تحقيقات وتقارير

تعديل القوانين .. إزالة متاريس الإصلاح

بصورة دراماتيكية تتواتر الأحداث في البلاد هذه الأيام، والتعديلات الجذرية مازالت ماضية في طريقها لتحقيق أهداف الثورة، وتصحيح أخطاء النظام البائد، وبالأمس القريب أجاز مجلس الوزراء مشروع إلغاء قوانين النظام العام والآداب العامة بالولايات لسنة ٢٠١٩م بجانب مشروع قانون مفوضية إعادة بناء المنظومة القانونية والعدلية لسنة٢٠١٩م والذي يهدف إلى إعادة بناء الأجهزة العدلية وتهيئتها للانتقال للمرحلة الجديدة، والقانون الثالث هو مشروع قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م وإزالة التمكين، في وقت تتوقع الساحة السياسية إلغاء عقوبات من بينها الجلد والإعدام .

 

لجنة مختصة
القوانين أعدتها لجنة مختصة من قوى إعلان الحرية والتغيير، قدمها وزير العدل مولانا نصر الدين عبدالباري، لمجلس الوزراء في اجتماعه الاستثنائي أمس، وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل محمد صالح، إن مجلس الوزراء تداول حول مشروعات القوانين الثلاثة وأبدى بعض الملاحظات، حيث شرع وزير العدل فوراً في إجراء التعديلات التي طلبها مجلس الوزراء، توطئة لرفعها للاجتماع المشترك للمجلس السيادي ومجلس الوزراء، باعتبار أن اجتماع المجلسين بحسب الوثيقة الدستورية يقوم مقام المجلس التشريعي الذي يجيز القوانين، وقال وزير الثقافة والإعلام إنه من المتوقع أن يتم الاجتماع المشترك خلال اليومين المقبلين لمناقشة هذه القوانين وإجازتها النهائية.
النظام العام
قانون النظام العام الذي يجري تطبيقه منذ عام 1996، يُعني بتجريم السلوكيات الشخصية مثل ما يعرف بالزي الفاضح، وشرب الخمر، والأعمال الفاحشة، والأعمال الفاضحة، والإغواء، والمواد والعروض المخلة بالآداب العامة، خلف الكثير من المشكلات لدى النظام السابق وأصبح بعض من ضحاياه محل اهتمام الرأي العام الدولي، وشكا كثيرون منه على مدى ثلاثة عقود ماضية من القانون باعتباره تشريعاً ولائياً وضعه نظام البشير قيد بموجبه حرية المرأة بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية، وظل تشريع النظام العام الذي يعطي صلاحيات واسعة للشرطة بملاحقة أي سلوك تعتقد أنه مخل بالآداب والذوق العام، محل انتقاد المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة، منذ تطبيقه مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكثيراً ما أدخل الحكومة في حرج دولي.
وفي مفاجأة للجميع جوبه قانون النظام العام في أيام النظام البائد الأخيرة بانتقادات لاذعة من الرئيس المعزول البشير الذي قال إن القانون أصبح محلاً للابتزاز والتشهير بالمواطنين، وأعلن أنه سيقوم باستدعاء المسؤولين في الشرطة والنيابات لأجل إيقاف ما وصفه بالعبث، بعد أن أصبح تطبيق القانون خاطئاً ويتم استخدامه في الابتزاز والتشهير، وأشار البشير إلى أن التجسس على خصوصيات الآخرين محرم شرعياً وأن الشخص داخل منزله مباحاً له فعل كل شيء، وسبقت انتقادات البشير لقانون النظام العام توصيات اعتمدها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في آخر اجتماع لمكتبه القيادي، قضت بمراجعة بعض مواد القانون المثير للجدل بغرض وقف التضييق على الشباب الذي خرج في تظاهرات تنادي بالحرية، حسب وصفه.
إزالة التمكين
وفي الوقت الذي تواترت فيه المطالبات بحل المؤتمر الوطني كانت دوائر الحرية والتغيير تطبخ على نار هادئة في قانون يمكنها من الاستجابة لدعوات الحل، حتى وضع على طاولة اجتماع مجلس الوزراء أمس، وتنص مسودة مشروع قانون تفكيك نظام الإنقاذ لسنة 2019، على أن نظام الإنقاذ مقصود به ما ترتب على الانقلاب العسكري في 30 /يونيو/ 1989، واستمر حتى أبريل 2019 لحظة إسقاطه بالثورة الشعبية السلمية.
ويعرف القانون رموز النظام المعنيين بالمحاسبة وفقاً لنصوصه، بأنهم كل من شغل منصباً في مجلس قيادة الانقلاب، أو مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني ومجلسه القيادي، أو كان رئيساً للجمهورية بالإضافة لنوابه ومساعديه ووزرائه، أو أعضاء المجالس التشريعية الاتحادية والولائية، أو كان مديراً لجهاز الأمن، أو رئيساً للقضاء أو نقيباً للمحامين، أو عضواً بالمحكمة الدستورية، إبان نظام الإنقاذ.
التعديلات المتنوعة
ونص القانون على تكوين لجنة باسم (لجنة تفكيك نظام الإنقاذ)، وتتكون من 13 عضواً يترأسها عضو بمجلس السيادة، وينوب عنه عضو في مجلس الوزراء، إضافة إلى ممثلين عن الوزارات المعنية والبنك المركزي، كما وينتظر إجازة مشروع (قانون التعديلات المتنوعة)، والذي ينص على إلغاء المواد المقيدة للحريات من القوانين السائدة في البلاد، وإجراء تعديلات على القانون الجنائي، والنقابات، والأمن الوطني، والمرور، جوازات السفر والهجرة، وألغيت بموجب مسودة القانون عقوبة الجلد، كما ألغى عقوبة الإعدام لمن تجاوز السبعين من العمر عدا جرائم القصاص، ومن لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر، وبحسب تصريحات صحافية، ينتظر أن يعالج قانوني التعديلات المتنوعة وتفكيك نظام الإنقاذ الموانع القانونية المفروضة بموجب القوانين السارية التي تحول دون محاسبة رموز النظام المعزول، وتكرس تقييد الحريات، ويطالب الثوار والمواطنون بتفكيك نظام الإنقاذ وتسريعه، ومحاسبة فساده ورموزه، ويعتبرونها خطوة مهمة لاستقرار ونجاح الفترة الانتقالية في البلاد.
وفي ذات السياق أعلن عضو تنسيقية قوى إعلان الحرية والتغيير، محمد حسن عربي، عن اتجاه لإلغاء عقوبة الإعدام والجلد في المحاكم، في غير جرائم الحدود والقصاص، ضمن قانون التعديلات المتنوعة، الذي أعد التحالف الحاكم مشروعه، وقال إن مشروع قانون التعديلات المتنوعة يهدف إلى إجراء تعديلات محددة في عدة قوانين، عبر قانون واحد، لتحقيق إلغاء جرائم الجلد والإعدام في غير جرائم الحدود والقصاص، إضافة إلى إزالة التعارض بين القوانين السودانية والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فضلًا عن منح المقبوض عليه المتهم حقوق واسعة أثناء التحريات والتقاضي، وكشف عن وجود قوانين سارية تعيق هيكلة مؤسسات الدولة، وتوقع التغلب عليها ضمن حزمة قانون التعديلات المتنوعة، بعد أن أعدوا تصوراً شاملاً بشأنها.
وتوقع عربي إجازة القانون في أول اجتماع بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء، دون أن يحدد موعدًا للاجتماع، لكنه قال إنه سيُعقد قريبًا، وأشار عربي إلى أن وزير العدل أعد مشروع قانون مفوضية الفساد، لكنه لفت إلى أن جرائم الفساد التي وقعت في عهد النظام البائد ستخضع للمحاسبة عبر قانون تفكيك نظام الإنقاذ، وأقر عربي في تصريح لـ(سودان تربيون) بوجود تباطؤ في القبض على فاسدي النظام السابق، لكون الأمر يقوم على البينة. وأضاف: يوجد بطء، وراضين عن التقدم الذي يحدث، وفي النهاية لن يفلت فاسد من العقاب .
سُلطة التشريع
ويرى كثيرون أن مجلس الوزراء ليس لديه صلاحيات سُلطة التشريع في الوقت الراهن، بيد أن البت في مثل هكذا قوانين من صلاحيات المجلس التشريعي الذي لم يتم تشكيله بعد، لكن الشاهد في الأمر أن الوثيقة الدستورية، التي تحكم الفترة الانتقالية، أعطت سُلطة التشريع إلى الاجتماعات المشتركة بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء إلى حين تشكيل المجلس التشريعي.
الحاجة لقوانين
القانوني خالد عبدالنبي يقول إن البلاد في الوقت الراهن في حاجة لقوانين تماشياً مع المرحلة الجديدة في السودان، والتي تتطلب قوانين عاجلة وتعديلات في بعض القوانين حتى لا تقف حجر عثرة في طريق الإصلاح، وقال خالد لـ(آخر لحظة) أؤيد بشدة إجازة قانون مفوضية إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية 2019م حتى يساعد الأجهزة العدلية في هذه المرحلة الحساسة، سيما وأن أغلب الشعب ينظر للعدالة كأول شعار من شعارات الثورة يجب تحقيقه، إلى جانب أن هناك كثيراً من الأسر تنتظر القصاص لأبنائها الشهداء وهناك جرحى ومفقودين، وهناك أموال سُرقت وأخفيت ينتظرها الكل لفك الضائقة التي حتماً تقود للاستقرار ولالتفاف الناس حول الحكومة حتى تعبر الفترة الانتقالية على سفينة الأمان .
ورأى عبدالنبي أن سوء القوانين الولائية يتركز في أنها صدرت من أشخاص لا معرفة لهم بالدستور والتشريع والصياغة وهم ينفذون أوامر حزب واحد بعقلية واحدة، وأشار إلى أنها لم تعرض على قسم التشريع في وزارة العدل وهم مستشارون مختصون بمراجعة القوانين ورؤية مدى تعارضها مع قوانين أخرى وصياغتها ومدى ملائمة العقوبة، واقترح القانوني خالد تشكيل لجان لتعديل القوانين تشترك فيها القضائية ووزارة العدل والبرلمان لجهة أن المجلس التشريعي لم يشكل بعد .

تقرير: جاد الرب عبيد

الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى