدة، ونجح في استعادة تبادل السفراء معها بعد توقف دام 23 عاما، لكن بقيت عقدة الإرهاب بحاجة إلى المزيد من التفكيك السياسي والأمني، ليكون السودان خارج القائمة الأميركية، ويلعب دوراً في مكافحته، وهو ما بدأت الحكومة تنتبه إليه، واتخذت تحركات تؤكد رغبتها العارمة في اجتثاثه من جذوره.

لم تكتف السلطة الانتقالية السودانية بإجراءات نوعية في مجال التقويض المعنوي والمادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، والحركة الإسلامية ورموزها، بل اتجهت إلى فتح تحقيقات في ملفات ربطت بين الخرطوم وبين الإرهاب في نواح عدة، وجعلتها قبلة للكثير من الجماعات الشاردة، بما وضع السلطة الحاكمة في بوتقة واحدة مع المتشددين والإرهابيين، وباتت كل خطوة تتخذ في هذا الفضاء تقرب السودان خطوات من الولايات المتحدة، وتبدد المخاوف التي حالت دون رفع اسمه من لائحة الإرهاب حتى الآن.

لم ينس العالم أن الخرطوم تحولت إلى مركز جذب للكثير من القيادات الإسلامية المتطرفة، ويتذكر أيضا أن تعاون الخرطوم كان محكوما بانتهازية كبيرة، ما جعل ملف الإرهاب يراوح مكانه، ويرتبط التقدم والتأخر، والصعود والهبوط، بتقديرات سياسية، تفرضها لوازم المرحلة، لكن في النهاية لم يكن التنسيق عاليا، وافتقر إلى المصداقية المطلوبة، لذلك يبدو التعويل فائقا على الحكومة السودانية الحالية.

راجت معلومات حول قيام منظمة “زيرو فساد” بتدوين بلاغات قانونية قبل أيام، ضد 3 من رموز نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير، عندما كانوا في مناصبهم الرسمية، بالتخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وهم: عثمان محمد طه، وزير الخارجية، ونافع علي نافع، مدير جهاز الأمن، وصلاح قوش، مدير جهاز المخابرات.

سيطرة على الوضع

يؤكد فتح هذا الملف جدية الحكومة في إغلاق القضايا العالقة، والاستعداد لوضع حد لها، وأن دولة القانون عازمة على ترسيخ أقدامها، بما ينسجم مع رؤية الكثير من القوى الكبرى الخاصة بأن جرائم الإرهاب لن تسقط بالتقادم، بدليل استمرار مطاردات الولايات المتحدة لعناصر متطرفة على مستوى العالم، والحرص على القصاص ممن ارتكبوا جرائم ضد مواطنين أميركيين أينما وجدوا، ناهيك عن القضايا المرفوعة من أسر ضحايا لطلب تعويضات سخية، تريد واشنطن أن تتكفل بها الدول التي أجرم رعاياها.

وأثبت حسن الترابي، الزعيم الراحل للحركة الإسلامية، تورط عثمان ونافع وقوش، في محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس المصري خلال حضوره القمة الأفريقية في أديس أبابا، في يوليو 1995، ما عزز اتهامات مصر وإثيوبيا بتورط نظام البشير.

تشير المستجدات إلى ضرورة التعامل الشفّاف الذي يضاعف ثقة وقناعات القوى الإقليمية والدولية في السودان كدولة قانون، لأن هناك محاكمات واتهامات للبشير وبعض معاونيه، بدأت تظهر ملامحها، على ما اقترفوه منذ حدوث الانقلاب قبل ثلاثة عقود.

اتخذ السودان خطوة كبيرة تدعم رغبته في الانخراط بالتعاون مع المنظمات الدولية في مكافحة الإرهاب، حيث استقبلت الخرطوم وفدا من الأمم المتحدة خلال الفترة الممتدة من 3 إلى 5 ديسمبر، لتقييم قدرته على استخدام بيانات الركاب للكشف عن الإرهابيين الأجانب واعتراضهم، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2396 المتعلق بالبرنامج، بعد أن تزايدت أعداد القادمين إلى السودان.

أوضح رئيس الوفد الأممي، رافي غريوغوريان، أن التنفيذ السليم للبرنامج الخاص بالسفر في ملف مكافحة الإرهاب يساعد السودان في الوفاء بالتزاماته الحقيقية، وإظهار استعداده ليكون شريكا موثوقا به في هذا المجال، وهي الخطوة التي لن تتلكأ حكومة حمدوك في استكمالها.

أُطلق برنامج الأمم المتحدة لمكافحة سفر الإرهابيين في 7 مايو الماضي، ويستخدم نهجاً شاملاً لمنظومتها عبر شراكة مع المديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة الطيران المدني الدولي، ومكتب الأمم المتحدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلا عن الإنتربول.

رغبة في طي صفحة الماضي

يمثل التعاون المشترك بين الطرفين نقطة إيجابية للخرطوم في سياق اقترابها من الأدبيات المعمول بها في العالم، والتي كان نظام البشير يتهرب من معظمها، أو يتصرف بطريقة معاكسة، ما قلل من المصداقية، وأبقى على سيف الإرهاب مسلطا على رقبته فترة طويلة.

ولا تزال الحكومة الراهنة تعاني من مخلفاته التي يحتاج تجاوزها إلى إجراءات متعددة للقضاء على الجيوب المنتشرة في مواقع مختلفة، حتى صارت علامة سلبية في وجه السلطة الانتقالية.

وتتطلب تسوية ملف الإرهاب رشادة سياسية كي لا تزداد الأوضاع تفسخا، ويستوجب غلقه حزمة كبيرة من التحركات الأمنية الجريئة، ربما تكون السلطة الانتقالية في الخرطوم ولجت هذا الطريق ببطء، لكنها تبدو متعثرة في نظر بعض الجهات، وتَلزمها قدرة على الاقتحام بلا حسابات داخلية معقدة تؤثر على صورتها خارجيا.

اشترط مسؤولون في الولايات المتحدة على رئيس الحكومة السودانية خلال لقاءاته في واشنطن الأسبوع الماضي، الشفافية المالية في قطاع الأمن، وتصفية المتبقين من النظام القديم الذين ما زالوا يدعمون الإرهاب الدولي، والتوصل إلى تسوية مادية عاجلة في قضية الهجمات التي نفذتها عناصر من تنظيم القاعدة تنتمي إلى السودان، وفي مقدمتها تفجير السفارة الأميركية في كينيا وتنزانيا، وتفجير المدمرة كول، وصرف تعويضات لكل أسر الضحايا الذين يمارسون الآن ضغطا قانونيا واضحا على الإدارة الأميركية.

أدرجت الولايات المتحدة السودان في لائحة الدول الراعية للإرهاب، بسبب إيواء الخرطوم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الراحل، ما أدى إلى فرض عقوبات مالية واقتصادية، وعزل الخرطوم عن المجتمع الدولي بعد ثبوت ارتباط نظامها الحاكم بجماعات إرهابية.

عجلت ضغوط متباينة على الحكومة السودانية بدفعها إلى القيام بتحركات أمنية على مستويات عدة، والتخلي عن ترددها الظاهر في الاقتراب بشجاعة من ملف الإرهاب وذيوله في الداخل، وعدم انتظار تحقيق السلام الشامل في البلاد، لأن كل تأخير يرخي بظلاله القاتمة على ملفات حيوية، ويوحي بأن هناك تقاعسا في المواجهة المحتومة.

تمكنت الاستخبارات العسكرية في السودان الخميس الماضي من القبض على ستة عناصر ينتمون إلى تنظيم “بوكو حرام” الإرهابي الناشط في نيجيريا، وتم تسليمهم لدولة تشاد التي يحملون جنسيتها، وهي خطوة رمزية تؤكد نقطتين، الأولى: الخرطوم تنوي التصرف بحزم مع المتشددين، والثانية: الاستعداد للتعاون لأبعد مدى مع القوى الإقليمية والدولية، وإذا كان هناك تلكؤ فهو يرجع إلى الأولويات، وليس إلى أغراض تتعلق بالإحجام أو عدم الرغبة في التنسيق.

أعدت الحكومة السودانية بالفعل برنامجا لمكافحة الإرهاب، وشرعت في تطبيق منهج صارم للحد منه ومن التطرف الديني بالتعاون مع جهات خارجية.

ويحتاج فقط إلى قدر كبير من التفعيل، وربما كثافة القضايا العاجلة لعبت دورا في تأخير وصول رسالة الحكومة الإيجابية إلى من يهمهم الأمر، وحرصت على أن تبدي تجاوبا مع الإشارات التي تصلها بشأن مكافحة الإرهاب، وثمة مرحلة جديدة تفرض الجدية الكاملة في هذا الملف.

يحدد عمق التعاون في المجال الاستخباراتي طبيعة الموقف السوداني من مكافحة الإرهاب، لأن الكثير من القوى الإقليمية والدولية ترى مصلحة رئيسية في أن تكون الخرطوم شريكا فاعلا في منطقة قد تتحول إلى بؤرة للإرهاب خطيرة عقب استقبالها الآلاف من المتطرفين، وهو ما يحتاج إلى إعادة تنظيم جهاز الأمن والمخابرات في السودان، وطي الصفحة الماضية تماما، وإنهاء وجود بعض القيادات الرفيعة التي تساهم في صناعة القرار الأمني.

تقرير : محمد أبوالفضل
المصدر (جريدة العرب)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى