تحقيقات وتقارير

قبيل التوقيع بالأحرف الأولى.. أدوار للسفير السعودي وحميدتي يؤم الحاضرين لصلاة الفجر

عقب انتظارٍ دام أكثر من 48 ساعة عادت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي مجددًا إلى طاولة التفاوض، انتظارٌ هذه المرة كان مختلفًا فعلى الرغم من حالة التكتم التي سادت الأجواء قبيل وأثناء جلسات التفاوض فإن تفاؤلاً مشوبًا بالحذر تسيد المشهد لدى البعض، إذ توقع كثيرون أن يُسفر هذه المرة عن التوقيع بين الأطراف.

مشاهد ورصد
عندما كانت عقارب الساعة تشير إلى الـ7 مساءً كان الوفد المفاوض عن قوى الحرية والتغيير حاضرًا بفندق كورنثيا، وعند السابعة والنصف دخل وفدي التفاوض إلى قاعة المفاوضات، وكان حاضرًا من وفد قوى الحرية والتغيير، القيادي بتجمع المهنيين السودانيين أحمد ربيع، القيادي بقوى الحرية والتغيير عمر الدقير، وإبراهيم الأمين، طه عثمان، ابتسام السنهوري.
فيما شكل بعض أعضاء الحرية والتغيير حضورًا في كورنثيا بابكر فيصل، وساطع الحاج، بينما كان لافتًا غياب صديق يوسف عن الجلسة. وبحسب معلومات (السوداني) فإن غيابهُ يعود لأسباب مرضية، أما المجلس العسكري الانتقالي فتمثل حضوره في نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان “حميدتي”، رئيس اللجنة السياسية الفريق شمس الدين كباشي، الفريق ياسر العطا، اللواء دفع الله حامد.

ست جلسات
جلسات التفاوض التي ضمتها قاعة (سرت) بالطابق الأرضي امتدت لـ13 ساعة بواقع 6 جلسات مغلقة، الحضور الإعلامي رغم ساعات الانتظار الطويلة كان كثيفًا وتناوب الإعلاميون فيما بينهم بورديات.
وما بين جلسةٍ وأخرى، لم يجلس طرفا التفاوض كلٌ على حدة، بل كانت جلسات مشتركة بين بعض الأطراف تخللتها نقاشات من الجانبين. ووفقًا لمصدر (السوداني) فإن الأطراف بدأ واضحًا أن لديها العزم هذه المرة على تجاوز نقاط الخلاف  والمُضي قُدمًا.

مصدر رفيع بقوى الحرية والتغيير أشار لـ(السوداني) إلى أن نائب رئيس المجلس العسكري حميدتي كان لهُ دورٌ كبير في العبور بمراحل الاتفاق حتى يتم التوقيع، داعيًا إلى عدم التشدد وتجاوز الخلافات لمصلحة الوطن، وكان يقول لأحد أفراد المجلس العسكري الذي بدأ متعنتًا في مواقفه على حد تعبير المصدر –كان يقول له حميدتي- (مشيها، مشيها).

وجود دبلوماسي
ووفقاً لمعلومات (السوداني) كان السفير السعودي علي بن حسن جعفر موجودًا بفندق كورنثيا ودخل في حديث مع طرفي التفاوض وظل موجودًا حتى صبيحة توقيع الاتفاق، فيما قام بنقل مقر إقامته للفندق.
السفير السعودي دخل في اجتماعات مطولة مع الطرفين قبل بداية التفاوض وما بين الجلسات وأبدى استعداده لأيّ تسهيل للعملية التفاوضية بين الطرفين، وشدد أيضًا على إستعداد السعودية والإمارات لتكون سندًا للسودان وسد أيّ نقص من احتياجاته.
وعندما حانت وقت صلاة الفجر أمّ حميدتي المصلين، ودعا عقب الصلاة بأن يحفظ الله البلاد والعباد ويحقق الخير للسودان.

جلسات التفاوض

عند الحديث عن تكوين لجنة تحقيق وطنية وإن رأت أن تستعين بالوساطة الإفريقية فلا بأس بذلك، حينها وطبقًا لمعلومات (السوداني) فإن حميدتي قال إنهُ سيلقي القبض على الضالعين في مجازر الشهداء، فردًا، فردا، وأيّ فرد ضالع من القوات النظامية سيتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة.
التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير استغرق ساعات طويلة بين الطرفين في صياغة الاتفاق السياسي خاصة في الفصل الثالث المعنى بالسلطة التشريعية، سواء في موضوع نسبة تمثيل القوى السياسية في المجلس التشريعي الانتقالي في ظل تمسك طرفي التفاوض بموقفهما، حيث تمسكت قوى الحرية بنسبة 67% من عضوية المجلس ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير فيما تمسك العسكري بمراجعة النسب، بعد نقاش تم تثبيت موقف كل طرف في الاتفاق بعد تراجع العسكري عن عدم تضمينه.
النقطة الثانية تعلقت بالآلية التشريعية البديلة لحين تشكيل المجلس التشريعي خلال 90 يوماً حيث أصر العسكري على أن يقوم مجلس الوزراء بالتشريع فيما يكون للمجلس السيادي حق إجازة القوانين وهو ما يمنحه (فيتو) تجاه أي تشريع، بينما شددت قوى الحرية والتغيير على أن يتم التشريع عبر غرفة مشتركة بين السيادي والحكومة.
بعد جدل طويل تراجع المجلس العسكري ليتم التوافق على المادة 17 من الفصل الثالث المعنية بالتشريع باللجوء لاجتماع مشترك بين السيادي ومجلس الوزراء للممارسة السلطة التشريعية على أن يرفع التشريع لمجلس السيادة للاعتماد والتوقيع، ويعتبر التشريع ساريا بعد مرور 15 يوما من إيداعه لمجلس السيادة.
في الفصل الرابع سعت قوى الحرية والتغيير لجعل لجنة التحقيق المستقلة في فض الاعتصام في 3 من يوليو وما سبقه ولحق به من أحداث تحت إشراف الاتحاد الإفريقي كخطوة وسطى بعد تراجعها عن لجنة التحقيق الدولية، إلا أن المجلس العسكري سعى لقطع الطريق أمامها قبل أن يوافق على استعانة اللجنة بالدعم الإفريقي إذا اقتضت الضرورة وخرجت بالنص الذي يقول: “بعد تشكيل الحكومة الانتقالية تشكل لجنة تحقيق وطنية مستقلة في أحداث العنف في الثالث من يونيو 2019، وغيرها من الأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات وخروقات لحقوق وكرامة المواطنين مدنيين أو عسكريين كانوا، ويجوز للجنة الوطنية أن تطلب أي دعم إفريقي إذا اقتضت الحاجة ذلك”.

بداية التوقيع
مع بزوغ فجر يوم أمس، حملت الأنباء توقيع الطرفين على الاتفاق السياسي واستئناف التفاوض على وثيقة الإعلان الدستوري يوم الجمعة القادم، وعندما أشارت عقارب الساعة إلى السابعة والنصف كانت الأطراف بالداخل توقع على الوثيقة، وذلك قبيل الخروج إلى المنصة الرئيسية بالخارج والتوقيع.
ووقع عن المجلس العسكري الانتقالي نائب رئيس المجلس الفريق حميدتي، ووقع عن قوى الحرية والتغيير القيادي بتجمع المهنيين السودانيين أحمد ربيع، وكان لافتًا الخطاب الذي بدأ موحدًا لدى الطرفين.
وعقب التوقيع على الاتفاق وخروج حميدتي، هتفت إحدى الصحفيات (مدنية، مدنية) وهتف وراءها جل من في القاعة، عندها توقف حميدتي، وقال لها : “مدنية دي وقعتها أنا هسي ليك”.

تفاصيل الاتفاق
وفيما يتعلق بالاتفاق تحصلت (السوداني) على تفاصيل الإعلان السياسي الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى وتنشر جزءًا منه، حيثُ تضمن ترتيبات الفترة الانتقالية مجلس السيادة الذي يتشكل من أحد عشر عضوًا، خمسة عسكريين يختارهم المجلس العسكري، وخمسة مدنيين تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ويضاف إلى العشرة أعضاء شخصية مدنية مستقلة يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين.
أما مجلس الوزراء فتختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيس الوزراء للحكومة المدنية وفقًا للشروط الواردة بمرسوم الوثيقة الدستورية الانتقالية.
يشكل مجلس الوزراء من رئيس الوزراء وعدد من الوزراء لا يتجاوز العشرين من كفاءات وطنية ومستقلة بالتشاور يختارهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى الحرية والتغيير، ويتم اعتمادهم من قبل مجلس السيادة عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يعينهما رئيس الوزراء بعد اختيارهما من قبل الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة، ولرئيس مجلس الوزراء أن يرشح استثناءً شخصيتين حزبيتين من ذوي الكفاءة لتولي حقائب وزارية.

المجلس التشريعي
ووفقًا للإعلان السياسي تؤكد قوى الحرية والتغيير تمسكها بنسبة 67% من عضوية المجلس التشريعي ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير. فيما يؤكد المجلس العسكري الانتقالي موقفه بمراجعة نسب عضوية المجلس التشريعي، ويتفق الطرفان على أن يرجأ تشكيل المجلس التشريعي إلى ما بعد تكوين مجلسي السيادة والوزراء على أن تتم المناقشة حوله بين قوى الحرية والتغيير والأعضاء العسكريين في السيادة.
يشكل المجلس التشريعي في فترة لا تتجاوز تسعين يومًا من تاريخ تكوين امجلسي السيادة والوزراء، وإلى حين تكوين المجلس التشريعي الانتقالي يمارس مجلسا السيادة والوزراء في اجتماع مشترك السلطات التشريعية للمجلس، على أن يُرفع أيّ تشريع إلى مجلس السيادة للاعتماد والتوقيع ويعتبر التشريع المودع قانونًا نافذًا بعد مضي خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه لدى مجلس السيادة.

لجنة التحقيق
بعد تكوين الحكومة الانتقالية تُشكل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لإجراء تحقيق شفاف ودقيق في الأحداث الدامية والجرائم التي أرتكبت في الثالث من يونيو 2019 وغيرها من الأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين عسكريين كانوا أو مدنيين ويجوز للجنة الوطنية أن تطلب أيّ دعم إفريقي إذا اقتضت الحاجة.

مهام المرحلة
وضع السياسة والمنهج الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالتشاور مع الحركات المسلحة، العمل على إتمام عملية السلام الشامل في مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاق.
أيضًا تضمنت مهام المرحلة معالجة الأزمة الاقتصادية، إجراء إصلاح قانوني وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية، إنشاء آليات التحضير لوضع دستور دائم وسن التشريعات المتعلقة بمهام الفترة الانتقالية، تفكيك بنية نظام الثلاثين من يونيو وبناء دولة القانون والمؤسسات.

تصريحات ما بعد التوقيع
“الاتفاق يمثل خطوة كبيرة وحاسمة في مسار التوافق السياسي مما يفتح الباب للمصادقة على الوثيقة الدستورية”
الوسيط الإفريقي محمد الحسن لبات

“هذه لحظة تاريخية مهمة للشعب السوداني، أنا فخور بالفرصة التي أتاحها لي الاتحاد الإفريقي لأكون وسيطا في هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ الشعب السوداني العظيم.. وأدعو لأن يخرج السودان من بوتقة الفقر والحصار المفروض عليه ومن سجل ما يسمى بقائمة الدول الراعية للإرهاب”.

الوسيط الإثيوبي محمود درير
ذرف درير الدموع أثناء خطابه عندما تحدث عن استحقاق السودان لهذه اللحظة التاريخية

“أنا مطمئن لأن جيلا جديدا سيتولى إدارة البلاد بالتسامح والإقدام، والشباب شكل درجة عالية من المسؤولية وتجاوز الجهوية والعنصرية والتزم بالقومية.. والثورة السودانية أحدثت تحولا كبيرا, وأحيي الشهداء والمرأة السودانية التي شكلت أيقونة الاعتزاز على مر التاريخ بتفوقها في المجالات كافة وأصبحت تاجا في رأس كل سوداني. وأشكر الوسطاء على جهودهم والسودانيين في الخارج لوقوفهم ودعمهم للثورة”.
القيادي بإعلان الحرية والتغيير إبراهيم الأمين

“التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي بين المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير باللحظة التاريخية في حياة السودانيين ويفتح عهدا جديدا للشراكة بين الأطراف.. والاتفاق ثمرة جهد انتظره الشعب السوداني طويلا حتى يستشرف الحرية والعدالة”.
نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو

مخاطر ومهددات.. إلغام في طريق الاتفاق
الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بشأن الترتيبات الانتقالية يمثل اتفاقاً هشاً لا سيما في ظل أزمة الثقة التي تولدت بين طرفي الاتفاق وتربص العديد من الأطراف به بعد أن شعرت بأنه يأتي خصماً عليها، مما يتطلب أن يكون الاتفاق شاملا لا يقصي أحدا ولا يهدد مصالح جوهرية لجماعة عبر خلق واقع يكون خصماً عليها، وهو ما يضمن عدم انهياره بتحصينه بتوسيع دائرة المستفيدين خاصة فيما يلي الحركات المسلحة والإسلاميين.

الحركات المسلحة
الحركات المسلحة بشكل عام قد لا ترضي فعمليا تم تقليص نصيبهم بفعل اتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية باتفاق قد لا يراعي الحساسيات الإثنية خاصة بعد انتصار إرادة التغيير السلمي بدلاً عن العمل العسكري عكس نيفاشا “تسوية المسلحين” وهو ما سيجعل مصالح الهامش متأخرة نظرياً على حساب الوسط، فلسنوات عديدة توحدت قوى الكفاح المسلح مع قوى المعارضة المدنية في هدف واحد بتكتيكات مختلفة، وقبل سنوات أحرز تكتيك الكفاح المسلح تقدماً بارزاً قاد البلاد نحو اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، مما جعل من قضايا الكفاح المسلح قاطرة الانتقال نحو المستقبل وألحقت قضايا التحول الديموقراطي بالعربات الخلفية. وعند حدوث اختيار في الأولويات بين مطالب الكفاح المسلح ومطلوبات التحول الديموقراطي كانت ترجح بالضرورة كفة مطالب الكفاح المسلح، وهذا الطريق بالتأكيد لم ينتج ديموقراطية، ولكن لم يحفظ السلام أيضاً.

وإذا عدنا إلى لحظة انتصار قوى المعارضة المدنية في انتفاضة مارس/أبريل 1985. نجد أنها انتصرت لقضايا التحول الديموقراطي، وألحقت قضايا الكفاح المسلح في العربة الخلفية فلم تحفظ الديموقراطية ولم تجلب السلام.
يجب طرح حلول تتطلب تفهم الهامش بدلا عن النظر لهم باعتبارهم أصحاب مطالب واجبة التقييد في هذه المرحلة، والسودان أفقر من العبور دون تصفية مشكلة الحرب وايجاد تسوية شاملة ومقبولة في كل مكان لذلك لا بد من الإصرار على انتقال موحد، يجلب التحول الديموقراطي والسلام في وقت واحد.

مخاوف الإسلاميين
على قوى الحرية والتغيير تجاوز مرارات همجية الإسلاميين في ثلاثة عقود الماضية، يجب أن تترفع حتى لا تحول البلاد لمعسكر في صراعات إقليمية خاصة في وجود قوى إقليمية ضد الإسلاميين، وهذا يعني الدفع بتطمينات بحيث لا يشعر الإسلاميون بالتهديد من مشروع استئصالي حتى لا يعملوا ضد الاتفاق عسكريا لحماية وجودهم، أو حتى سياسيا من خلال استغلال واختراق لجان المقاومة وطرح مطالب صحيحة باسم مشروعية الثورة وتلبية مطالبها، فمن السهل التعبيئة عبر احتجاجات مطلبية مرتفعة السقف قبل السلام أو بعده لإنهاك الحكومة.

تقرير :  محمد عبد العزيز – إيمان كمال الدين

الخرطوم (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى