تحقيقات وتقارير

بعد 3 أشهر.. تحديات على طريق “الانسجام السياسي” بالسودان

محللون:
– لقاء حميدتي ومدير المخابرات دمبلاب يشير إلى وجود صراع مبطن بين العسكر والمدنيين بمجلس السيادة رغم الانسجام الظاهر
– تباين المواقف أحياناً يعود إلى قلة الخبرة لدى الأطراف العسكرية والمدنية بالمجلس
– رغم النجاحات التي حققتها الحكومة بقضيتيْ السلام ومساعي رفع السودان من قائمة الإرهاب إلا أنها لم تحقق اختراقاً بعد على المستوى الاقتصادي 
– مطلوب من حكومة حمدوك خطة واضحة للأزمات الاقتصادية الحالية
– عناصر النظام السابق تسعى لعرقلة نجاح الحكومة الانتقالية

رغم مرور نحو 3 أشهر على تولي عبدالله حمدوك رئاسة الحكومة السودانية، إلا أن التعقيدات لا تزال تشوب المشهد السياسي المحلي، وتطرح تحديات جمة على طريق الانسجام بين العسكر والمدنيين، في بلد بدأ لتوه رحلته نحو الاستقرار السياسي.

تحديات يفرضها وضع سياسي واقتصادي غير مستقر، عقب توقيع المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير اتفاقاً تشكلت على ضوئه سلطة انتقالية في مستواها السيادي والتنفيذي، فيما لا يزال المجلس التشريعي بعيداً عن التكوين في الوقت الحالي.

** انسجام مفقود 

قضية “لجان المقاومة”، التي تشكلت خلال الثورة على نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير، أعادت باليومين الماضيين إلى الواجهة شكل العلاقة بين الأعضاء المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة، ومدى تناسقهم في عملهم.

وسلط لقاء عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” ومدير المخابرات أبوبكر دمبلاب، الضوء على مسار هذه العلاقة بين المدنيين والعسكر.

وأثار اللقاء جدلاً واسعاً عقب إعلان لجان مقاومة بالعاصمة الخرطوم تضم عدد من لجان أحياء بالمدينة، تعرضها لحملة منظمة بغرض إضعافها وتشويه صورتها وتحييد دورها المقاوم تمهيداً لتصفيتها.

ولجان المقاومة؛ تشكلت في الأحياء والقرى والمدن بالبلاد، عقب اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وكان لها الدور الأكبر في إدارة التظاهرات بالأحياء والمدن وحتى في عزل الرئيس السابق البشير لاحقاً.

الكاتب عبد الحميد عوض الكريم، اعتبر أن أعضاء مجلس السيادة بمكوّنهم العسكري والمدني بدوا “منسجمين وهم يتعاملون حول ملف السلام”.

ومستدركاً في حديث للأناضول: “لكن لقاء حميدتي ودمبلاب أشار إلى أن هناك خفايا حول هذه العلاقات الجيدة، لأن سعي هؤلاء المنسوبون للمكون العسكري للقاء لجان المقاومة يشير إلى أنهم يسعون إلى نزع أحد أذرع القوة لدى قوى الحرية والتغيير والمدنيين في مجلس السيادة”.

وأضاف: “هذا اللقاء بالتأكيد يشير إلى وجود صراع مبطن بين العسكر والمدنيين في مجلس السيادة”.

إلا أن المحلل السياسي عبدالله رزق يرى أن “مجلس السيادة الانتقالي مكون واحد لا مجال فيه للتمييز بين العسكري والمدني، عقب توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس/ آب الماضي”.

ويعزى رزق، في حديث للأناضول، تباين المواقف أحيانا إلى قلة الخبرة لدى الأطراف العسكرية والمدنية في مجلس السيادة.

وتابع: “بمرور الوقت، ستنتفي مثل هذه المسائل والتداخلات بين العسكر والمدنيين باعتبار أن ضعف الخبرة والتجربة أسباب هذا الاختلاف”.

وبدأت في السودان، يوم 21 أغسطس الماضي، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرًا، وتنتهي بإجراء انتخابات.

ويأمل السودانيون أن ينهي الاتفاق بشأن المرحلة الانتقالية اضطرابات يشهدها بلدهم منذ أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، البشير من الرئاسة (1989 – 2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.

وتتبلور التعقيدات على مستوى السلطة السيادة، حيث أن مجلس السيادة مكون من 6 مدنيين رشحتهم قوى الحرية والتغيير، و5 عسكر يمثّلون عماد اللجنة الأمنية للعهد السابق التي عزلت البشير.

وعلاوة على ذلك، تبرز تحديات أخرى في علاقة بالسياق الاقتصادي الصعب الذي تولت فيه حكومة حمدوك السلطة، إضافة إلى الحرب التي تشهدها بعض مناطق البلاد، واستمرار تحكم عناصر حزب البشير في مفاصل الدولة.

** البحث عن موطئ قدم

المتتبع لأداء حكومة حمدوك سيقف على أنها تسعى لتحقيق نجاح في أمرين محددين؛ أولهما تحقيق السلام ما من شأنه خلق استقرار سياسي في البلاد يساهم في تحقيق نمو اقتصادي، وهذا ما أكده رئيس الوزراء بأكثر من مناسبة.

وجند حمدوك كل علاقات الحكومة الخارجية في حشد جهود دولية لدعم هذا الاتجاه، من خلال لقاءاته في واشنطن الأمريكية وجوبا عاصمة الجارة الجنوبية وأديس أبابا الإثيوبية والقاهرة المصرية، وحتى لدى لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر سبتمبر الماضي.

وصاحب هذا الحراك السياسي نحو السلام من قبل الحكومة الانتقالية تركيز باتجاه آخر وهو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الملف الشائك الذي لم يمكّن التغيير الحاصل في السودان من تيسيره.

ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرًا تجاريًا كان مفروضا على السودان منذ 1997.

لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، المدرج عليها منذ عام 1993، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.

** نجاح سياسي وبطء اقتصادي

مراقبون يرون أن انشغال الحكومة بقضيتيْ السلام وقائمة الإرهاب ينبغي أن لا يؤثر على قضايا أخرى تعتبر أساسية؛ مثل استبعاد رموز النظام السابق، ومحاسبتهم على جرائم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد.

وتؤكد قوى “إعلان الحرية والتغيير” أن هذه القضايا هي التي حركت الجماهير في الشارع، وهي مطالب شعبية واجبة النفاذ، وعلى رأسها حل حزب البشير واستبعاد عناصر النظام السابق من سدة الخدمة المدنية.

وأقالت حكومة حمدوك معظم قيادات الصف الأول في الوزارات والمؤسسات والهيئات والشركات الحكومية، إلا أن الكثيرين يرون أنها لازالت بعيدة عن تحقيق مطالب الجماهير.

ويرى الكاتب الصحفي عبد الحميد عوض الكريم، أن حكومة حمدوك نجحت سياسيا، ويحسب لها أنها حتى الآن حفاظها على “الحرية” وهي أحد شعارات الثورة ، وسعيها لبناء دولة ديمقراطية.

وأضاف في حديث للأناضول أن “الحكومة الانتقالية أجرت تغيرات واسعة في الخدمة المدنية، وتسعى لتغيير مؤسسي عبر القانون”.

لكنه يعود مستدركا: “رغم النجاحات التي حققتها الحكومة على هذه المستويات، إلا أنها لم تفعل شيئا على المستوى الاقتصادي بهذه الفترة القصيرة”.

وأردف: “ولكن مطلوب منها خطة واضحة للأزمات الاقتصادية الحالية لأنه حتى الآن، لا يبدو أن لديها خططا اقتصادية للتعامل مع هذه الأزمات”.

من جانبهم، يعتبر مراقبون أن الأزمات المستمرة اقتصاديا تشكل سبب وجود عناصر موالية لحزب البشير، وتعيق انسياب خدمات الوقود والمواصلات والخبز وغيرها للجماهير، بغرض خلق حالة بلبلة بالبلاد.

لكن حزب البشير ينأى بنفسه عن ذلك، وبحسب رئيسه المكلف إبراهيم غندور، فإن هذه الحكومة بعيدة عن تحقيق مصالح الشعب، وإن حزبهم لا يسعى لخلق أي بلبلة.

** نحو التغيير

الكاتب والمحلل السياسي عبدالله رزق، رأى أن الحكومة الانتقالية هي “حالة بين النظامين السابق والجديد، ونشأت بناء على مساومة سياسة وتفاوض، ولذلك فهي تتلمس الطرق القانوني في التغيير وليس النهج الثوري”.

وأوضح للأناضول أنه “من الطبيعي أن يلازم عمل حكومة حمدوك البطء، لأن الإجراءات القانونية تأخذ وقتا، بالإضافة إلى أن عناصر النظام السابق تحاول عرقلة عمل حمودك”.

ويشير إلى أن ذلك يجعل مراقبين يرون أن الحكومة بطيئة أو ضعيفة الاستجابة للأزمات، رغم أنه منوط بها وضع أسس للنظام القادم عقب انتهاء الفترة الانتقالية التي تستمر لثلاثة سنوات”.

ويرى رزق أن “مجهود حكومة حمودك بفك عزلة السودان عمل سياسي ناجح، وهو ما تحقق في الأيام الماضية، وأخيرا مشاركته في اجتماع الاتحاد الأوروبي ببروكسل (العاصمة البلجيكية)”.

تقرير : عادل عبدالرحيم

الخرطوم (وكالة الأناضول)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى